سوريا على حافة الانقسام: الفرات خط الصدام بين الحكومة الجديدة والأكراد
الرقة (سوريا) – أصبح نهر الفرات جبهة ساخنة في الصراع السوري بعد سقوط الأسد، إذ يقسم البلاد بين أكبر معسكرين مسلحين: حكومة جديدة تهيمن عليها فصائل إسلامية، وقوات كردية تحمي مناطقها المستقلة شرق النهر، بينما تتضاءل آمال التسوية والحفاظ على وحدة البلاد في ظل توترات لا تهدأ بين المعسكرين.
وعلى ضفتي الفرات، يشهد السوريون صراعاً متعدد الطبقات بين الفصائل المسلحة، والتدخلات الخارجية، والمفاوضات المعقدة، بينما تبدو البلاد على حافة الانقسام. ومع استمرار المناوشات والسيطرة الجزئية لكل طرف، فإن أي استقرار يبدو بعيد المنال، ويظل نهر الفرات رمزاً للانقسام المستمر في سوريا.
المواجهة على الأرض
في دير الزور، لا تفصل بين المعسكرين سوى 200 متر عند أقرب نقطة على جسر ترابي، حيث تنتشر القوات الحكومية على الضفة الغربية بقيادة قائد الفرقة 86 أحمد الهايس، بينما يسيطر الأكراد على الضفة الشرقية.
ويحمل المقاتلون على جانبي النهر أسلحة مشهرة، وتتعرض حركة المدنيين وفريق الصحفيين للفحص المتكرر قبل العبور، فيما تتواصل المناوشات وإطلاق النار بين الطرفين، ويتهم كل جانب الآخر بالبدء بالاشتباكات.
وعلى الجانب الكردي، تتخذ قائدة الكتائب النسائية سوزدار ديرك احتياطات أمنية مشددة، مثل تجنب استخدام الهاتف وتغيير مواقعها بانتظام، قائلة في تعليقها على مواجهة محتملة "حرب؟ نحن مستعدون، لكن نضرب من يهاجمنا فقط."
وتسيطر الفصائل الإسلامية على ثلثي سوريا غرب الفرات، بما يشمل المدن الكبرى والساحل، بينما يحتفظ الأكراد بما يقارب ثلث البلاد، ويمتلكون مصادر نفطية وسدوداً كهرومائية، بينما تدعمهم الولايات المتحدة عسكرياً، لكن مخاوف الانسحاب الأميركي تظل قائمة.
وتواجه المفاوضات في دمشق لإبرام اتفاق وحدة صعوبات بسبب اختلاف الرؤى والضغوط الدولية، فيما يظهر الواقع الميداني أن التقسيم سيستمر أو تتحول المواجهة إلى صراع أوسع، لا سيما مع تواجد عشرات الآلاف من المقاتلين المدعومين بالتمويل والأسلحة من القوى الخارجية.
الجبهة الشمالية: السد والنزاع على المياه
وعلى منبع الفرات، يشكل سد تشرين محوراً للتوتر، حيث تتبادل القوات الكردية والفصائل المسلحة الموالية للسلطة الجديدة الاتهامات بالقصف والهجمات الجوية، بينما يعمل المهندسون على إصلاح التسريبات وتأمين تدفق المياه والكهرباء للمدن.
ويسيطر القائد معتصم عباس من الفرقة 80 على مناطق واسعة شمال الفرات، وتواصل القوات الكردية استخدام الطائرات المسيرة والأنفاق الدفاعية لمواجهة التقدم العسكري، مع استمرار مخاوفهم من سحب الدعم الأميركي المفاجئ.
وفي دير الزور، يسيطر الهايس على مساحة تمتد من الرقة إلى المدينة، بينما تظل القوات الكردية في شرق النهر محافظة على مواقعها، في حين تستمر المناوشات وسط توترات بين الفصائل والمجتمعات المحلية، فيما تحاول الحكومة الجديدة فرض هيمنتها على مناطق الأكراد.
وترى القائدة الكردية ديرك في تعيين الهايس استفزازاً مباشراً، مؤكدة عدم الانضمام إلى الجيش السوري الجديد، بينما تعمل القوات الكردية على تعزيز دفاعاتها بالأنفاق والأسلحة الحديثة والطائرات المسيرة.
وبعيداً عن الجبهات، تسعى قيادات سياسية مثل فوزة يوسف ومسعود بطال إلى دمج المناطق الكردية تحت حكومة دمشق، وسط ضغوط أميركية لتحقيق وحدة سوريا، لكن الاختلافات العميقة في الرؤى السياسية والعسكرية، والانعكاسات العرقية والدينية، تجعل المهمة صعبة.
ويعيش المدنيون في حالة قلق دائم، إذ يقول أحد سكان الرقة "إذا زرت مناطق الحكومة فأنت مشكوك فيك من قبل الأكراد، وإذا عشت هنا فأنت عدو تابع للأكراد. نحن عالقون في المنتصف."