عبدالعاطي في بورتسودان للمرة الثالثة.. رسالة إلى إثيوبيا أم لأهداف أخرى

الزيارات الثلاث تؤكد أن الدبلوماسية المصرية متكاملة الأهداف، تهدف لتثبيت السودان كشريك قوي بالمفاوضات، وتوجيه رسالة لإثيوبيا بوحدة الموقف.
الخميس 2025/10/02
مصر تقوي جبهتها مع السودان في مواجهة التحديات الإقليمية

القاهرة - شكّلت الزيارة الثالثة لوزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي إلى بورتسودان شمال شرق السودان في غضون عام واحد، محورا لاهتمام الدوائر السياسية والإقليمية، مثيرة تساؤلات حول الأهداف الحقيقية وراء هذا النشاط الدبلوماسي المكثف.

وبحث عبدالعاطي، مساء الأربعاء، مع رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس، سبل تعزيز العلاقات الثنائية وملف الأمن المائي، وفقا لبيان نشرته الخارجية المصرية الخميس.

ويأتي هذا التحرك المصري في توقيت دقيق للغاية، يتسم باستمرار الحرب الأهلية في السودان من جهة، وتصاعد التوتر الإقليمي إثر تدشين إثيوبيا لسد النهضة من جهة أخرى، ما يشير إلى أن زيارات القاهرة تحمل أبعادا استراتيجية متداخلة تتجاوز مجرد الدعم الثنائي.

وأَكد الوزير بدر عبدالعاطي أن زيارته الثالثة لبورتسودان في غضون عام "تعكس عمق العلاقات الثنائية" وتعد "رسالة دعم للسودان في ظل الظروف الدقيقة التي تمر بها البلاد".

وتَميزت هذه الزيارة، واللتان سبقتها في ديسمبر الماضي ويناير 2025، بالتركيز على محاور أساسية، حيث شَدَّد عبدالعاطي على "تضامن مصر الكامل مع السودان ودعم سيادته ووحدة وسلامة أراضيه ومؤسساته الوطنية، وعلى رأسها القوات المسلحة السودانية".

ويُفسر هذا التأكيد الواضح على دعم القوات المسلحة، التي تخوض حربا ضد قوات الدعم السريع منذ أبريل 2022، بأن القاهرة تعتبر استقرار الحكومة السودانية أمرا لا يمكن التهاون فيه، وضرورة استراتيجية لأمنها القومي.

وخلفت الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدرت دراسة أعدتها جامعات أميركية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.

واستعرض عبدالعاطي مع كامل إدريس ما توفره مصر من تسهيلات للسودانيين في مصر، والجهود لتيسير العودة الطوعية عقب استقرار الأوضاع.

وفر حوالي 1.5 مليون سوداني إلى مصر من جملة قرابة 4 ملايين عبروا الحدود إلى البلدان المجاورة منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023، بحسب إحصائيات أممية.

كما رحب الوزير المصري بعقد اجتماعات ملتقى الأعمال المصري السوداني خلال العام الجاري، في محاولة للحفاظ على الروابط الاقتصادية والتجارية رغم تعقيدات الحرب.

وأكد دعم مصر للخطوات الثابتة التي تتخذها الحكومة السودانية بقيادة كامل إدريس لاستعادة الاستقرار والأمن بالبلاد.

وشدد على "تضامن مصر الكامل مع السودان ودعم سيادته ووحدة وسلامة أراضيه ومؤسساته الوطنية، وعلى رأسها القوات المسلحة السودانية".

ويكمن البعد الاستراتيجي الأكثر عمقا في الزيارات المتكررة في ملف الأمن المائي، وهو الملف الذي يرتبط مباشرة بالتوتر مع إثيوبيا حول سد النهضة.

وبحث عبدالعاطي مع إدريس ملف الأمن المائي، مؤكدا على "وحدة موقف البلدين كدولتي مصب لنهر النيل".

وشدّد على "ضرورة الالتزام الكامل بالقانون الدولي في حوض النيل الشرقي، والرفض التام للإجراءات الأحادية في نهر النيل".

وتأتي هذه التصريحات الحازمة بعد تدشين رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لسد النهضة في 09 سبتمبر الماضي، عقب سنوات من الخلافات وتجمد المفاوضات.

ويمكن اعتبار زيارة الوزير المصري المتكررة، والتأكيد المتجدد على "وحدة الموقف"، رسالة سياسية وعسكرية غير مباشرة لإثيوبيا، مفادها أن القاهرة والخرطوم تقفان صفا واحدا في مواجهة أي خطوات أحادية إضافية تؤثر على حصتهما المائية.

