صراع على أنقاض غزة.. معركة إقليمية على مليارات الإعمار
القاهرة- تسعى عدة دول إلى المشاركة بفاعلية في إعادة الإعمار، ليس فقط لمساعدة الفلسطينيين على تجاوز المحنة بأسرع وقت، ولكن أيضا من أجل استفادة شركاتها من فرص إعادة الإعمار الضخمة، في وقت تتجه فيه الأنظار إلى دول الخليج ومدى استعدادها لضخ الأموال الكافية لتسريع هذه المهمة.
ويقف التحمّس للمشاركة في إعادة الإعمار لدى عدة أطراف إقليمية على حجم الدعم المالي الخليجي الذي سيتم ضخه، وهو ما أشار إليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الثلاثاء بقوله “أعتقد أنه سيتم تقديم دعمٍ مالي كبيرٍ على وجه السرعة” لمشاريع إعادة الإعمار التي وضعتها منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية.
وأضاف “نسعى للحصول على دعمٍ من دول الخليج والولايات المتحدة والدول الأوروبية. الانطباعات الأولية مبشرة.”
لكن دول الخليج لم تعد كما كانت في السابق تبادر بالمسارعة إلى ضخ الأموال بقطع النظر عن الأطراف المستفيدة. والأمر صار مختلفا الآن، إذ تربط بين التمويلات ومصالحها المباشرة، فهل ستضخ أموالا كبيرة لتستفيد منها شركات أميركية أو تركية أو مصرية، وهل تقدر أنقرة والقاهرة المتحمستان لتسريع عمليات إعادة الإعمار على توفير بدائل ذاتية وأخرى من خارج الدعم الخليجي.
عبدالفتاح السيسي: مصر ستعمل مع الولايات المتحدة وبالتنسيق مع كافة الشركاء على وضع الأسس المشتركة للمضي قدماً في إعادة الإعمار للقطاع دون إبطاء
ويوحي غياب قيادات خليجية مؤثرة عن قمة شرم الشيخ بأن بعض دول مجلس التعاون الخليجي قد لا تكون متحمسة لضخ أموال في غياب ضمانات حقيقية بعدم تجدد الحرب بعد أشهر أو سنوات قليلة، كما كان يحدث دائما، ليذهب الدعم دون تحقيق أي نتائج.
وتعتقد أوساط سياسية أن دول الخليج لا تنظر إلى قمة شرم الشيخ من جانب الحضور أو سقف الشعارات، وأنها ستقيّم النتائج لترى إن كانت فعلا ستقود إلى سلام دائم.
وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قد أشار في كلمته أمام قمة شرم الشيخ إلى ضرورة تسريع عملية الإعمار في غزة، وعرض استضافة مؤتمر لإعادة الإعمار في القطاع، امتدادا لما جاء في الخطة المصرية بشأن غزة، والتي تبنتها القمة العربية، وصارت خطة عربية.
وقال الرئيس المصري في قمة شرم الشيخ “ستعمل مصر مع الولايات المتحدة وبالتنسيق مع كافة الشركاء، خلال الأيام القادمة على وضع الأسس المشتركة للمضي قدماً في إعادة الإعمار للقطاع دون إبطاء.”
وأضاف “نعتزم في هذا السياق استضافة مؤتمر التعافي المبكر وإعادة الإعمار والتنمية، والذي سيبني على خطتكم لإنهاء الحرب في غزة، وذلك في سبيل توفير سبل الحياة للفلسطينيين على أرضهم ومنحهم الأمل.”
واقترحت الخطة المصرية حين عرضها قبل أشهر إنشاء “مناطق آمنة” داخل غزة حيث يمكن للفلسطينيين العيش في البداية بينما تقوم شركات البناء المصرية والدولية بإزالة وإعادة تأهيل البنية التحتية للقطاع.
وقال مسؤولون مصريون إن الخطة تدعو إلى عملية إعادة إعمار من ثلاث مراحل تستغرق ما يصل إلى خمس سنوات دون إبعاد الفلسطينيين من غزة.
