قسد تفتح ملف التنازل الأمني بتسليم دمشق معتقلين لديها
دمشق - استقبل المشهد السوري تطورات مفصلية تؤكد على تسارع وتيرة التقارب بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، متجاوزة مستوى المفاوضات السياسية إلى التنفيذ العملي والتنازلات الأمنية.
وشهدت مدينة الطبقة بريف الرقة الغربي، الإثنين، زيارة لوفد من وزارة الداخلية السورية أجرى خلالها اجتماعا مباشرا مع مسؤولين في "قسد"، مركزا على الملفات الأمنية العالقة.
وقاد الوفد الحكومي، الذي ضم مسؤولين أمنيين بارزين، العقيد محمد عبدالغني، قائد مديرية الأمن الداخلي في محافظة حلب، ما يشير إلى البُعد الأمني المباشر لهذه الزيارة.
وأعلن المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) مساء الاثنين عن محتوى الاجتماع ونتائجه، مصدرا بيانا يفيد بأن لجنة عسكرية من "قسد" استقبلت وفدا من حكومة دمشق.
وتطرقت المباحثات بشكل أساسي إلى "التوترات الحاصلة بمحيط حيي الشيخ مقصود والأشرفية بمدينة حلب وسبل معالجتها بالطرق السلمية بما يضمن أمن واستقرار الأهالي ويحول دون أي تصعيد ميداني".
وتظهر هذه النقاشات اهتماما مشتركا بتهدئة الجبهات الحضرية، مُشددة "قسد" خلال اللقاء على "حرصها الدائم على اعتماد الحلول السلمية والحفاظ على الاستقرار وحماية المدنيين في جميع المناطق".
وتعزز هذه المباحثات أجواء التهدئة التي تبنى على لقاء وزير الدفاع اللواء مرهف أبوقصرة وقائد "قسد" مظلوم عبدي في 7 أكتوبر الجاري، حيث اتفقا حينها على "وقف شامل لإطلاق النار في جميع المحاور ونقاط الانتشار العسكرية شمال وشمال شرق سوريا"، ويأتي هذا التحرك في أعقاب تصعيد لافت شهدته منطقتا الشيخ مقصود والأشرفية.
وسجّلت الزيارة خطوة تنفيذية هامة، حيث ذكر البيان أن "قسد"، وفي "بادرة حسن نية"، قامت بتسليم عدد من المعتقلين من عناصر قوات حكومة دمشق الذين تم إلقاء القبض عليهم في أماكن مختلفة خلال الفترة الماضية.
ويعتبر هذا التسليم تنازلا أمنيا مباشرا من جانب "قسد"، ممهدا لتسريع تنفيذ الاتفاقيات المبرمة بين الجانبين، وتؤكد هذه المبادرة على جدية "قسد" في التقارب.
ويأتي اجتماع الرقة في إطار المحادثات المستمرة بين الحكومة السورية و"قسد" لحل الملفات العالقة وتسريع تنفيذ الاتفاقيات المبرمة، لا سيما اتفاق العاشر من مارس بين الرئيس أحمد الشرع ومظلوم عبدي، واتفاق أبريل بخصوص حيي الأشرفية والشيخ مقصود بحلب.
ويُبرز هذا التبادل المباشر للمعتقلين الطابع العملياتي لهذه الجولة، مجنبا المحادثات أي تعقيدات بروتوكولية.
وتتكامل هذه الخطوات التنفيذية مع الإعلان الاستراتيجي الكبير الذي صدر عن قيادة "قسد"، حيث أكد قائد "قوات سوريا الديمقراطية" مظلوم عبدي، الأحد، "التزامه بدمج قواته ضمن الجيش السوري".
وجاء هذا التصريح لوكالة "أسوشيتد برس" في أعقاب توتر واشتباكات دارت مؤخرا مع قوات حكومية.
وأضاف عبدي أن "خبراتهم في مواجهة 'داعش' ستعزز قدرات الدولة السورية"، مُلمحا إلى مرونة تركية محتملة تجاه هذا الاندماج.
وكشف عبدي عن "تشكيل لجنة ستعمل مع وزير الدفاع السوري ومسؤولين عسكريين آخرين على تحديد الآليات المناسبة لانضمام قوات 'قسد' في الجيش الوطني".
وشدد على أن "قوات سوريا الديمقراطية" لن تنضم كأفراد، بل "كتشكيلات عسكرية كبيرة تُشكّل وفقاً لقواعد وزارة الدفاع"، متوقعا أن يحصل أعضاء وقادة "قسد" المنضمون على "مناصب جيدة في وزارة الدفاع وقيادة الجيش".
وتشكل هذه الترتيبات إذابة للجليد الأمني وخطوة استراتيجية نحو إنهاء ازدواجية المؤسسات العسكرية.
وتعزز دمشق هذا التوجه نحو الاندماج، حيث أكد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني أن الرئيس أحمد الشرع "حريص على أن تكون قوات سوريا الديمقراطية جزءاً أساسياً من مستقبل سوريا".
وأوضح الشيباني أن "غياب 'قسد' عن مؤسسات الدولة يعمّق الشرخ بينها وبين الدولة السورية"، مشددا على أن هناك "فرصة تاريخية أمام منطقة شمال وشرق سوريا لتكون جزءا فاعلا في المرحلة الراهنة".
واعتبر الوزير أن عدم التوصل إلى اتفاق مع "قسد" "يعرقل مصالح المدنيين ويؤخر عودة المهجرين إلى مناطقهم"، كاشفا عن "نجاح الحكومة السورية في إقناع الدول المعنية بملف 'قسد' بأن الحل الوحيد يتمثل في اتفاق 10 مارس"، معتبرا أن "الشراكة بين الدولة و'قسد' ضرورة يجب تحقيقها بأسرع وقت ممكن".
ويذكر أن اتفاق 10 مارس الماضي، الذي وقعه الشرع ومظلوم عبدي، يقضي بدمج جميع المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة لـ "قسد" ضمن إطار الدولة السورية بما فيها المعابر الحدودية وحقول النفط والغاز.
ويشار إلى أن هذه التطورات تأتي في سياق حراك دبلوماسي مواز، حيث استقبل الشرع في السابع من الشهر الجاري وفدا أميركيا ضم المبعوث توماس باراك وقائد القيادة المركزية الأميركية الأدميرال براد كوبر.
وتلا ذلك لقاء مع عبدي، تطرقت فيه المباحثات إلى "آليات تنفيذ اتفاق العاشر من مارس بما يصون وحدة الأراضي السورية وسيادتها"، بحسب الرئاسة السورية.
وتبين هذه اللقاءات أن دمج قوات "قسد" لا يزال يحظى بالدعم الأميركي كحلّ يخدم وحدة الأراضي السورية، معطيا زخما إضافيا للمسار العملياتي الذي تجسد في تسليم المعتقلين واجتماع الطبقة.
ويؤكد عبدي أن تطبيق اتفاق 10 مارس "من شأنه أن يسهم في حل العديد من المشاكل الأخرى في سوريا"، لكنه أشار أيضا إلى أن العمليات التي جرت في الساحل السوري والسويداء أثارت مخاوف العديد من سكان شمال شرق سوريا، ما يجعلهم مترددين في التطبيق. وتختتم هذه التطورات بإذابة الجليد الأمني تمهيدا لاندماج تاريخي، مؤسسة لمرحلة جديدة من الوحدة السورية.