سوريا ولبنان: علاقة جديدة ما بعد نفوذ حزب الله ووصاية الأسد

الدعم الأميركي والخليجي لدمشق يدفع اللبنانيين إلى التخلي عن حذرهم تجاهها والاستفادة من الفرص التي توفرها العلاقة معها.
السبت 2025/10/11
أول زيارة يجريها وزير سوري إلى لبنان منذ سقوط الأسد

دمشق- بحث وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني مع القيادة اللبنانية العديد من الملفات الحساسة مثل الحدود والغاز والموقوفين إضافة إلى الشراكة الاقتصادية والسياسية، في وقت يأمل فيه البلدان بناء علاقة جديدة وفق التطورات التي حصلت بعد نهاية عهد الوصاية على لبنان بسقوط نظام بشار الأسد ونهاية نفوذ حزب الله.

وتحدث الشيباني خلال مؤتمر صحفي الجمعة مع وزير الخارجية اللبناني يوسف رجّي في أول زيارة يجريها وزير سوري إلى لبنان منذ سقوط نظام بشار الأسد أواخر ديسمبر 2024، عن وجود فرصة تاريخية لتحويل علاقة بلاده مع لبنان من أمنية متوترة إلى شراكة سياسية واقتصادية تصب في صالح الشعبين، وذلك في مواقف تزامنت مع تعليق العمل بالمجلس الأعلى اللبناني – السوري.

ويرى مراقبون أن تصريحات الوزير السوري تشير إلى رغبة دمشق في فتح صفحة جديدة مع لبنان بعيدا عن الوصاية التي اتسمت بها العلاقات بين البلدين لعدة عقود، وتراجع تأثير حزب الله الذي عمل على إحداث قطيعة بين بيروت والنظام الجديد في دمشق لحسابات تتعلق بمصالح إيران ونفوذها في لبنان.

واتسمت العلاقة بين لبنان ونظام الأسد بالتعقيد على مدى 50 عاما، من التدخل السوري في الحرب الأهلية اللبنانية إلى اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، ثم انسحاب الجيش السوري من لبنان. علاوة على ذلك، أثار سقوط نظام بشار الأسد ردود فعل متباينة في لبنان، حيث لاقى ترحيبا من قبل بعض الأطراف، فيما تخوّف بعضها من الفصائل الإسلامية المتشددة.

ومن شأن التغييرات التي تجري في لبنان، وخاصة ما تعلق بنزع سلاح حزب الله وتقليص نفوذه على المؤسسات اللبنانية، أن تفتح الطريق أمام بناء علاقة جديدة بين بيروت ودمشق التي باتت تحظى بدعم أميركي وخليجي كبير، ما يدفع اللبنانيين إلى التخلي عن حذرهم تجاهها والاستفادة من الفرص التي توفرها العلاقة معها.

ولفت الشيباني إلى حرص بلاده على تجاوز جميع عقبات الماضي مع لبنان، والعمل على ترسيخ علاقات تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة التي تخدم شعبي البلدين. مشيرا إلى أن “هذه الزيارة تأتي بتوجيه من الرئيس أحمد الشرع للتأكيد على عمق العلاقات بين البلدين، وتجسيد توجه سوريا الجديدة القائم على الاحترام المتبادل”.
وشدد على أن سوريا “تدخل في مرحلة التعافي وإعادة الإعمار، ومن أهم أساسياتها بناء العلاقات السياسية على أسس التعاون المتبادل واحترام سيادة الدول المجاورة وعدم التدخل في شؤونها”.

وتوجه الشيباني “بالشكر للبنان على استضافته اللاجئين السوريين خلال الفترة السابقة، رغم ما يعانيه من ضغوط وأوضاع اقتصادية صعبة”.

من جانبه قال وزير الخارجية اللبناني “صفحة جديدة فتحت بين لبنان وسوريا، ونتمنى أن تكون بادرة خير.” وأكد وجود “التزام من الجهتين السورية واللبنانية لاحترام الدولة اللبنانية مع عدم التدخل بشؤونها وهذا مسار إيجابي”.

