معرض "دنقلا" مغامرة فنية بين التراث البصري والحداثة المعمارية
عمّان - يقدم معرض “دُنقلا” مغامرة فنية تهدف إلى مدّ الجسور بين التراث البصري ممثلا بفن العرائس، وبين الحداثة ممثلة بالطريقة التي قُدمت بها الأعمال ضمن فضاء معماري أثري يعود تاريخ إنشائه إلى أربعينات القرن الماضي.
جاء المعرض الذي يقام على جاليري دار الأندى بالتعاون مع المؤسسة العربية لمسرح الدمى والعرائس في عمّان، ليعبّر عن أهمية دمج الدمى، بوصفها تراثا مسرحيا وفنيا، مع ممارسات بقية الفنون البصرية، لهذا لم يقتصر المعرض على اللوحات المنفَّذة بالألوان أو الرسومات والتخطيطات، بل تجاوزها إلى عرض صور للدمى وأعمال تركيبية ولوحات أُنجزت بمواد مختلطة ومجسّمات مصغرة للدّمى، وجميعها استحضرت صورا من الهّوية العربية والذاكرة الإنسانية المشتركة والتقاط التحولات التي مرّ بها المشهد العربي المعاصر.
ويضمّ المعرض أعمالا لفنانين بارزين من الأردن وفلسطين ولبنان ومصر وتونس والعراق وسوريا والسودان، ويقوم على مقولة أن الدمية ليست مجرّد أداة للأطفال أو للمسرح فقط، بل يمكن أن تدخل في تشكيلة الفن المعاصر كرمز ماديّ يحمل الدلالة، ومن هنا فقد جاءت الأعمال ذات طابع سردي تجريدي.
أعمال المعرض استوحيت من تشكيلات الدمى بألوان قوية وجماليات فنية تجاورت مع خطوط وكتابات تشير إلى ارتباطها باللغة والمسرح وبالحياة نفسها
ومن بين الأعمال المعروضة لوحات ليوسف عبدلكي، الفنان المعروف باستخدام تقنيات مثل الحفر والجرافيك والرّسم بالفحم، مع التركيز على الطبيعة الصامتة ومنح التشكيلات أبعادًا رمزية كالأزهار والأسماك وغيرها، وتشير أعمال عبدلكي غالبًا إلى حالة من الصمت البصري، وإلى تضخيم الأشياء اليومية المهملة، والتململ باتجاه الحرية والانعتاق.
أما أعمال حسن الحوراني فتُظهر طريقته الخاصة في المزج بين براءة الطفولة وعمق الرؤية الفلسفية، وبين الخيال الحر والرمزية البسيطة، ميله إلى استخدام خطوط وألوان خفيفة، يقبع خلفها حلم كبير بالانطلاق، كما يعتمد على البساطة في التكوين، حيث الأشكال لديه محدودة، والمساحات والخلفيات مفتوحة، مع اعتماد ألوان هادئة غالبا، تقترب من ألوان الطبيعة (الأزرق للسماء والبحر، الأخضر للحقول)، ما يمنح أعماله صفاءً وراحة بصرية.
إلى جانب ذلك، تكشف الأعمال التي استُوحيت من تشكيلات الدمى عن ألوان قوية وجماليات فنية تجاورت مع خطوط وكتابات تشير إلى ارتباط هذه المجسمات باللغة والمسرح وبالحياة نفسها، مع تركيز عدد منها على ملابس تراثية تخدم فكرة المعرض العامة وتعزز مفهوم الهوية، إذ يعد إحياء فن الدمى في العالم العربي، الهدف الرئيس للمؤسسة العربية للدُّمى والعرائس التي تأسست عام 2008.
ولا تظهر مجسمات الدمى بوصفها عناصر زخرفية أو أدوات للعرض المسرحي وحسب، بل قُدِّمت ككيانات فنية كلّ منها قائم بذاته ويحمل ذاكرة وثقافة وتجربة بصرية خاصة به، إذ جُسِّدت الدمى بمهارة عالية، وجرى الاعتناء بالتفاصيل الدقيقة في الملامح والملابس والمواد المستخدمة، لتصبح الدّمى أقرب إلى منحوتات صغيرة نابضة بالحيوية.
وُزعت المجسمات في فضاء العرض بحيث تتيح للزائر أن يتأملها من زوايا متعددة، فيرى فيها تداخل الفن التشكيلي مع الحرفة اليدوية، والرمزية الشعبية مع التعبير الجمالي، ولم تقتصر الدمى على كونها أدوات تروي حكايات مسرحية، بل تحولت إلى أعمال تشكيلية مستقلة تحاور المتلقي وتدفعه إلى التفكير في علاقتها بالذاكرة والطفولة والهوية الثقافية وعلاقتها كذلك بباقي الأعمال المعروضة.