ضغط غربي موحد بعد تباين يرهق اقتصاد إيران الضعيف

الولايات المتحدة تُصعّد الضغوط على قطاع الطاقة الإيراني.
الثلاثاء 2025/10/14
حزم أميركي مؤلم

العقوبات الأميركية الأخيرة على إيران تأتي ضمن تحوّل إستراتيجي يوحّد الموقف الغربي بعد سنوات من التباين، في ظل قناعة متزايدة بأن سياسة الاحتواء فشلت، وأن الضغط الحاسم هو السبيل لإجبار طهران على التراجع عن طموحاتها النووية والإقليمية.

واشنطن - كثّفت الولايات المتحدة الخميس حملتها الاقتصادية ضد إيران بفرض عقوبات جديدة تهدف إلى الحد من تجارة غاز البترول المسال الإيراني، وتقييد أسطول الناقلات الذي يُسهّل صادرات طهران النفطية غير المشروعة، واستهداف ميناء صيني إضافي معني بشحنات الطاقة الإيرانية.

وجاءت هذه الخطوة عقب إعادة تفعيل العقوبات النووية التي فرضتها الأمم المتحدة على إيران، وكانت قد عُلّقت سابقا، إلى جانب إعادة فرض بريطانيا والاتحاد الأوروبي عقوبات منفصلة، ما يُظهر موقفا غربيا موحدا دون تنازلات تجاه طهران بعد الإخفاقات الدبلوماسية الأخيرة.

ووفقا لإعلانات وزارتي الخزانة والخارجية، تُعنى الإجراءات الأخيرة تحديدا بقطاع غاز البترول المسال الثانوي والمربح في إيران، بما في ذلك صادرات البروبان والبيوتان المُستخدمة على نطاق واسع في التدفئة والطهي في جميع أنحاء آسيا. وتُدرّ هذه التجارة مئات الملايين من الدولارات سنويا على إيران، بالرغم من أنها لا تُذكر مقارنة بإيرادات سنوية تُقدّر بنحو 40 مليار دولار من النفط الخام والمنتجات ذات الصلة التي تُباع في الغالب إلى الصين.

وشملت الإجراءات الأميركية الإضافية ما يقرب من عشرين سفينة إضافية من “أسطول الظل” الإيراني، ما رفع إجمالي السفن الخاضعة للعقوبات والمتورطة في تجارة النفط الإيرانية إلى أكثر من 150 سفينة. كما فرضت وزارة الخزانة عقوبات على محطة نفط صينية أخرى تُعرف بأنها مركز لمعاملات النفط في السوق السوداء.

ويقول كيث جونسون في تقرير لمجلة “فورين بوليسي” إنه على الرغم من القيود الأميركية والغربية الشاملة، تُحافظ إيران على صادرات نفطية يومية تبلغ حوالي مليوني برميل، معظمها إلى الصين التي تعتمد آليات مالية متزايدة التطور لتسهيل عمليات الشراء مع التحايل على العقوبات الأميركية.

وتبدو هذه العقوبات الجديدة تدريجية، حيث فُرضت بالفعل عقوبات شاملة وواسعة النطاق. ووسّعت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشكل ملحوظ نطاق الضغط ليشمل مبيعات النفط الإيرانية، والمؤسسات المالية، والتجار، وشبكات الأسلحة، والمشترين الدوليين. ويكمن التطور المهم في النمط الموحد للضغط الغربي، حيث نسقت الولايات المتحدة والأمم المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي مؤخرا جهودها لإرهاق اقتصاد إيران الضعيف وإجبارها على استئناف المفاوضات.

◄ التوافق الغربي تجاه إيران يشكّل تحولاً إستراتيجيا يعيد ترتيب موازين القوى الدبلوماسية بعد أعوام من الانقسام في الرؤى بين ضفّتي الأطلسي

ويشكّل التوافق الغربي الأخير تجاه إيران تحولاً إستراتيجيا يعيد ترتيب موازين القوى الدبلوماسية بعد أعوام من الانقسام في الرؤى بين ضفّتي الأطلسي. فبينما كانت أوروبا حتى وقت قريب تميل إلى الحفاظ على شعرة التواصل مع طهران، أملاً في إنقاذ ما تبقى من الاتفاق النووي، عادت اليوم لتقف خلف واشنطن في مقاربة أكثر تشدداً، تُغلّب سياسة الردع على الانخراط الدبلوماسي.

