غياب الطبوبي يفتح باب التأويلات حول مستقبله على رأس اتحاد الشغل في تونس
تونس - أثار غياب الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي تساؤلات في الساحة النقابية والسياسية، رغم تأكيد قيادات الاتحاد أنه في عطلة سنوية عادية وأنه سيستأنف نشاطه قريبا، فيما تقول أوساط نقابية إن الانسحاب هو استجابة لضغوط من المعارضة النقابية التي تحمّل الطبوبي مسؤولية التصعيد مع السلطة وعرقلة الحوار في الملفات الاجتماعية.
غير أن هذا الغياب، الذي ترافق مع تكليف فاروق العياري بتسيير شؤون المنظمة بصفة مؤقتة، يأتي في سياق داخلي دقيق حيث يشهد الاتحاد خلافات مرتبطة بالنظام الداخلي منذ أشهر، ويفتح باب التأويلات والتساؤلات حتى لو لم تدعمه مؤشرات رسمية، على تغيير وشيك على رأس المنظمة.
ومن بين هذه التساؤلات تبرز أصوات داخل الاتحاد تطالب بإقالة الطبوبي من منصبه بهدف فتح صفحة جديدة من المصالحة مع السلطة وإعادة توجيه الاتحاد إلى الحوار الاجتماعي التقليدي في ظل التحديات السياسية والاجتماعية القائمة في البلاد.
وتشهد العلاقة بين الاتحاد والسلطة توترا منذ سنوات نتيجة قرار تم اتخاذه بتحجيم النفوذ السياسي والاجتماعي لاتحاد الشغل الذي يُتّهم بالوقوف وراء تضخم رواتب القطاع الحكومي والتسبب في أزمات مالية لعدد من المؤسسات الحكومية على رأسها الخطوط التونسية.
ويرى مراقبون أن هذه التأويلات تعبّر في جوهرها عن حالة ترقب أوسع داخل المنظمة، خاصة مع اقتراب مؤتمرها الوطني المقرر في مارس المقبل والذي ينتظر أن يحسم عددا من الملفات المتعلقة بالهيكل، وأن يدفع إلى تغيير جذري على القيادة.
وكان أعضاء الهيئة الإدارية للاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس قد طالبوا في مايو قسم النظام الداخلي صلب اتحاد الشغل بإحالة الطبوبي على الهيئة الوطنية للنظام الداخلي وإيقافه الفوري عن النشاط النقابي من أجل “الإخلال بالميثاق النقابي والمسّ من وحدة المنظمة والعمل على شق صفوف نقابيي صفاقس“.
وقال أعضاء الهيئة، وفق ما جاء في بلاغ صادر حينذاك عن اتحاد الشغل بصفاقس، إنّ المجلس الوطني المنعقد أيام 5 و6 و7 سبتمبر 2024 لم تُستكمل أشغاله إلى اليوم وذلك “للفشل الذريع للأمين العام في تسيير أشغال المجلس ورفضه تمرير اللائحة الداخلية المتضمنة لمقترح المؤتمر الاستثنائي للتصويت على النقطة 12 على غرار بقية اللوائح في خرق واضح والتفاف مقصود على النظام الداخلي مجسّدًا بذلك إرادة التفرد بالرأي والإقصاء،” على حد تقديرهم.
وتداول عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي أنباء عن أن غياب الطبوبي يشير إلى إقالة أو تخلّ عن منصبه. ومن بين هذه الأنباء، تدوينة نشرها السياسي عبدالوهاب الهاني تساءل فيها عن “غيبة صغرى” للطبوبي وتكليف فاروق العياري بمهام الأمانة العامة بالنيابة، مشيرًا إلى أن الطبوبي في إجازة صيفية طيلة شهر أغسطس.
لكن الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل سامي الطاهري نفى استقالة الطبوبي وأكد أنه يقضي إجازته السنوية خلال شهر أغسطس ، وهي ممارسة اعتيادية. وأضاف الطاهري أن تكليف فاروق العياري بمهام الأمانة العامة بالنيابة هو إجراء إداري روتيني يتماشى مع النظام الداخلي للاتحاد لضمان استمرارية العمل، وليس دليلاً على أيّ تغيير في القيادة.
ودعا الطاهري وسائل الإعلام إلى التحقق من صحة المعلومات، محذرًا من حملات التشويش التي تستهدف المنظمة النقابية في سياق التوترات السياسية الحالية. وقال المحلل السياسي نبيل الرابحي إن “هذه الإجازة أو الانسحاب المؤقت يحدث لأول مرة في اتحاد الشغل، ولم نسمع سابقا أن أمين عام المنظمة انسحب أو خرج في عطلة خاصة في هذا التوقيت الذي فيه تصعيد بين نقابة النقل والسلطة“.
وشهدت تونس الأسبوع الماضي شللا شبه كامل في حركة النقل البري نتيجة إضراب واسع دعت إليه جامعة النقل التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل، للمطالبة بتحسين أوضاع الموظفين المالية وظروف العمل وإصلاح قطاع النقل، في خطوة اعتبرها مراقبون تصعيدا من المنظمة ضد السلطة.
وأضاف الرابحي لـ”العرب”، “أعتقد أن هناك من عطّل مسار التفاوض مؤخرا بين نقابة النقل والسلطة، بوضع شروط صعبة المنال، واتحاد الشغل أصبح في مأزق، وكان من المقرر أن ينفذ إضرابا في قطاع النقل يومي 7 و8 أغسطس الجاري، لكن ذلك ستكون له تداعيات وخيمة مع الشعب، وأعتقد أن الطبوبي انسحب بعد ما وضعه شق المعارضة في هذا المأزق، كما أن الإضراب لا يخلو من أهداف سياسية“.
ولفت الرابحي إلى أن “الإضراب الأخير في النقل كانت له نتائج سلبية خاصة بين اتحاد الشغل والشعب،” مشيرا إلى أنه “تبين بعد الإضراب أن هناك امتيازات وأجورا لموظفي النقل أكبر بكثير من بقية القطاعات على غرار التعليم والصحة“.
لكن المحلل السياسي المنذر ثابت وصف غياب الأمين العام بأنه “انسحاب تكتيكي مؤقت من قبل الطبوبي، الغاية منه ليس فقط نزع فتيل الأزمة بين الاتحاد والسلطة، بل لدفع المعارضة داخل المنظمة للتفتت، لأن وجود الطبوبي أمر يوحد المعارضة النقابية“.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “هذه الخطوة فيها إيهام بكونه قرّر المغادرة، وأعتقد أنه يراهن على تفكيك المعارضة حتى لا تظهر كتلة قوية في مواجهته“.