"فلسطين 36" يستعيد الاستعمار البريطاني لفهم حاضر الشرق الأوسط

الفيلم يسلط الضوء على أحداث ثورة 1936 ضد الانتداب البريطاني كما يأخذ المشاهد إلى تقرير لجنة بيل الذي أوصى بتقسيم فلسطين.
الاثنين 2025/09/08
من يعرف التاريخ يفهم الحاضر

تورونتو (كندا)- في فيلم “فلسطين 36″، تستعيد المخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر أحداث العام 1936 الذي شهد ثورة عربية ضد الاستعمار البريطاني، وهي فترة تعتبرها محورية في فهم التاريخ والتوترات الحالية في الشرق الأوسط.

وقالت جاسر غداة العرض العالمي الأول لفيلمها الروائي الطويل في مهرجان تورونتو السينمائي الدولي في كندا “لا يمكن فهم أين نحن اليوم دون فهم ما حدث في 1936”.

وأوضحت المخرجة أنها أرادت من خلال هذا الفيلم سد الفجوة المعرفية المحيطة بتبعات السياسات البريطانية خلال فترة الانتداب، قبل إنشاء دولة إسرائيل في العام 1948. وقالت “لقد أردت وضع البريطانيين أمام مسؤولياتهم”.

أدى تدفق المهاجرين اليهود من أوروبا وخوف المزارعين الفلسطينيين من فقدان المزيد من أراضيهم إلى دعم الثورة المسلحة. ويصوّر الفيلم تفاصيل الرد الاستعماري القاسي: الضرب وعمليات توقيف جماعية وحرق منازل بعد تفتيشها.

وأشارت آن ماري جاسر إلى أن الجيش الإسرائيلي استخدم هذه التكتيكات في ما بعد ضد الفلسطينيين.

كذلك، شددت المخرجة المولودة في بيت لحم، على سياسة “فرّق تسد” الاستعمارية التي استخدمها البريطانيون على نطاق واسع.

ويسلط الفيلم الضوء على أحداث ثورة عام 1936 ضد الانتداب البريطاني، من خلال رحلة يوسف، الشاب الذي يتأرجح بين قريته الريفية ومدينة القدس المشتعلة بالأحداث، ليجد نفسه أمام واقع تتقاطع فيه انتفاضات القرى مع تزايد تدفق المهاجرين اليهود الفارين من أوروبا الفاشية. ومع اشتداد المطالب الوطنية بالحرية، يقترب من مواجهة مصيرية ترسم حدود علاقة الفلسطينيين بالإمبراطورية البريطانية وتحدد مسار المنطقة لعقود تالية.

كما يأخذ المشاهدين إلى تقرير لجنة بيل الذي أوصى بتقسيم فلسطين إلى مناطق منفصلة لليهود والعرب، وهو الاقتراح الذي استُلهمت منه خطة التقسيم التي وضعتها الأمم المتحدة في العام 1947.

والعمل إنتاج مشترك لفلسطين، قطر، بريطانيا، فرنسا، الدنمارك، السعودية والأردن، ويضم طاقم التمثيل العديد من الأسماء، منهم الممثل البريطاني الحاصل على الأوسكار غيرمي آيرونز، والممثلة الفلسطينية هيام عباس، والممثل الفلسطيني كامل الباشا، وصالح بكري، وياسمين المصري، وجلال الطويل، وظافر العابدين.

وأعربت جاسر عن سعادتها بالترحيب الذي حصل عليه العرض العالمي الأول للفيلم وقالت إنه كان “جنونيا”، ويعود ذلك جزئيا إلى الغضب الحالي بشأن الحرب في قطاع غزة.

وقالت إنها تأمل بأن يساهم “فلسطين 36” في رفع مستوى الوعي بالأثر الدائم للانتداب البريطاني. وأضافت “صدمت بعدد الأشخاص الذين سألوني: هل كان البريطانيون في فلسطين؟”.