وتابع “أبشّر اللبنانيين تعليق العمل بالمجلس الأعلى اللبناني – السوري على أن يصبح خارج القانون قريبا،” وشدد على أن “العلاقات بين الدولتين اللبنانية والسورية أصبحت مباشرة”.

والتقى وزير الخارجية السوري الرئيس اللبناني جوزيف عون في قصر بعبدا، حيث أكد عون أن لبنان يحرص على بناء علاقات متينة مع سوريا تقوم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

وشدد الرئيس اللبناني على أهمية تفعيل التعاون السياسي والاقتصادي والأمني بين البلدين، بما يسهم في ترسيخ الاستقرار على جانبي الحدود، مشيرًا إلى أن تطوير العلاقات الثنائية يتطلب تشكيل لجان مشتركة لمراجعة كافة الملفات العالقة، وعلى رأسها الاتفاقيات الثنائية الموقعة، والتي تحتاج إلى تقييم جديد يتماشى مع المتغيرات الراهنة والمصالح المتبادلة.

وتناول اللقاء مسألة تعليق العمل في المجلس الأعلى اللبناني –  السوري، حيث اعتبر عون أن هذا التطور يتطلب تعزيز العلاقات الدبلوماسية عبر تفعيل دور السفارتين، معربًا عن أمله في تعيين سفير سوري جديد في بيروت لتسهيل التنسيق ومعالجة الملفات المشتركة.

وقال عون إن “الطريق أمام البلدين لا يزال طويلاً، لكن النوايا الصافية كفيلة بتغليب المصلحة المشتركة،” مؤكدًا أن لبنان وسوريا لا خيار أمامهما سوى التفاهم والعمل المشترك.

وتطرّق إلى تحسن الوضع الأمني على الحدود بين البلدين، مشيرًا إلى أن الملفات التي تتطلب معالجة فورية – والتي جرت مناقشتها مع الرئيس السوري أحمد الشرع خلال لقاءات سابقة في القاهرة والدوحة – تشمل ترسيم الحدود البرية والبحرية، وخط الغاز، وقضية الموقوفين.

وأكد أن لبنان سيتعاطى مع هذه القضايا من منطلق المصلحة المشتركة، مشددًا على ضرورة معالجتها بروح التعاون والشفافية.

وفي سياق أوسع، قال عون إن “المنطقة دفعت ثمناً باهظاً بسبب الحروب والصراعات، وحان الوقت لاستثمار الموارد والطاقات في سبيل تأمين حياة كريمة لشعوبها،” داعيًا إلى الخروج من دوامة العنف والتركيز على التنمية والاستقرار.

وختم اللقاء بنقل تحياته إلى الرئيس السوري أحمد الشرع، مجددًا دعوته لزيارة لبنان في أقرب فرصة، تأكيدًا على الرغبة في إعادة بناء جسور الثقة وتعزيز الحوار بين البلدين.

وكانت الخارجيّة اللبنانية تبلّغت صباح الجمعة، عبر سفارة دمشق في بيروت، قرار تعليق عمل المجلس الأعلى اللبناني – السوري وحصر كافّة أنواع المراسلات بين البلدين بالطرق الرسميّة الدبلوماسية،” وفق الوكالة الرسمية للإعلام.

وخلال الأشهر الأخيرة، صعّد لبنان وسوريا حالة التنسيق الدبلوماسي بينهما حول عدة قضايا جوهرية أبرزها ملف المفقودين وترسيم الحدود البرية، فضلا عن مساعٍ لتعزيز التعاون الاقتصادي بينهما.

وشهدت الحدود اللبنانية – السورية في مارس الماضي، تصعيدا خطيرا حين دخل مسلحون إلى الأراضي السورية واختطفوا 3 جنود قبل أن يعدموهم.

وبعد أيام من الاشتباكات وتبادل إطلاق النار بين الجيش السوري ومسلحين لبنانيين أعلن وزيرا الدفاع السوري مرهف أبوقصرة واللبناني ميشال منسي أنهما اتفقا على وقف إطلاق النار ومنع التوتر على الحدود عقب اتصال هاتفي في 17 مارس.

1