رحيل بوب ويلسون صانع الصورة المسرحية الساحرة

مخرج معروف باستخدامه لتكنولوجيا رائدة ومؤثرات مسرحية توهم بأماكن خرافية تعطي للحركة وللأحجام مظاهر لا تنسى.
السبت 2025/08/02
فنان صنع مسرحا فريدا لا يشبه أحدا غيره

نيويورك (الولايات المتحدة)- توفي الخميس في ولاية نيويورك عن 83 عاما المخرج الأميركي المعروف بأعماله المسرحية والأوبرالية والفنان التشكيلي متنوّع النتاج بوب ويلسون، وفقا لما أعلنته المؤسسة التي تحفظ نتاجه.

وأعلنت مؤسسة روبرت ويلسون للفنون “ببالغ الأسى وفاة روبرت م. ويلسون، الفنان، ومخرج المسرح والأوبرا، والمهندس المعماري، ومصمم الديكور والإضاءة، والفنان التشكيلي (…)”، مشيرة إلى أنه “توفي بسلام” في ووتر ميل بولاية نيويورك، “بعد معاناة قصيرة ولكن قاسية مع المرض”.

وأضافت المؤسسة “رغم مواجهته اكتشاف مرضه بصفاء ذهني وعزيمة، شعر بالحاجة إلى مواصلة العمل والإبداع حتى النهاية. ستبقى أعماله المسرحية، على الورق، ومنحوتاته، وبورتريهات الفيديو، بالإضافة إلى مركز ووتر ميل، إرثه الفني”.

وحققت أعماله نجاحا باهرا أينما عُرضت، وخصوصا في فرنسا، ومن أبرزها مسرحية “بيتر بان” Peter Pan الغنائية، والعرضان الأوبراليان “توراندوت” Turandot و”أينشتاين أون ذي بيتش” Einstein on the Beach.

ولاحظت وزيرة الثقافة الفرنسية رشيدة داتي أن “بوب ويلسون كان فنانا صاحب رؤية، ومعلّما في الإخراج المسرحي، ونحاتا للضوء”، وقد “أثّر بعمق في معاصريه، لاسيما في فرنسا حيث أبدع الكثير”.

أما وزير الثقافة السابق جاك لانغ فقال “رحل سيّد الضوء (…) ورحل معه أحد أعظم مبتكري المسرح المعاصر”.

وبدأ روبرت ويلسون (أو بوب ويلسون) المولود في 4 أكتوبر 1941 في واكو بولاية تكساس الأميركية عرض مسرحياته الخاصة في مرأب العائلة قبل أن ينتقل إلى نيويورك في العشرينات من عمره، حيث أصبح قريبا من الفنانين الأميركيين الطليعيين كآندي وارهول.

أما بروزه على الساحة العالمية فبدأ عام 1976 مع أوبرا “أينشتاين أون ذي بيتش” التي تبلغ مدتها نحو خمس ساعات تقريبا، وعُرضت مرات عدة مذاك الحين، وقد لحّن موسيقاها فيليب غلاس.

أعمال هذا المسرحي الاستثنائي غالبا ما تشبه اللوحات المتحركة، إذ يُولي أهمية كبرى للتكوينات البصرية والصمت والحركة البطيئة، متجاوزا بذلك التقاليد المسرحية الكلاسيكية.

ويعتمد مسرح ويلسون بشكل أساسي على إعمال وظائف النصف الأيمن من المخ المرتبط بالاستكشاف. ويستمد وجوده من اللاشعور وعالم الطفولة والأحلام والأساطير. من هذا أتت مطالبة ويلسون المشهورة بأن “نفكر بعيوننا”. وهو معروف باستخدامه لتكنولوجيا رائدة ومؤثرات مسرحية توهم بأماكن خرافية شاسعة تعطي للحركة وللأحجام مظاهر مهيبة لا تنسى.

رشيدة داتي: بوب ويلسون كان فنانا صاحب رؤية، ومعلّما في الإخراج المسرحي، ونحاتا للضوء

ويشجّع مسرح ويلسون الحركة البطيئة والتي تتطلب مستوى متقدما من اللياقة البدنية وذلك للحث على التركيز وخلق أبعاد فانتازية للعرض المسرحي، وشعاره في ذلك “إذا أبطأت الإيقاع، ستلاحظ أشياء لم تكن تراها من قبل”.

ولا يرى بوب ويلسون المسرح كوسيلة لسرد القصص فقط، بل كفن بصري وصوتي وتجريبي. يؤمن بأن ما يُرى على خشبة المسرح يجب أن يُدرك بالحواس قبل العقل، وأن الصورة قد تنقل المعنى أعمق من الكلمة.

لذلك، فإن عروضه تتجنب المنطق التقليدي والسرد الخطي، وتركّز على إثارة التأمل والمشاعر والتفكير الذاتي لدى المتفرج.

ويقول عن أهمية الصورة “عادةً ما تكرّر الصورة في المسرح ما تقوله الكلمات. فتتقلّص الصورة لتصبح مجرد زينة. لكنني أفكر بعينيّ. بالنسبة لي، الصورة ليست فكرة لاحقة ولا توضيحا للنص. فإذا كانت تقول الشيء نفسه الذي تقوله الكلمات، فلماذا ننظر؟ يجب أن تكون الصورة قوية بما يكفي لجعل رجل أصمّ يجلس طوال العرض مأخوذا بها”.

أما عن رأيه في التمثيل المسرحي عموما فيقول “الممثلون عادةً ما يبدأون بالصوت واللغة. هذا خطأ. عليهم أن يبدأوا بالجسد. الجسد هو أهم أداة لدى الممثل”.

ويعتبر الكثير من النقاد ويلسون من أعظم رواد المسرح التجريبي والمسرح البصري في العالم، حيث تنقل مسرحياته الجمهور نحو تجربة حسية تتجاوز التقاليد السردية والصوتية. مع ذلك، يرى بعض النقاد أن في أعماله برودة عاطفية مفرطة وتجريدا قد يُقصي المتفرج العادي. ووُصفت عروضه بأنها شديدة التركيز على الشكل والبنية إلى حد يُهمّش الجانب الشعوري، مما جعل البعض يرونها نُخبويّة.

ورغم هذا الجدل، يتفق معظم النقاد على أن تأثيره على المسرح الحديث كان عميقا ولا يُمحى، وأنه قد أسّس جمالية جديدة قائمة على الصورة والإيقاع الزمني، كانت مصدر إلهام لأجيال من المخرجين والمصممين المسرحيين حول العالم.

وقد أسّس ويلسون مركز “ذا واترميل سنتر” في نيويورك، وهو مؤسسة بحثية وفنية متعددة التخصصات تهدف إلى دعم الفنانين من مختلف أنحاء العالم، مما عزز مكانته ليس فقط كمخرج بل كمساهم في تطوير الفن المعاصر عالميا، وتأثيره واضح في أعمال عدد كبير من المسرحيين المعاصرين، ويُعد من الشخصيات التي غيّرت مفهوم المسرح في النصف الثاني من القرن العشرين.

14