لبنان بين التفاؤل والتوجس من مآلات اتفاق غزة
بيروت - تسود مشاعر متضاربة في لبنان حيال الاتفاق الذي جرى التوصل إليه بين إسرائيل وحركة حماس، لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في غزة، ضمن المرحلة الأولى من خطة كان عرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وتتباين مشاعر اللبنانيين بين متفائل يرى أن الاتفاق الذي تحقق على إثر جهود حثيثة قادتها الولايات المتحدة والوسطاء الإقليميون، قد يمهد لحراك مشابه حيال الصراع اللبناني مع إسرائيل، وبين متوجس يخشى من أن توجه إسرائيل أنظارها نحو إعادة فتح جبهة في لبنان، للضغط بالقوة من أجل نزع سلاح حزب الله.
وخاض حزب الله وإسرائيل مواجهة استمرت لأكثر من عام، مُني الحزب خلالها بخسائر غير مسبوقة، بعدما وجهت إسرائيل ضربات دقيقة طالت أبرز قادته ومسؤوليه الميدانيين وترسانته العسكرية.
ويتعرض حزب الله حاليا لضغوط شديدة تطالب بنزع سلاحه، وقد صادقت الحكومة اللبنانية الشهر الماضي على خطة للجيش اللبناني تتضمن نزع سلاح الحزب جنوب الليطاني خلال ثلاثة أشهر، على أن يجري استكمال المهمة شمال الليطاني حينما تتوفر الظروف والإمكانيات.
ولئن أبدى الحزب الموالي لإيران موافقته على تفكيك بنيته العسكرية في الجنوب، لكنه رفض بشدة تجريده من كامل سلاحه، متوعدا بمعركة “كربلائية” في حال أجبر على ذلك.
ويقول مراقبون إنه من الصعب الجزم بمآلات الأمور بين لبنان وإسرائيل، وحتى بشأن غزة، حيث إن الاتفاق الذي حصل، يشمل فقط المرحلة الأولى من خطة ترامب، وأن المراحل المقبلة تبدو أكثر صعوبة في ظل تمسك إسرائيل بالسيطرة على أكثر من نصف القطاع المدمر، ورفض حماس نزع سلاحها.
ورحب الرئيس اللبناني العماد جوزف عون، الخميس، بالاتفاق الذي تم التوصل إليه بين إسرائيل وحركة حماس في مرحلته الأولى.
وأعرب الرئيس عون، في بيان أصدرته الرئاسة اللبنانية، عن أمله في أن “يشكل الاتفاق خطوة أولى نحو وقف دائم لإطلاق النار وإنهاء المعاناة الإنسانية للشعب الفلسطيني الشقيق في غزة”.
وأكد رئيس الجمهورية “على ضرورة استمرار الجهود الدولية والإقليمية لتحقيق سلام شامل وعادل في المنطقة، يضمن حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وفق مبادرة السلام العربية التي أقرتها القمة العربية في بيروت العام 2002”.
وتمنى عون أن “تتجاوب إسرائيل مع الدعوات التي صدرت عن قادة الدول العربية والأجنبية من أجل وقف سياستها العدوانية في فلسطين ولبنان وسوريا لتوفير المناخات الإيجابية للعمل من أجل سلام عادل وشامل ودائم يحقق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط”.
ومنذ سريان وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل في نوفمبر الماضي، تشن إسرائيل بشكل يومي هجمات على لبنان، بداعي منع الحزب من إعادة ترميم قوته، ولا تغفل استخباراتها عن الحركة في الداخل اللبناني.
وأوقفت السلطات اللبنانية خلال الأشهر الماضية 32 شخصا على الأقل للاشتباه بتزويدهم إسرائيل خلال حربها الأخيرة على لبنان، بمعلومات دقيقة عن مواقع تابعة لحزب الله وتحركات عناصره.
وقال مصدر قضائي مواكب للتحقيقات، من دون الكشف عن هويته، الخميس إن “المحكمة العسكرية أصدرت أحكامها في تسعة ملفات، فيما لا يزال 23 ملفا قيد النظر”.
وتراوحت الأحكام بين ستة أشهر وثماني سنوات.
وكشف مصدر قضائي آخر مطلع على التحقيقات أن اثنين من المحكومين بالأشغال الشاقة لمدة سبع وثماني سنوات، أدينا “بجرم تزويد العدو بإحداثيات وعناوين وأسماء مسؤولين في حزب الله، مع علمهما بأن العدو استخدم هذه المعلومات وأقدم على قصف أماكن تواجد فيها مسؤولو الحزب وقادته”.
ولبنان وإسرائيل رسميا في حالة حرب، ولم يتم ترسيم الحدود بشكل رسمي بينهما بعد. ويُعاقب القانون اللبناني مرتكبي جرائم التجسس بالسجن.
وخلال التحقيقات الأولية، اعترف عدد من الموقوفين، وفق المصدر، “بدورهم في تزويد إسرائيل بمعلومات خلال الحرب في الجنوب والضاحية الجنوبية”، معقل حزب الله قرب بيروت.
وبين أبرز الموقوفين، وفق المصدر ذاته، منشد ديني مقرب من حزب الله، متهم بـ”التعامل مع الموساد الإسرائيلي والتورط في قتل لبنانيين مقابل 23 ألف دولار”.
الحزب الموالي لإيران يرفض بشدة تجريده من كامل سلاحه، متوعدا بمعركة "كربلائية" في حال أجبر على ذلك
وبحسب المصدر القضائي، زوّد المنشد، الذي قتل شقيقه بضربة إسرائيلية، “الإسرائيليين بإحداثية أسفرت عن مقتل أحد مسؤولي حزب الله وابنه في غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية” في أبريل. كما زوّدهم “بأسماء قادة جدد عيّنهم الحزب لخلافة قادة قتلوا خلال الحرب، وهو ما سهّل على إسرائيل اغتيالهم” لاحقا.
وقال مصدر أمني، من دون الكشف عن هويته، لوكالة فرانس برس، إن التحقيقات الأولية مع عدد من الموقوفين أظهرت إبداء الإسرائيليين اهتماما بمعرفة أنواع السيارات أو الدراجات النارية التي يستخدمها عناصر الحزب، مرجحا أن يكون ذلك مرتبطا “بعمليات الاغتيال التي ينفذها الجيش الإسرائيلي عبر المسيّرات منذ وقف إطلاق النار”.
وبحسب المصدر ذاته، “تم تكليف بعض العملاء من خارج صفوف الحزب بمراقبة بعض الشخصيات والكوادر العسكرية والأمنية في حزب الله”، إضافة إلى “تصوير مبان ومنشآت تظن إسرائيل أنها مخازن أسلحة ومراكز قيادة وسيطرة”.
وعلى مر السنوات، أوقفت الأجهزة الأمنية اللبنانية العشرات من الأشخاص بشبهة التعامل مع إسرائيل. وتم تجنيد العشرات عبر الإنترنت إثر الانهيار الاقتصادي الذي تشهده البلاد منذ خريف 2019. وصدرت أحكام قضائية في حق عدد من الموقوفين وصلت إلى حد السجن 25 سنة.