قرار أنقرة تمديد عمل قواتها في شمال العراق يثير مخاوف بغداد
بغداد - أثار قرار البرلمان التركي تمديد وجود قواته العسكرية في العراق لفترة إضافية، قلقا وترقبا واسعًا في الأوساط السياسية العراقية، وسط اتهامات بأن هذه الخطوة تمثل استمرارًا لانتهاك السيادة الوطنية، خصوصًا بعد إعلان حزب العمال الكردستاني حل نفسه وتسليم أسلحته.
وقال وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، يوم الجمعة، إن بغداد ستجري مشاورات مع أنقرة بشأن هذا القرار، مؤكّدًا أن الحوار مع الجانب التركي مستمر، وأن العلاقات الثنائية "جيدة"، لكنه لم يخفي القلق العراقي من استمرار الوجود العسكري التركي شمال البلاد. وأضاف حسين، خلال مشاركته في مراسم وضع حجر الأساس لمشروع تطوير الحي الدبلوماسي بالعاصمة، أن الحكومة ستدرس التداعيات الأمنية والسياسية للقرار الأخير.
وكان البرلمان التركي قد صادق الثلاثاء، على تمديد إرسال القوات العسكرية التركية إلى خارج البلاد لثلاث سنوات إضافية، بزعم حماية البلاد من تهديدات تنظيمات إرهابية في العراق وسوريا، وفق ما نشرته وكالة "الأناضول".
لكن هذا القرار واجه رفضًا واسعًا داخل العراق، خاصة من القوى السياسية الشيعية، التي ترى أن استمرار القوات التركية في شمال العراق لم يعد مبررًا بعد خطوة حزب العمال الكردستاني حل نفسه وإلقاء السلاح، ضمن مساعي المصالحة الوطنية. وقال مسؤولون عراقيون إن أي استمرار للوجود العسكري التركي سيُنظر إليه كخرق صارخ للسيادة العراقية، ويشكل تهديدًا للأمن والاستقرار في المناطق الشمالية.
وكانت التدخلات العسكرية التركية في شمال العراق وسوريا دائمًا تحت ذريعة ملاحقة حزب العمال الكردستاني، لكنها أدت إلى مواجهات مسلحة وأثارت توترات متكررة مع بغداد، بما في ذلك غارات جوية وعمليات برية داخل الأراضي العراقية. ومع حل الحزب نفسه، يرى المراقبون أن السبب الذي استندت إليه أنقرة لم يعد قائمًا، ما يجعل تمديد القوات أمرًا مثيرًا للجدل ويضع بغداد أمام تحديات سياسية وأمنية جديدة.
ويُضيف المراقبون أن الأوضاع في شمال العراق، ولا سيما في محافظة كركوك الغنية بالنفط والتي تضم أقليات تركمانية، تزيد من حساسية الوضع، حيث ترتبط بعض تلك القوى هناك بعلاقات قوية مع أنقرة، وهو ما قد يمنح تركيا مبررات إضافية للتدخل، وفق تقديرات الخبراء المحليين.
وتأتي هذه التطورات في وقت تحاول فيه الحكومة العراقية تعزيز سيادتها على كامل أراضي البلاد، خاصة بعد خطوات المصالحة بين انقرة وحزب العمال الكردستاني، التي تضمنت تخلي الأخير عن العمل المسلح وفتح قنوات سياسية للتسوية. ومن المتوقع أن ترفع بغداد مطالبها بشكل رسمي إلى أنقرة بسحب القوات العسكرية من العراق، أو على الأقل تقليص وجودها بشكل يتوافق مع القانون الدولي وسيادة الدولة العراقية.
ويسلط القرار التركي الضوء على التوازن الدقيق الذي يجب أن تحافظ عليه بغداد بين الحفاظ على علاقات جيدة مع جيرانها، وبين حماية سيادتها الوطنية ومنع أي تدخلات عسكرية خارج إطار الاتفاقيات الثنائية. ويؤكد محللون أن استمرار وجود القوات التركية، بعد حل حزب العمال الكردستاني، سيعزز الانقسامات السياسية الداخلية ويزيد من حدة الانتقادات ضد الحكومة العراقية، سواء من القوى الشيعية أو الكردية أو من الشارع العراقي بشكل عام.
ويشير الدبلوماسيون العراقيون إلى أن الحكومة التركية مطالبة بالامتثال للقوانين الدولية واحترام سيادة العراق، وعدم استخدام الأراضي العراقية كمنطلق لأي عمليات عسكرية، مؤكّدين أن أي تجاوز سيُعامل كخرق مباشر للسيادة، مع ما يترتب على ذلك من تداعيات دبلوماسية وسياسية.
وفي المقابل، ترى أنقرة أن تمديد وجود قواتها ضروري لأسباب أمنية تتعلق بملاحقة تنظيمات إرهابية، إلا أن الخبراء والمراقبين العراقيين يشددون على أن هذه التبريرات لم تعد مقبولة بعد الحل السلمي لحزب العمال الكردستاني، وأن أي استمرار للوجود العسكري التركي يمثل تحديًا مباشرًا لسيادة الدولة العراقية ويضع العلاقات بين بغداد وأنقرة على المحك.