قمة الدوحة تتحسر على السلام الضائع
الدوحة – ركز الزعماء العرب والمسلمون الذين حضروا إلى قمة الرياض على التحسر على مسار السلام متهمين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالتخلي عن هذا المسار من خلال الهجوم على قطر وعدم إيلاء اعتبار للوساطة التي تقوم بها، فيما لوح البيان الختامي بأن إسرائيل إذا سارت على نفس الطريق فإنها تهدد بتقويض “مسار تطبيع العلاقات، بما في ذلك الاتفاقيات الحالية والمستقبلية.”
وأظهرت كلمات القادة ومسودة البيان الختامي أن قمة الدوحة لم تكن معنية باتخاذ خطوات عملية لإجبار إسرائيل على التراجع عن أسلوبها العدائي في الإقليم، ودفع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للضغط عليها، والتهديد بأيّ شكل بتوظيف ورقة المصالح في وقت لا يبدو فيه أن إسرائيل معنية بما يطلق من تصريحات في الدوحة أو خارجها وغير معنية بالوساطة القطرية والمصرية ولا بمسار السلام نفسه.
ويقول مراقبون إن استعمال المفردات القوية للهجوم على إسرائيل ونتنياهو لا يتجاوز مجرد تفريغ شحنات الغضب وإيصال رسالة إلى المواطنين العرب بأن القمة عملت ما عليها، وأن الزعماء لم يتوانوا لحظة عن اتهام الهجوم الإسرائيلي بالغادر ووصف نتنياهو بأكثر النعوت استهجانا.
فرصة لدول الخليج لإظهار وحدتها وتماسك مواقفها وأن تستغل القمّة لدعوة واشنطن إلى أن تضبط إسرائيل بعد الهجوم على قطر
واتهم أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني خلال افتتاح القمّة العربية – الإسلامية الطارئة في الدوحة، إسرائيل بأنها قصدت إفشال المفاوضات حول الحرب في قطاع غزة باستهدافها قادة حماس في بلاده الأسبوع الماضي.
وتنعقد القمّة في العاصمة القطرية للبحث في الردّ على الهجوم الإسرائيلي غير المسبوق الذي استهدف مسؤولين من حماس في الدولة الخليجية التي تلعب دور الوسيط في المفاوضات الرامية إلى وقف الحرب في قطاع غزة.
وفي كلمته الافتتاحية، قال أمير قطر في إشارة إلى الدولة العبرية “من يعمل على نحو مثابر ومنهجي لاغتيال الطرف الذي يفاوضه، يقصد إفشال المفاوضات.” وأضاف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي “يحلم بأن تصبح المنطقة العربية منطقة نفوذ إسرائيلية، وهذا وهم خطير.”
وبحسب مسودة البيان الختامي، يؤكد المجتمعون أن الضربة الإسرائيلية في الدوحة “تقوّض فرص تحقيق السلام والتعايش السلمي في المنطقة وتهدّد كلّ ما تم إنجازه على طريق إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل، بما في ذلك الاتفاقيات القائمة والمستقبلية.”
وفي ذلك إشارة واضحة إلى اتفاقيات التطبيع التي أُبرمت في العام 2020 بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب. بينما أوقفت الحرب التي اندلعت بين حركة حماس وإسرائيل في السابع من أكتوبر 2023 مفاوضات التطبيع بين السعودية والدولة العبرية.
ويستبعد المراقبون أن توصي القمة بالتراجع عن الاتفاقيات الإبراهيمية التي تم توقيعها في مناخ مختلف وفي ظل ولاية ترامب الأولى، معتبرين أن خيار التطبيع ما يزال يحظى بالأولوية رغم انتقاد ما تقوم به إسرائيل من ترويع في غزة ومن تعدّ على دول عربية أعضاء في الجامعة العربية مثل قطر وسوريا ولبنان، وأن أقصى ما يريد القادة العرب تحقيقه هو جعل نتنياهو يراعي وجود شركاء إقليميين ويفرّق بين من يتبنون مسار السلام ومن يعارضونه في المطلق.

وتقول الباحثة في مبادرة الشرق الأوسط في كلية كينيدي بجامعة هارفرد إلهام فخرو لوكالة فرانس برس إن هذه القمّة “آلية لدول مجلس التعاون الخليجي لإظهار وحدتها في وقت استهدفت فيه إسرائيل بشكل مباشر سيادة دولة عضو، في أول هجوم من نوعه في التاريخ.”
وأضافت فخرو، وهي مؤلفة كتاب عن “الاتفاقيات الإبراهيمية” (الاسم الذي أطلقته واشنطن، راعية التطبيع، على هذه الاتفاقيات)، “من المتوقع أن تستغل دول الخليج القمّة للدعوة إلى أن تضبط واشنطن إسرائيل، بعدما أدت ضرباتها على قطر إلى إضعاف مساعي وقف إطلاق النار” في غزة.
وأعلن قادة دول مجلس التعاون الخليجي الاثنين أن مجلس الدفاع المشترك لدول المجلس يعقد اجتماعا عاجلا في الدوحة عقب الهجوم الإسرائيلي، ودعوا إلى اتخاذ إجراءات لتفعيل “آليات الدفاع المشترك.”
إسرائيل خرقت الخطوط الحمراء التي كانت تجعل دول الخليج خارج الاستهداف باعتبارها شريكا إستراتيجيا للولايات المتحدة، وأن ردّة الفعل القوية للقادة الخليجيين هي إعادة تثبيت تلك الخطوط
وأدان القادة في بيان “بأشد العبارات” اعتداء إسرائيل والانتهاك الصارخ لسيادة قطر ويعتبره “تصعيدا خطيرا.”
ويرى المراقبون أن إسرائيل خرقت الخطوط الحمراء التي كانت تجعل دول الخليج خارج الاستهداف باعتبارها شريكا إستراتيجيا للولايات المتحدة، وأن ردّة الفعل القوية للقادة الخليجيين هي إعادة تثبيت تلك الخطوط.
وكان وزراء خارجية الدول العربية والإسلامية عقدوا اجتماعا تحضيريا مغلقا الأحد في الدوحة ناقشوا فيه مسودة البيان التي تؤكد أيضا “على مفهوم الأمن الجماعي والمصير المشترك (..) وضرورة الاصطفاف ومواجهة التحديات والتهديدات المشتركة.”
وتضع القمّة قطر التي اضطلعت خلال العامين الماضيين بدور بارز مع القاهرة وواشنطن في التوسط لوقف الحرب في غزة، أمام اختبار سياسي حرج بشأن مستقبل دورها في الملف الفلسطيني بعد أن استضافت جولات تفاوض غير مباشرة بين إسرائيل وحركة حماس فشلت في التوصل إلى حلّ دائم وأثمرت هدنتين مؤقتتين.
وحضّ رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني الأحد المجتمع الدولي على وقف “الكيل بالمعايير المزدوجة”، معتبرا أن “ما يشجع إسرائيل على الاستمرار في هذا النهج هو صمت، بل بالأحرى عجز المجتمع الدولي عن محاسبتها.”
ومن القادة المشاركين في القمة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، والرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وملك الأردن عبدالله الثاني.
اقرأ ايضا: