لماذا ستعترف فرنسا بدولة فلسطينية ومن سيحذو حذوها

خطوة فرنسية رمزية تفتح الباب أمام دول أخرى لا تزال مترددة.
السبت 2025/07/26
الغضب العالمي يوسع الاعتراف بفلسطين

في تحوّل لافت قد يعيد رسم ملامح المواقف الغربية من القضية الفلسطينية، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عزمه الاعتراف رسميا بدولة فلسطين، في خطوة أثارت ردود فعل غاضبة من إسرائيل وواشنطن، وسط ترحيب واسع من الدول العربية.

باريس - أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه سيعترف بدولة فلسطينية، مما أثار غضب إسرائيل والولايات المتحدة وفتح الباب أمام احتمال أن تحذو دول كبرى أخرى، مثل بريطانيا وكندا، حذو باريس.

ويرى محللون أن إعلان ماكرون جاء مدفوعا بزيادة الغضب العالمي بشأن المجاعة والدمار في غزة الناجمين عن الحرب التي تشنها إسرائيل على حركة حماس في قطاع غزة، وعن سعي دول أخرى للاعتراف بدولة فلسطينية. ونشر ماكرون رسالة بعث بها إلى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يؤكد فيها عزم فرنسا على المضي قدما نحو الاعتراف بدولة فلسطينية والعمل على إقناع شركاء آخرين بأن يحذو حذوها.

وقال إنه سيعلن ذلك رسميا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة التي ستنعقد في سبتمبر المقبل. وباتت فرنسا أول دولة غربية كبرى تغير موقفها الدبلوماسي من قيام دولة فلسطينية بعد اعتراف إسبانيا وأيرلندا والنرويج رسميا بها العام الماضي.

ورغم أن قرار الاعتراف بدولة فلسطينية رمزي في الغالب لأن إسرائيل تحتل الأراضي التي يسعى الفلسطينيون منذ فترة طويلة إلى إقامة دولتهم المستقلة عليها، وهي الضفة الغربية وقطاع غزة، على أن تكون عاصمتها القدس الشرقية، لكن هذه الخطوة من جانب فرنسا، التي تضم أكبر جاليتين لليهود والمسلمين في أوروبا، يمكن أن تعطي دفعة أكبر لحركة تقودها حتى الآن دول أصغر وأكثر انتقادا لإسرائيل بوجه عام.

قرار الاعتراف بدولة فلسطين يمنح التحرك الفرنسي بعدا سياسيا وأخلاقيا يتجاوز رمزيته الدبلوماسية
◙ قرار الاعتراف بدولة فلسطين يمنح التحرك الفرنسي بعدا سياسيا وأخلاقيا يتجاوز رمزيته الدبلوماسية

ويزيد هذا القرار أيضا من عزلة إسرائيل على الساحة الدولية بسبب الحرب التي تخوضها في غزة وأدت إلى موجة جوع قال رئيس منظمة الصحة العالمية هذا الأسبوع إنها ترقى إلى مستوى جوع جماعي من صنع الإنسان.

وتقول إسرائيل إنها ملتزمة بالسماح بدخول المساعدات إلى غزة، لكنها تؤكد ضرورة تحكمها فيها لمنع تحويلها إلى المسلحين.

وذكرت أنها سمحت بدخول ما يكفي من الغذاء إلى غزة خلال الحرب، وتحمّل حركة حماس مسؤولية معاناة سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة. ويميل ماكرون منذ أشهر نحو الاعتراف بدولة فلسطينية في إطار مساع للحفاظ على فكرة حل الدولتين رغم الضغوط التي يتعرض لها لثنيه عن ذلك.

وقرر ماكرون اتخاذ هذه الخطوة قبل مؤتمر للأمم المتحدة تشارك فرنسا والسعودية في استضافته الأسبوع المقبل لتناول هذه القضية في محاولة للتأثير على دول أخرى تفكر في اتخاذ هذه الخطوة، أو الدول التي لا تزال مترددة.

وأمضى مسؤولون إسرائيليون شهورا قبل إعلان ماكرون في الضغط لمنع ما وصفه البعض بأنه “قنبلة نووية” للعلاقات الثنائية. وذكرت مصادر مطلعة أن تحذيرات إسرائيل لفرنسا تراوحت بين تقليص تبادل معلومات المخابرات وتعقيد مبادرات باريس الإقليمية بل وحتى التلميح إلى احتمال ضم أجزاء من الضفة الغربية.

ويمكن أن يضع قرار فرنسا ضغوطا على دول كبرى، مثل بريطانيا وألمانيا وأستراليا وكندا واليابان، لاتخاذ مثل هذه الخطوة. وعلى المدى القريب، قد تكون مالطا وبلجيكا الدولتين التاليتين من الاتحاد الأوروبي اللتين ستعترفان بدولة فلسطينية.

وقال وزير بريطاني الجمعة إن لندن تؤيد الاعتراف بدولة فلسطينية في نهاية المطاف، لكن الأولوية الآن يجب أن تكون تخفيف المعاناة في قطاع غزة وتوصل إسرائيل وحماس إلى وقف إطلاق النار. وذكرت ألمانيا الجمعة أنها لا تعتزم الاعتراف بدولة فلسطينية على المدى القريب، وأكدت أنها تعطي الأولوية لإحراز “تقدم طال انتظاره” نحو حل الدولتين تعيش بموجبه إسرائيل ودولة فلسطينية في سلام.

واعترفت أيرلندا والنرويج وإسبانيا العام الماضي بدولة فلسطينية يتم ترسيم حدودها على ما كانت عليه قبل حرب عام 1967، عندما سيطرت إسرائيل على الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية. ومع ذلك، أقرت الدول الثلاث أيضا بأن تلك الحدود قد تتغير في أي محادثات للتوصل إلى تسوية نهائية، مؤكدة أن قراراتها لا تنتقص من إيمانها بحق إسرائيل الأساسي في الوجود بسلام وأمان.