يذكر أن وزارة الثقافة الفلسطينية رشحت فيلم “فلسطين 36” للمخرجة آن ماري جاسر لتمثيل فلسطين في سباق الأوسكار. ويعيد الفيلم قراءة مرحلة مفصلية من التاريخ الفلسطيني عبر أحداث ثورة 1936، مسلطا الضوء على الدور الذي لعبته القوى الاستعمارية، وفي مقدمتها بريطانيا، وكيف تداخلت سياسات الاحتلال مع أشكال المقاومة وما نتج عنها من معاناة إنسانية.

وقالت آن ماري إن فكرة العودة إلى أحداث الثورة ظلت تراودها لسنوات، لكنها رغبت في تقديمها من زاوية إنسانية وشخصية أقرب إلى الواقع.

واعتبر وزير الثقافة الفلسطيني عماد حمدان أن ترشيح فيلم “فلسطين 36” يمثل دليلا على قدرة السينما الفلسطينية على حمل الرواية الوطنية وصون الهوية في مواجهة الإبادة المتواصلة ومحاولات الطمس المستمرة منذ عقود. وأوضح أن الفيلم استطاع أن يقدّم رؤيته بوضوح، عبر العودة إلى جوهر الحكاية الفلسطينية التي لم تكن يوما صراعا دينيا أو عرقيا، وإنما شكلا من أشكال العنف الاستعماري المدعوم بتحالفات خارجية، مع الحفاظ على مستوى فني واحترافي يعكس مكانة فلسطين.

وشدد حمدان على أن وزارته تسعى باستمرار إلى دعم المبدعين الفلسطينيين وتعزيز حضورهم في الساحة الدولية، لافتا إلى أن هذه المشاركات تشكل نافذة لتسليط الضوء على الحقيقة الفلسطينية ونقلها إلى العالم رغم قسوة الظروف والتحديات.

وآن ماري جاسر هي مخرجة وكاتبة ومنتجة فلسطينية، وُلدت في بيت لحم عام 1974 ونشأت في مدينة الناصرة داخل أراضي 1948. تنتمي إلى عائلة ذات اهتمام بالثقافة والسياسة، وقد أثّرت بيئتها الغنية والمتنوعة على توجهاتها الفنية والسينمائية. درست الأدب المقارن في جامعة كولومبيا بالولايات المتحدة، كما تلقت تدريبا سينمائيا في عدد من المؤسسات المرموقة.

بدأت آن ماري جاسر مسيرتها في العمل السينمائي من خلال كتابة السيناريو والعمل كمساعدة إخراج، قبل أن تنتقل إلى الإخراج المستقل. أخرجت عدة أفلام قصيرة لاقت استحسانا واسعا، منها “كأننا عشرون مستحيلا” (2003) الذي عُرض في مهرجان كان السينمائي، وكان أول فيلم فلسطيني يُعرض هناك.

في عام 2008، أخرجت أول أفلامها الطويلة “ملح هذا البحر”، الذي مثل فلسطين في سباق الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي، وحاز على جوائز من عدة مهرجانات دولية. ثم أتبعت ذلك بفيلمي “لما شفتك” (2012) و”واجب” (2017)، وكلاهما حقق نجاحات نقدية واسعة.

تتميز أعمال آن ماري جاسر بالتزامها بالقضية الفلسطينية، دون الوقوع في المباشرة أو الخطاب الدعائي. تسلط الضوء على حياة الفلسطينيين اليومية، وتطرح أسئلة حول الهوية، والمنفى، والانتماء، والنضال بأسلوب فني حساس وإنساني. أفلامها تميل إلى البساطة الظاهرية والعمق السردي، وتستخدم فيها الكاميرا كأداة لسرد حكايات المهمّشين.

وآن ماري جاسر هي أول امرأة فلسطينية تُقدَّم أفلامها لتمثيل فلسطين في الأوسكار. اختيرت كعضو لجنة تحكيم في عدد من المهرجانات السينمائية الدولية، وتم تكريمها في محافل سينمائية عربية وعالمية. وإلى جانب عملها كمخرجة، تشارك في تطوير السينما الفلسطينية من خلال شركتها “ناس فيلم” التي أنتجت من خلالها عدة أعمال فلسطينية مستقلة. كما تعمل على تدريب الشباب الفلسطينيين في مجالات السينما والإنتاج.

14