رفع علم فلسطين فوق مباني أكثر من 50 بلدية يثير جدلا في فرنسا
باريس – أثار رفع العلم الفلسطيني فوق مباني أكثر من خمسين بلدية فرنسية الاثنين، جدلا واسعا في فرنسا، حيث اعتبرت شخصيات من اليمين والسلطات المركزية أن هذه الخطوة تشكل خرقًا لمبدأ "حياد المرافق العامة" ومحاولة لتسييس العمل البلدي.
وكان وزير الداخلية في الحكومة الستقيلة برونو ريتايّو في مقدمة المنتقدين، إذ وجّه تعليمات صارمة إلى المحافظين بضرورة منع رفع الأعلام غير الرسمية على واجهات البلديات.
وأكد ريتايّو أن الدولة الفرنسية "لا تكتفي بعدم الدعوة إلى رفع هذه الرموز، بل تفرض منعها تمامًا"، معتبرًا أن الالتزام بالحياد ضروري "حتى لا تتحول البلديات إلى ساحات صراع سياسي خارجي".
وفي السياق نفسه، شدّد الأمين العام لوزارة الداخليةهيوغ موتوه، على أن رفع أعلام أجنبية يتعارض مع القانون الفرنسي الذي يحصر رمزية المباني العامة في الأعلام الوطنية والأوروبية والمحلية. وأوضح أن أي استثناء "سيفتح الباب أمام مطالبات لا تنتهي"، وهو ما قد يضعف سلطة الدولة على المدى الطويل.
وأعرب عدد من السياسيين من صفوف اليمين واليمين المتطرف أيضا عن استيائهم، محذرين من أن هذه المبادرات قد تعمّق الانقسامات داخل المجتمع الفرنسي. واعتبروا أن البلديات لا ينبغي أن تنخرط في قضايا دولية مثيرة للجدل، بل أن تركز على مهامها المحلية والخدمات اليومية للمواطنين.
في المقابل، يرى هؤلاء أن إعلان الرئيس إيمانويل ماكرون الاعتراف بدولة فلسطين أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يمثل الموقف الرسمي الوحيد الذي يُلزم الدولة الفرنسية، وليس المبادرات الفردية للبلديات.
وبينما تصف البلديات المؤيدة رفع العلم الفلسطيني بأنه "رمز تاريخي للتضامن"، تصر الأصوات المعارضة على أن هذه الخطوة تضعف وحدة الدولة وتفتح الباب أمام استغلال الرموز الوطنية في صراعات سياسية ودبلوماسية لا مكان لها في ساحات المدن والبلدات.
ورُفع العلم الفلسطيني فوق مباني أكثر من خمسين بلدية فرنسية، بينها نانت، سان دوني وستين، وذلك على الرغم من تعليمات وزارة الداخلية التي حظرت هذا الإجراء في اليوم نفسه الذي تستعد فيه فرنسا للإعلان رسميًا عن اعترافها بدولة فلسطين أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلافات سياسية في فرنسا.
وأعلنت وزارة الداخلية الفرنسية، ظهر الاثنين 22 سبتمبر، أنها رصدت 52 بلدية من أصل 34875 قامت برفع العلم الفلسطيني، في خطوة وصفتها الوزارة بأنها مخالفة لتوجيهاتها. كما أشارت إلى أن بلديات أخرى تعتزم اتخاذ الخطوة ذاتها مساء اليوم الاثنين.
وفي سان دوني، رُفع العلم الفلسطيني عند الساعة 9:40 صباحًا بحضور الأمين الأول للحزب الاشتراكي، أوليفييه فور، الذي كان قد دعا إلى هذا التحرك. وقال رئيس بلدية المدينة، ماتيو هانوتان (اشتراكي)، إن رفع العلم "ليس فعلًا نضاليًا طويل الأمد، وإنما لحظة رمزية بمناسبة اعتراف فرنسا بالدولة الفلسطينية"، واصفًا اليوم بـ"التاريخي". وفي مدينة ستين، أعلن رئيس البلدية عز الدين الطيبي (الحزب الشيوعي الفرنسي) أنه رفع إلى جانب العلم الفلسطيني كلًا من علم الأمم المتحدة وعلم السلام.
وفي نانت، كتبت رئيسة البلدية، جوهانا رولان (اشتراكية)، عبر منصة إكس "هذا المساء سيعلن رئيس الجمهورية أمام الأمم المتحدة اعتراف فرنسا بدولة فلسطين. ترافق نانت هذا القرار التاريخي عبر رفع العلم الفلسطيني ليوم واحد". وتبعتها مدن مثل رين، حيث شددت رئيستها، ناتالي أبيري (اشتراكية)، على أن "المسؤولية تقتضي رفض الصمت والعمل بكل الوسائل المتاحة لوقف المأساة".
أما في ضواحي باريس، فقد رُفع العلم الفلسطيني في بلديات نانتير، باينيو، جينفيلييه، إيفري-سور-سين وكوربيل-إيسون، بينما كانت بلدية مالاكوف قد سبقت الجميع ورفعت العلم منذ الجمعة الماضية، متحدية قرارًا من المحكمة الإدارية التي أمرت لاحقًا بإزالته تحت طائلة غرامة مالية قدرها 150 يورو عن كل يوم تأخير.
في مدن أخرى، مثل تارنوس، أكد رؤساء البلديات تمسكهم برفع العلم رغم اعتراض السلطات المحلية، معتبرين أن الخطوة "إنسانية أكثر منها سياسية"، فيما اختارت بعض البلديات، مثل سان-أوين وباريس، رفع العلمين الفلسطيني والإسرائيلي معًا إلى جانب علم السلام، حيث أضيئت واجهة برج إيفل مساء الأحد بالأعلام الثلاثة.
كما شهدت مدن صغيرة مثل شينوف وكيتيني، قرب ديجون، الخطوة ذاتها، فيما أعلن رئيس بلدية كاراهاي (غرب فرنسا) أنه رفع العلم الفلسطيني ردًا على دعوات اقتصرت على إبراز العلم الفرنسي وحده. وفي كوربيل-إيسون، التي تربطها علاقة توأمة مع القدس الشرقية، قررت البلدية توزيع ألف علم فلسطيني على السكان.
وفي ليل، أزيل العلم الفلسطيني الذي كان مرفوعًا منذ استقبال وفد من مدينة نابلس منتصف سبتمبر، وذلك استجابة لطلب من المحافظ، بحسب ما أفادت به البلدية.
من جانبه، شدد الأمين العام لوزارة الداخلية، هيوغ موتو، على "مبدأ حياد المرافق العامة"، مؤكدًا أن الدولة "لا تطلب رفع الأعلام، بل تمنع ذلك". أما وزير الخارجية المستقيل، جان-نويل بارو، فقلل من شأن الجدل القائم، واصفًا إياه بـ"الجدالات العقيمة"، مضيفًا "اليوم تاريخي من أجل السلام، ولا ينبغي السماح باستغلاله لتأجيج الانقسامات في وقت نحن بأمس الحاجة فيه إلى الوحدة".