سقوط ضحايا مدنيين يكشف صعوبة تنفيذ الاتفاقات بين دمشق وقسد
دمشق - نفت السلطات في دمشق الأحد الاتهام الموجّه إليها من قبل قوات سوريا الديمقراطية بقصف قرية في محافظة حلب السبت، وحمّلتها مسؤولية الهجوم الذي قال المرصد السوري لحقوق الانسان إنه أسفر عن مقتل سبعة مدنيين.
و ما يعيد إلى الواجهة ملف العلاقة الهشة بين الطرفين، ويكشف عن مدى صعوبة تطبيق الاتفاقات الموقعة بينهما.
جاء هذا القصف في منطقة تشهد توترات واشتباكات متقطعة، ما يعيد إلى الواجهة ملف العلاقة الهشة بين الطرفين، ويكشف عن مدى صعوبة تطبيق الاتفاقات الموقعة بينهما.
وأفاد المرصد بمقتل خمس نساء وطفلين في قرية أم التينة في منطقة بلدة دير حافر بريف حلب (شمال) بقصف شنّه "عناصر من الجيش السوري". كما اتهمت قوات سوريا الديمقراطية "فصائل تابعة لحكومة دمشق ومؤيدة لتركيا" بقصف القرية.
وتسيطر الإدارة الذاتية الكردية التي تشكل قوات سوريا الديمقراطية ("قسد") قوتها الأمنية والعسكرية، على مساحات شاسعة من شمال سوريا وشمال شرقها تضم حقول نفط وغاز.
وتقع منطقة دير حافر على خطوط التماس بين القوات الحكومية وقوات سوريا الديموقراطية، حيث تدور اشتباكات متقطعة في المنطقة، بحسب ما قال مدير المرصد رامي عبد الرحمن.
والأحد، أفادت إدارة الإعلام والاتصال في وزارة الدفاع السورية في بيان "قامت قوات قسد يوم أمس السبت (...) باستهداف قرى تل ماعز، علصة، الكيارية في ريف حلب الشرقي بقذائف الهاون، وأثناء قصفها للقرى الخارجة عن سيطرتها، رصدت قواتنا إطلاق صواريخ من إحدى راجمات قسد باتجاه قرية أم تينة الواقعة تحت سيطرتها، دون معرفة الأسباب الكامنة وراء ذلك".
وأضاف البيان الذي نقلته وكالة "سانا" الرسمية "نوضح ما جرى من قصف نفذته قوات قسد على مدن وقرى ريف حلب الشرقي، ونؤكد نفيَنا القاطع لما تروّجه وسائل الإعلام التابعة لها بشأن قيام الجيش العربي السوري باستهداف قرية أم تينة"، متّهما قوات قسد بمواصلة "استهداف المدنيين في ريف حلب الشرقي بشكل ممنهج".
وكان المرصد الذي يتخذ من بريطانيا مقرا له ويعتمد على شبكة مصادر داخل سوريا، أفاد في وقت سابق السبت باندلاع اشتباكات "استخدمت فيها طائرات مسيرة وأسلحة ثقيلة" بعد استهداف الجيش مواقع عسكرية لقوات سوريا الديمقراطية في منطقة دير حافر.
من جهتها قالت "قسد" المدعومة من الولايات المتحدة في بيان "ارتكبت فصائل تابعة لحكومة دمشق ومؤيدة لتركيا مساء السبت مجزرة بحق المدنيين في قرية أم التينة".
وتعود هذه الأحداث الدامية إلى خلافات عميقة بين دمشق والإدارة الذاتية الكردية حول تنفيذ اتفاق "دمج المؤسسات المدنية والعسكرية" الموقع في 10 مارس الماضي.
ففي حين تدعو قوات سوريا الديمقراطية إلى نظام حكم يحافظ على قدر من استقلاليتها، ترفض دمشق "أي شكل" من أشكال اللامركزية.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، صرح الرئيس السوري أحمد الشرع بأن "المفاوضات مع قوات سوريا الديمقراطية كانت تسير بشكل جيد، ولكن يبدو أن هناك نوعا من التعطيل أو التباطؤ في تنفيذ الاتفاق".
وأضاف "قمت بكل ما يجنب شمال شرق سوريا الدخول في معركة أو حرب".
وتواجه قوات سوريا الديمقراطية ضغوطا إضافية على خلفية تحذير صادر عن وزارة الدفاع التركية، في 4 من سبتمبر الحالي، طالبتها فيه بالاندماج في الجيش السوري والتخلي عن أي سلوك أو خطاب يمس وحدة البلاد.
وحذرت الوزارة من أن عدم الالتزام بتعهدات نزع السلاح والاندماج يشكل “تهديدًا لوحدة سوريا ولأمن تركيا"، مؤكدة أنها ستقدم كل الدعم اللازم لسوريا لضمان استقرارها وأمن حدودها.
وتعتبر منطقة دير حافر في ريف حلب الشرقي نقطة استراتيجية نظرا لموقعها كملتقى طرق رئيسي يربط بين مناطق سيطرة الحكومة السورية ومناطق قوات سوريا الديمقراطية.
هذا التقسيم المكاني للنفوذ يجعلها منطقة ساخنة، حيث يمكن لأي استفزاز صغير أن يتحول بسرعة إلى اشتباكات قصيرة، وهو ما يعكس هشاشة التهدئة المؤقتة أو الاتفاقات المحلية.
ويعتقد المراقبون أن هذه الاشتباكات المتكررة، على الرغم من محدوديتها، تخدم أغراضا سياسية عميقة، فهي تعيد رسم حدود القوة على الأرض وتذكر كل طرف بمكانته وقدرته على التأثير. فمن جهة، تحاول دمشق أن تثبت أن الدولة لا تزال صاحبة الكلمة العليا، بينما تحاول "قسد" إظهار أنها ليست طرفا ضعيفا بل تمتلك أوراق قوة تجعلها رقما صعباً في المعادلة.
وفي الوقت الذي لا يستبعد فيه المراقبون تكرار هذا النمط من المواجهات المتقطعة، فإنهم لا يتوقعون انزلاق الوضع إلى مواجهة عسكرية واسعة النطاق، حيث أن كلا الطرفين يدرك أن البديل سيكون انفجارا أكبر يعيد الأمور إلى نقطة الصفر ويضع البلاد أمام دورة صراع جديدة لا نهاية لها.
ويكشف القصف الدامي الذي أدى إلى مقتل مدنيين في دير حافر عن هشاشة العلاقة بين دمشق و"قسد" وعن الصعوبات الحقيقية التي تواجهها محاولات التهدئة.
ورغم توقيع اتفاقات، فإن الخلافات العميقة حول السلطة واللامركزية وتقاسم الموارد تظل قائمة، وتجعل من هذه المناطق مسرحا لرسائل سياسية تترجم إلى اشتباكات ميدانية. وفي ظل الضغوط الإضافية من تركيا، يصبح مستقبل الشمال السوري أكثر تعقيدا، ويظل المدنيون هم الضحية الأولى في هذه المواجهات المستمرة.