فشل المباحثات مع تركيا يبقي العراق تحت تهديد أزمة مياه خانقة

مرصد عراقي يؤكد انتهاء المفاوضات بشأن ملف المياه إلى طريق مسدود.
الأحد 2025/10/12
متاهة من المفاوضات اللامتناهية

بغداد - يسقط فشل المفاوضات مع تركيا بشأن إعادة ترتيب مسألة الحصص في مياه نهري دجلة والفرات، من يد العراق الورقة الأهم وشبه الوحيدة المعول عليها من قبل بغداد لدرء استفحال أزمة مائية قائمة عمليا وترتقي إلى مرتبة الكارثة في ظل توقعات بتفاقم العجز في تزويد السكان في مختلف المدن والمناطق بالكميات الكافية من الماء، والاستجابة لمتطلبات النشاط الزراعي الذي بدأ بالفعل في التأثر بالأزمة.

وفتحت السلطات العراقية خلال الأيام الأخيرة جولة مفاوضات جديدة مع تركيا بشأن المياه وأوفدت إلى أنقرة وفدا وزاريا للتفاوض، لكن جهات مطلعة على الملف أعلنت فشل الجولة مشيرة إلى تشدد الجانب التركي وعدم استعداده لمنح العراق أيّ تنازلات واضحة ذات أثر عملي في تحسين وضعه المائي المتردي.

وأكد مرصد “العراق الأخضر” المختص في قضايا البيئة والمياه فشل المباحثات التي أجراها الوفد العراقي مؤخرا في تركيا لمعالجة ملف المياه.

العراق يتحول من منتج لقسم هام من غذائه إلى مستورد للغذاء المنتج في إيران وتركيا بالمياه العراقية ذاتها المحتجزة في سدودهما

وجاء ذلك غداة إعلان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني عن قرب التوصل إلى اتفاق مع تركيا لبناء سدود وتحسين إدارة الموارد المائية.

لكنّ متابعين للملف يعتبرون أن بناء السدود والاستعانة بالخبرة والتقنيات التركية في إدارة المياه وترشيد استهلاكها، يدخلان في نطاق الإجراءات الآجلة والحلول التقنية التي تعرضها أنقرة على بغداد للتهرب من منحها مكاسب حقيقية من قبيل زيادة إطلاقات المياه في نهري دجلة والفرات وهو ما يحتاجه العراق بشكل عاجل للخروج من أزمته المائية الشديدة.

وقال المرصد في بيان نشره، الأحد، إن “الحديث عن تفعيل الاتفاقية الإطارية للتعاون في مجال المياه بين العراق وتركيا والذي جرى على إثر اجتماعات الجانبين يوم الجمعة الماضية غير واقعي وغير مجد،” معتبرا أن “محاولات العراق للحصول على حصة ثابتة من إطلاقات المياه فشلت بشكل ذريع كون تركيا تعد ولا تفي في كل الاجتماعات التي تجمع الطرفين على الدوام”.

كما ورد في البيان أن “تركيا تحاول أن تجعل العراق يستجدي الإطلاقات المائية خاصة أن هنالك الكثير من المصالح التي تحققت لها بسبب نقص المياه في العراق وحصول مشكلة أكثر تعقيدا بقيام العراق ومنذ عقدين على الأقل، باستيراد مياهه افتراضيا من دول الجوار”.

وأضاف المرصد في بيانه “المياه التي كانت تاريخيا تجري إلى العراق لينتج منها كفايته من الغذاء، أصبحت تحجز في بلدان الجوار وتستخدم في إنتاج محاصيل وثروة حيوانية تصدر منتجاتها إلى العراق لسد النقص الحاصل في السوق نتيجة لانحسار المياه،” قائلا إن “هذه قضية غاية في الخطورة، ولم تحظ للآن بانتباه الحكومة، والمجتمع برغم التحذيرات المستمرة،” ومشيرا إلى أن “تركيا ترفض منذ عقود توقيع أي اتفاقية من أجل استحصال حقوق العراق المائية وإمكانية تقاسم الضرر معه”.

واحتضنت العاصمة التركية أنقرة الجمعة الماضية اجتماعا مشتركا بين وفدي العراق وتركيا لبحث ملف المياه وتعزيز التعاون الثنائي في هذا المجال الحيوي، وفقا لبيان صادر عن الخارجية العراقية.

وعقد بعد ذلك اجتماع اللجنة الفنية المشتركة بين البلدين حضره عن الجانب العراقي وزير الموارد المائية عون ذياب وعن الجانب التركي وكيل وزارة الزراعة والغابات أبوبكر كزل كيدر.

وقال بيان الخارجية إنّ ذياب استعرض الواقع المائي في العراق والتحديات التي تواجه البلاد جراء انخفاض الواردات المائية من حوضي دجلة والفرات، مؤكدا أهمية زيادة الإطلاقات المائية، خصوصا في حوض نهر دجلة، كما تطرق إلى الإجراءات التي اتخذتها وزارة الموارد المائية لمعالجة الأزمة، ولاسيما في محافظات الوسط والجنوب.

وكيل وزارة الزراعة والغابات التركي أكّد أن بلاده تدعم العراق وتتابع باهتمام الوضع المائي الحرج الذي تعانيه المنطقة بسبب التغيرات المناخية

وأضاف البيان ذاته أنّ وكيل وزارة الزراعة والغابات التركي أكّد أن بلاده تدعم العراق وتتابع باهتمام الوضع المائي الحرج الذي تعانيه المنطقة بسبب التغيرات المناخية التي أثّرت على جنوب شرق الأناضول وأدت إلى انخفاض معدلات الأمطار بنسبة بلغت 60 في المئة مقارنة بالسنوات السابقة، مشيرا إلى أن تركيا، بما في ذلك العاصمة أنقرة، تواجه بدورها تحديات مائية مماثلة نتيجة التغيرات المناخية العالمية.

ويجمل الكلام الأخير للمسؤول التركي عدم استعداد بلاده لمنح العراق أيّ “هبات” أو تنازلات في موضوع المياه كونها هي أيضا تواجه نقصا فيها.

ويقول الخبراء والمختصون في مجال البيئة والمياه إنّ مشكلة الماء باتت بالفعل مشكلة عالمية مرتبطة بالتغيرات المناخية وظاهرة الاحترار فضلا عن ظاهرة التلوث الصناعي، وإنّ المشكلة محسوسة بشكل أكبر في منطقة الشرق الأوسط التي تقع غالبية بلدانها تحت خط الفقر المائي المحدّد أمميا ودوليا.

لكنّهم يستدركون بأنّ الحديث عن مواجهة تركيا لأزمة مائية ما يزال سابقا لأوانه في الوقت الحالي حيث يحظى البلد بوضع مائي مستقّر ومقبول قياسا على ما هي عليه الحال في بلدان أخرى على رأسها العراق، إلاّ أن المشكلة التي ساهمت تركيا بالفعل في إيجادها لجارتيها سوريا والعراق راجعة لطبيعة البرنامج التنموي بالغ الطموح الذي شرعت أنقرة في تطبيقه ويتضمن مشاريع زراعية وحضرية وصناعية شديدة النهم للمياه ما يتطلب احتجاز المزيد من مياه نهري دجلة والفرات في سلسلة من السدود.