وتعترف نحو 144 دولة من بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وعددها 193 دولة، بفلسطين كدولة بما في ذلك معظم دول جنوب العالم وروسيا والصين والهند. لكن عددا قليلا فقط من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وعددها 27، هي التي تعترف بدولة فلسطينية، ومعظمها من الدول الشيوعية السابقة إضافة إلى السويد وقبرص.

ووافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر 2012 على الاعتراف الفعلي بفلسطين دولة ذات سيادة من خلال رفع وضعها في المنظمة الدولية كمراقب إلى “دولة غير عضو” بعد أن كانت “كيانا”.

◙ فرنسا باتت أول دولة غربية كبرى تغير موقفها الدبلوماسي من قيام دولة فلسطينية بعد اعتراف إسبانيا وأيرلندا والنرويج رسميا بها العام الماضي

وندد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بقرار فرنسا، أحد أقرب حلفاء إسرائيل والعضو في مجموعة السبع، قائلا إن هذه الخطوة “تكافئ الإرهاب وتنذر بخلق وكيل إيراني آخر”. ووصف وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس هذه الخطوة بأنها “عار واستسلام للإرهاب”، مضيفا أن إسرائيل لن تسمح بإقامة “كيان فلسطيني من شأنه أن يضر بأمننا ويهدد وجودنا”.

وقال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إن الولايات المتحدة “ترفض بشدة خطة (ماكرون) للاعتراف بدولة فلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة”.

وكتب في منشور على إكس “هذا القرار المتهور لا يخدم سوى دعاية حماس ويعوق السلام… إنه صفعة على وجه ضحايا السابع من أكتوبر”، في إشارة إلى هجوم حماس على إسرائيل في 2023 والذي أشعل فتيل الحرب في غزة.

ورحبت دول ومنظمات عربية الجمعة بالإعلان الفرنسي. وأعربت وزارة الخارجية السعودية في بيان عن “ترحيب المملكة بإعلان ماكرون عزم بلاده على الاعتراف بدولة فلسطين”. وأشادت بـ”هذا القرار التاريخي الذي يؤكد توافق المجتمع الدولي على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية”.

وشددت الوزارة على “أهمية مواصلة اتخاذ الدول للخطوات التي تسهم في إنفاذ القرارات الدولية وتعزز الالتزام بالقانون الدولي”. وجددت دعوة السعودية “لبقية الدول التي لم تعترف بعد، لاتخاذ مثل هذه الخطوات الإيجابية والمواقف الجادة الداعمة للسلام وحقوق الشعب الفلسطيني”.

وفي بيان لخارجيتها، رحبت قطر بإعلان ماكرون، مؤكدة أن “هذه الخطوة تمثل دعما مهما للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني”. واعتبرت أن “هذا الإعلان يعد تطورا إيجابيا ينسجم مع الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، ويساهم في تعزيز فرص تحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة”.

وجددت الخارجية دعوة قطر “جميع الدول التي لم تعترف بعد بدولة فلسطين، إلى اتخاذ خطوات مماثلة تعكس الالتزام بالقانون الدولي، وتدعم الحقوق التاريخية والثابتة للشعب الفلسطيني الشقيق على أرضه”. وأعربت الكويت في بيان للخارجية عن الترحيب بإعلان ماكرون عزم بلاده الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين.

ووصفت الخارجية الكويتية في بيانها هذه الخطوة بأنها “هامة ومن شأنها الإسهام نحو تحقيق ما نصت عليه قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، ومبادرة السلام العربية بشأن تمكين الشعب الفلسطيني من تقرير المصير، وإقامة دولته المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية”.

وأكدت “ضرورة اتخاذ سائر الدول خطوات مماثلة من أجل إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية”. ورحبت ‏‎سلطنة عمان في بيان للخارجية، بإعلان ماكرون ووصفته بأنه “تاريخي”.

ودعت السلطنة “بقية الدول التي لم تعترف بعد بالدولة الفلسطينية إلى المبادرة بذلك تجسيدا لحلّ الدولتين وترسيخا للحق الشرعي للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها ‎القدس الشرقية”.

◙ القرار الفرنسي يزيد من عزلة إسرائيل على الساحة الدولية بسبب الحرب التي تخوضها في غزة

وبدوره، أعرب الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي في بيان عن ترحيبه وإشادته بإعلان ماكرون.وأكد أن “هذا الإعلان يعد خطوة مهمة تعكس التزام الجمهورية الفرنسية الراسخ بمبادئ العدالة والشرعية الدولية، لدعم كافة القضايا الإقليمية والدولية”.

ودعا البديوي كافة الدول التي لم تعلن بعد اعترافها بدولة فلسطين، إلى “اتخاذ هذه الخطوة التاريخية والمسؤولة، بما يسهم في رفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني الشقيق، ويعزز المسار نحو تحقيق السلام العادل والدائم”.

وتوجه نائب رئيس السلطة الفلسطينية حسين الشيخ بالشكر إلى فرنسا وقال على منصة إكس إن قرار ماكرون يعكس “التزام فرنسا بالقانون الدولي ودعم فرنسا لحقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة”.

واعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بحق إسرائيل في العيش بسلام مع انطلاق عملية السلام التي دعمتها الولايات المتحدة عام 1993 وأدت إلى تأسيس السلطة الفلسطينية، فيما كان الفلسطينيون يأملون في أن تكون خطوة نحو إقامة دولتهم.

لكن حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية المسلحة، التي تسيطر على غزة منذ فترة طويلة وتشتبك باستمرار مع القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية، ترفض الاعتراف بإسرائيل.

6