وتحدد ثلاث “مناطق آمنة” داخل غزة لإعادة توطين الفلسطينيين خلال “فترة التعافي المبكر” الأولية التي تستمر ستة أشهر. وسيتم تجهيز المناطق بمنازل وملاجئ متنقلة، مع تدفق المساعدات الإنسانية.
وستشارك أكثر من عشرين شركة مصرية ودولية في إزالة الأنقاض وإعادة بناء البنية التحتية للقطاع. وقال المسؤولون إن إعادة الإعمار ستوفر عشرات الآلاف من الوظائف لسكان غزة.
وتبدو عملية إعادة إعمار غزة هذه المرة مختلفة عن المرات التي تلت الحروب السابقة ما بين 2008 و2021، من ناحية التكلفة المالية المرتفعة وطبيعة الأوضاع الجيوسياسية.
وحسب تقرير صادر عن الأمم المتحدة، فإن تكلفة إعادة إعمار غزة تتطلب أكثر من 53 مليار دولار. وقدر التقرير حاجة غزة إلى قرابة ثلاثة قرون ونصف القرن، أي ما يعادل 350 عاما، للعودة إلى ما كان عليه الواقع قبل السابع من أكتوبر 2023، إذا ما استمر الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع وجرت عرقلة عملية إعادة الإعمار.
وتتوقع مصادر أن تحشد الخطة المصرية مساهمات مالية من دول المنطقة بما يصل إلى 20 مليار دولار، وهو أقل من نصف المبلغ الذي قدرته الأمم المتحدة لإعادة الإعمار.
التحمّس للمشاركة في إعادة الإعمار لدى عدة أطراف إقليمية يقف على حجم التمويل المالي الخليجي الذي سيتم ضخه
وقال مسؤول في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الثلاثاء إن دولا، من بينها الولايات المتحدة ودول عربية وأوروبية، أعطت مؤشرات واعدة على استعدادها للمساهمة في تكلفة إعادة إعمار غزة البالغة 70 مليار دولار.
وقال جاكو سيليرز من البرنامج لصحافيين خلال مؤتمر صحفي في جنيف “لدينا بالفعل مؤشرات جيدة جدا،” لكنه لم يدل بتفاصيل.
وذكر أن التقديرات تشير إلى أن الحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) خلفت ما لا يقل عن 55 مليون طن من الأنقاض في القطاع.
وردا على سؤال حول الإطار الزمني لإعادة إعمار غزة قال المسؤول “ربما في حدود عقد أو عقود، وربما أكثر.”
وتراهن الأطراف المعنية بإعادة الإعمار على دعم أوروبي، وخاصة من ألمانيا.
وفي هذا السياق أعرب الرئيس الألماني فرانك – فالتر شتاينماير عن اعتقاده بأن على الدول الأوروبية أن تسهم سريعا في تحسين الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة الفلسطيني الذي تعرض لحرب إسرائيلية واسعة النطاق على مدار أكثر من عامين.
وعلى هامش زيارة إلى مدينة أندرناخ في ولاية راينلاند بفالس غربي ألمانيا، قال شتاينماير الثلاثاء “علينا نحن الأوروبيين أن ندرك أنه يتوجب علينا القيام بدورنا في تثبيت الأوضاع وتهدئة الموقف العام.”
وأضاف أن “العملية التي تنتظرنا جميعا، وليس فقط الرئيس الأميركي، ستكون صعبة بما فيه الكفاية،” ورأى أن من المهم في هذه المرحلة الحالية أن “نسهم بسرعة في تحسين الوضع الإنساني،” مشيرا إلى أن ألمانيا أبدت استعدادها لذلك.
وتابع قائلا “في الأسابيع المقبلة سيكون هذا المجال أحد المحاور الكبرى التي يجب أن نشارك فيها بإسهامنا، وسنشارك فعلا.”
اقرأ أيضا:
• حماس تعيد فرض قبضتها الأمنية على غزة تحسبا لـ"الطامحين"
• العشائر المسلحة في غزة.. الوجه الآخر لتحديات الحكم بعد الحرب
• كيف يمكن إنهاء الحرب في غزة نهائيًّا