ولم يأت هذا التحول من فراغ، بل جاء نتيجة تراكمات من خيبات الأمل الأوروبية إزاء سلوك إيران النووي والإقليمي، وفشل كل المبادرات السابقة في كبح تخصيب اليورانيوم أو الحد من تدخلاتها في النزاعات الإقليمية. وقد برزت بوادر هذا الاصطفاف الجديد منذ إعلان مجلس الأمن الدولي إعادة تفعيل العقوبات الأممية، وهي خطوة حاسمة أعادت للأذهان أدوات الضغط متعددة الأطراف التي استُخدمت في العقد الأول من القرن الحالي.

وآنذاك ساهم التنسيق بين واشنطن والعواصم الأوروبية الكبرى في محاصرة الاقتصاد الإيراني ودفع طهران إلى توقيع اتفاق 2015 النووي المعروف بـ”خطة العمل الشاملة المشتركة”. واليوم، تحاول القوى الغربية إعادة تكرار ذلك النموذج، لكن في سياق أكثر تعقيداً، إذ إن إيران أصبحت أكثر خبرة في الالتفاف على القيود، وأكثر قدرة على المناورة عبر حلفائها الإقليميين.

ويُلاحظ أن هذا الإجماع الغربي الجديد ليس مجرد تحالف مؤقت، بل يعكس وعياً متزايدا بأن التهديد الإيراني لم يعد مقتصراً على الملف النووي فحسب، بل يشمل منظومة أوسع من الأنشطة المزعزعة للاستقرار، تمتد من دعم الحوثيين في البحر الأحمر إلى تهريب الأسلحة والطائرات المسيّرة إلى مناطق النزاع في الشرق الأوسط وأفريقيا.

وأوجد هذا الفهم المشترك أرضية لتنسيق غير مسبوق بين واشنطن ولندن وبروكسل، وأعطى زخماً لإستراتيجية “الضغط المتعدد” التي تشمل العقوبات الاقتصادية، والردع البحري، والملاحقة القانونية لشبكات التمويل غير المشروعة.

كما ساعدت الحرب في أوكرانيا، والمواجهة الجارية في غزة، في تقريب وجهات النظر بين الأوروبيين والأميركيين، إذ أدرك الطرفان أن التهاون حيال الدول التي تتحدى النظام الدولي -مثل روسيا وإيران- يشكل تهديداً مباشراً لمبدأ الاستقرار العالمي. ولهذا، فإن الموقف الغربي الموحد من طهران يمكن أن تتم قراءته في إطار أوسع من مجرد سياسة عقوبات، بل كمحاولة لترسيخ نموذج جديد من التضامن الغربي لمواجهة القوى المراجِعة للنظام الدولي، سواء كانت في موسكو أو طهران أو بكين.

وإضافة إلى ذلك ساهمت التطورات التكنولوجية والمالية في تعميق التنسيق بين الأجهزة الأميركية والأجهزة الأوروبية. فآليات تتبع السفن، وأنظمة مراقبة المعاملات البنكية المشبوهة، وشبكات الاستخبارات المشتركة باتت اليوم تعمل ضمن منظومة واحدة تكشف الثغرات التي تستغلها إيران لتسويق نفطها أو نقل عائداته.

ويميز هذا التكامل العملي الحملة الحالية عن جولات العقوبات السابقة التي كانت تفتقر إلى التنسيق اللحظي وتبادل البيانات بين الشركاء الغربيين. ويبقى الشاغل الأساسي استمرار توسع برنامج إيران النووي وتأكيدها الثابت على حقوق تخصيب اليورانيوم، وهي عملية حاسمة لتطوير الأسلحة النووية.

وتعثرت المفاوضات الدبلوماسية بين واشنطن وطهران في بداية هذا العام، قبل أن تنهار تماما في يونيو بعد أن ألحقت الغارات الجوية الإسرائيلية والأميركية أضرارا بالمنشآت النووية الإيرانية، ما قضى على أي زخم دبلوماسي متبق. وأكد مسؤولون إيرانيون هذا الأسبوع عدم نيتهم استئناف المحادثات مع الدول الأوروبية التي دفعت إلى إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة، نافين تكهنات حول استئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة.

2