ماذا خلف الإصرار الإسرائيلي على إنشاء ممر إنساني مع السويداء

تل أبيب تعرقل في اللحظات الأخيرة الاتفاق الأمني مع دمشق بداعي "الممر".
السبت 2025/09/27
مثل ما توقع الشرع

لا تزال إسرائيل تصر على فتح ممر إنساني مع السويداء، وهو ما يغذي شكوك الحكومة السورية من وراء هذا الإصرار، رغم خارطة الطريق التي اتفقت عليها دمشق وعمان وواشنطن لحل الأزمة في المحافظة ذات الأغلبية الدرزية، إضافة إلى أن دمشق وتل أبيب قد اقتربتا من التوافق على العديد من نقاط الخلاف لإبرام اتفاق بينهما في خضم المحادثات الجارية في الفترة الأخيرة.

دمشق - يضاعف إصرار إسرائيل على إنشاء ممر إنساني مع السويداء، من شكوك السلطة السورية في المغزى من إقامة هذا الممر، خصوصا بعد أن اتفقت دمشق وعمان وواشنطن في وقت سابق من الشهر الجاري على خارطة طريق لحل الأزمة في المحافظة ذات الغالبية الدرزية، بما يشمل ذلك معالجة الأوضاع الإنسانية.

ونقلت وكالة رويترز، الجمعة، عن أربعة مصادر قولها إن جهود التوصل إلى اتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل، تعثرت في اللحظات الأخيرة بسبب مطلب إسرائيل السماح لها بفتح “ممر إنساني” إلى محافظة السويداء.

واقتربت سوريا وإسرائيل في الأسابيع القليلة الماضية من التوافق على الخطوط العريضة للاتفاق بعد محادثات على مدى أشهر في باكو وباريس ولندن توسطت فيها الولايات المتحدة، وتسارعت وتيرتها قبيل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك هذا الأسبوع.

ويهدف الاتفاق إلى إنشاء منطقة منزوعة السلاح تشمل محافظة السويداء، حيث أدى العنف الطائفي في يوليو الماضي إلى مقتل مئات الأشخاص من الدروز.

تمسك إسرائيل بإنشاء ممر مباشر يربط بينها والسويداء بداعي إيصال المساعدات له أبعادا أخطر تتمثل في فصل المحافظة عن عمقها السوري

وتقول إسرائيل، التي توجد بها أقلية درزية تبلغ 120 ألف نسمة يخدم رجالها في الجيش، إنها ستحمي الطائفة وشنت هجمات عسكرية في سوريا تحت شعار الدفاع عن الدروز.

وخلال محادثات سابقة في باريس، طلبت إسرائيل فتح ممر بري إلى السويداء لإيصال مساعدات، لكن سوريا رفضت الطلب بوصفه خرقا لسيادتها.

وذكر مسؤولان إسرائيليان ومصدر سوري ومصدر في واشنطن مطلع على المحادثات أن إسرائيل أعادت تقديم الطلب في مرحلة متأخرة من المحادثات.

ولفت المصدر السوري والمصدر في واشنطن إلى أن تجدد الطلب الإسرائيلي عرقل خطط إعلان اتفاق هذا الأسبوع. ولم تشر أيّ تقارير سابقة إلى نقطة الخلاف الجديدة.

وتعتقد أوساط سياسية سورية أن تمسك إسرائيل بإنشاء ممر مباشر يربط بينها والسويداء بداعي إيصال المساعدات للسكان المحليين له أبعادا أخطر تتمثل في فصل المحافظة عن عمقها السوري، وفتح المجال أمام نفوذ مباشر أكبر لإسرائيل في جنوب البلاد.

وتشير الأوساط إلى جانب آخر وهو أن إسرائيل لا تريد الاستعجال في توقيع اتفاق أمني مع سوريا، والذي سيكلفها الانسحاب من المناطق التي توغلت فيها، كما أنه سيحول أمام حرية حركتها في الداخل السوري، وهو ما يفسر السبب في إعادة طرح إنشاء الممر في اللحظات الأخيرة.

وأعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في كلمة له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، الجمعة، عن اعتقاده بإمكانية التوصل إلى اتفاق مع سوريا يحترم سيادتها ويحمي أمن إسرائيل وأمن الأقليات في المنطقة.

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قال الخميس إن إعلانا مهما سيقدمه بشأن سوريا، وهو ما لم يتحقق، وسط تكهنات بأن الأمر في علاقة بالاتفاق الذي تعثر بسبب إسرائيل.

والثلاثاء، قال المبعوث الأميركي توماس باراك الذي يتوسط في المحادثات بين سوريا وإسرائيل إن الخصمين منذ فترة طويلة على وشك التوصل إلى “اتفاق تهدئة” توقف بموجبه إسرائيل هجماتها وتوافق سوريا على عدم تحريك أيّ آليات أو معدات ثقيلة قرب الحدود مع إسرائيل.

وأضاف أن ذلك سيكون الخطوة الأولى نحو الاتفاق الأمني الذي يتفاوض الجانبان بشأنه. وقال أحد الدبلوماسيين المطلعين على الأمر إن الولايات المتحدة يبدو أنها “تخفض درجة الاتفاق من اتفاق أمني إلى اتفاق تهدئة.”

وتحدث الرئيس السوري أحمد الشرع قبل باراك بقليل خلال فعالية في نيويورك، وأبدى قلقه من أن إسرائيل ربما تعطل المحادثات. وكان الشرع في السابق قياديا في تنظيم القاعدة، وقاد العام الماضي قوات المعارضة التي سيطرت على دمشق.

خلال محادثات سابقة في باريس، طلبت إسرائيل فتح ممر بري إلى السويداء لإيصال مساعدات، لكن سوريا رفضت الطلب بوصفه خرقا لسيادتها

وقال الشرع “نحن خائفون من إسرائيل.. نحن قلقون من إسرائيل.. لا العكس”.

وأوضح مسؤول سوري لرويترز أن المحادثات التي جرت قبل بدء اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت “إيجابية”، لكنه أفاد بعدم إجراء أيّ محادثات أخرى مع مسؤولين إسرائيليين هذا الأسبوع.

وقال مكتب نتنياهو يوم الأربعاء إن اختتام المفاوضات الجارية “مرهون بضمان مصالح إسرائيل التي تشمل، بين أمور أخرى، نزع السلاح من جنوب غرب سوريا والحفاظ على سلامة الدروز وأمنهم في سوريا.”

وبين سوريا وإسرائيل خصومة منذ قيام إسرائيل في 1948. وأنشئت بموجب اتفاقية فك الاشتباك في 1974 منطقة ضيقة منزوعة السلاح تراقبها الأمم المتحدة.

لكن منذ إطاحة المعارضة بالرئيس السوري بشار الأسد في الثامن من ديسمبر 2024، تشن إسرائيل هجمات غير مسبوقة على أصول عسكرية سورية في أنحاء البلاد وترسل قوات إلى جنوب سوريا.

وعبّرت إسرائيل عن عدائها الصريح للشرع، مشيرة إلى صلته السابقة بتنظيم القاعدة، وتضغط على الولايات المتحدة للإبقاء على سوريا في حالة من الضعف واللامركزية.

وخلال محادثات استمرت لشهور، كانت سوريا تدعو إلى العودة إلى اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974. وفي منتصف سبتمبر، وصف الشرع الاتفاقية أمام صحافيين بأنها “ضرورة”، وقال حينها إن إسرائيل سيتعين عليها احترام المجال الجوي السوري ووحدة الأراضي السورية، لكنه لم يستبعد احتمال حدوث انتهاكات إسرائيلية.

وأضاف “قد نتوصل إلى اتفاق في أيّ لحظة، لكن بعد ذلك تظهر مشكلة أخرى وهي هل ستلتزم إسرائيل بالاتفاق وتنفذه؟ سنرى ذلك في المرحلة المقبلة.”

2