وكانت مصر قد سارعت بعد ساعات من الافتتاح الرسمي لسد النهضة إلى رفع شكوى إلى مجلس الأمن، ضد ما وصفته بـ"التصرفات الأحادية" لإثيوبيا، فيما جددت الأخيرة بخطاب مماثل لمجلس الأمن بعد يومين تمسكها بما وصفته "حقها المشروع" في الاستخدام العادل والمنصف لمياه النيل، واعتبرت أن تمسك القاهرة بـ"الحقوق التاريخية" يعكس "عقلية استعمارية تتجاهل حقوق بقية دول الحوض".

وتستخدم القاهرة الدبلوماسية الميدانية في بورتسودان كأداة لتعزيز جبهتها الإقليمية، خاصة وأن الخرطوم والقاهرة تطلبان اتفاقا قانونيا ملزما بشأن ملء وتشغيل السد، بينما ترفض إثيوبيا ذلك، معتبرة الأمر لا يستلزم توقيع اتفاق.

وتتداخل الأهداف المصرية في السودان لتشمل رغبة القاهرة الملحة في إنهاء الحرب الأهلية، وهو ما عبّر عنه عبدالعاطي بتأكيد حرص بلاده على "الانخراط بصورة فاعلة في الجهود الهادفة لوقف إطلاق النار في السودان وتحقيق هدنة إنسانية، ووضع حد لمعاناة الشعب السوداني".

وتُغذي هذه الرغبة الملحة القلق الأمني المصري المتصاعد من تدهور الأوضاع على الحدود، خاصة بعد سيطرة قوات الدعم السريع على أجزاء من المثلث الحدودي الحيوي الذي يقع بين السودان ومصر وليبيا. و

يشكل هذا المثلث، الواقع شمال الفاشر في دارفور، منطقة ذات أهمية استراتيجية قصوى للأمن القومي للدول الثلاث، ولأن مصر تعتبر حدودها مع السودان وليبيا حساسة للغاية، فإن سيطرة قوات الدعم السريع تثير قلق القاهرة بشأن تدفق اللاجئين وتهريب الأسلحة وتسلل العناصر المتطرفة، مما قد يجعل الحدود المصرية تحت ضغط أمني أكبر ويضع الجانب المصري أمام تحديات إضافية في تأمين حدوده الغربية والجنوبية.

ولذلك، يُنظر إلى تفاعل مصر الإيجابي مع المساعي الهادفة لإنهاء الحصار على مدينة الفاشر، التي لا تزال تحت سيطرة الجيش، على أنه جزء لا يتجزأ من استراتيجية أوسع لتأمين الحدود الشمالية للسودان ومن ثم تأمين العمق الاستراتيجي لمصر، حيث تُشكل الفاشر، بحكم موقعها، خط الدفاع الأخير الذي قد يمنع تمدد سيطرة قوات الدعم السريع شمالا باتجاه المثلث الحدودي، وهو ما يُفسر بوضوح حرص القاهرة على إنهاء الحصار ووقف إطلاق النار.

وتؤكد الزيارات الثلاث لوزير الخارجية المصري إلى بورتسودان أن الدبلوماسية المصرية في السودان متكاملة الأهداف، فهي ليست مجرد رسالة دعم إنساني أو اقتصادي للسودان، بل هي تكتيك استراتيجي مدروس يهدف في المقام الأول إلى تثبيت أركان الدولة السودانية ومؤسساتها العسكرية لتكون شريكا قويا في مفاوضات المياه، إضافة إلى توجيه رسالة واضحة لإثيوبيا حول وحدة موقف دولتي المصب ورفض الإجراءات الأحادية.

كما يهدف هذا التحرك لمنع تمدد الفوضى باتجاه الحدود الجنوبية لمصر والحدود الليبية، عبر الدفع نحو وقف إطلاق النار وكسر الحصار على النقاط الاستراتيجية كالفاشر. لذلك، يمكن اعتبار الزيارات المصرية المتكررة إلى بورتسودان أداة سياسية مزدوجة الفعالية، تدعم الداخل السوداني وتُقوي الجبهة ضد التحديات الإقليمية.

وفي لقاء آخر مع نظيره السوداني محي الدين سالم، أكد عبدالعاطي عمق العلاقات الثنائية "وهو ما يعكسه دعم مصر للسودان في ظل الظروف الدقيقة التي تمر بها البلاد"، وفق بيان ثان للخارجية المصرية.

وأشار عبدالعاطي إلى تفاعل مصر الإيجابي مع المساعي الهادفة لإنهاء الحصار على مدينة الفاشر مركز ولاية شمال دارفور غربي السودان.

وأعرب عن تطلعه للاستمرار في تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين، منوهاً بالإمكانيات الكبيرة التي يتمتع بها كلاهما في الجانبين الاقتصادي والتجاري، ومشيرا إلى ما توفره مصر من تسهيلات للسودانيين الموجودين في مصر.