رحلة استكشافية لوجوه التصميم الإفريقي في معرض أفريكان بالدار البيضاء

معرض أفريكان يُظهر كيف يستمد التصميم المغربي قوته الإبداعية من جذوره الإفريقية ليفتح بذلك آفاقاً جديدة للابتكار.
الأربعاء 2025/10/15
قراءة متجددة للتصميم الإفريقي

الرباط – تستضيف الدار البيضاء النسخة التاسعة من “معرض أفريكان”  الذي يمثل رحلة استكشافية لوجوه متعددة من التصميم الإفريقي، من خلال مقاربة معاصرة وجريئة، لقطع أثاث وتحف وجدرايات تتقاطع فيها الحرفية والذاكرة والحداثة، ضمن مشهد فني أبدعه المصمم ياسين حميشان.

ويقدم ثلاثة مصممين مغاربة شباب حورية أفوفو وكامل حجي ومريا بلخو، خلال المعرض الذي يفتح أبوابه للجمهور الثلاثاء 21 أكتوبر، عوالم متكاملة تعبّر عن الحيوية والتنوع في الإبداع الإفريقي. وتعد أعمالهم المعروضة، المستلهمة من مرجعيات الصناعات الحرفية والرموز الثقافية، دعوة إلى النظر إلى التصميم كلغة للهوية والتعبير.

وذكر بيان صحفي، لرواق “غاليري اتش” الذي تأسس سنة 2015 من طرف مجموعة هولماركوم، أنه يعد “فضاء رائد مخصص للإبداع المغربي. تتمثل مهمته في اكتشاف المواهب الصاعدة ومواكبتها وعرض أعمالها مع تشجيع التعاون مع الحرفيين المحليين، وتثمين مهاراتهم ضمن رؤية تقوم على الابتكار ونقل المعرفة”.

ويتبنى الرواق يتبنى كل عام موضوعا جديدا يثريه متجر فني يتيح للزوار فرصة استثنائية لاستكشاف عوالم التصميم من زوايا متعددة، وبفضل موقعه الاستراتيجي في قلب الدار البيضاء، رسّخ مكانته كأحد الفضاءات الإبداعية الملهمة والملتزمة بدعم المشهد الفني في المملكة وتطويره.

سيتم على هامش المعرض، نظيم لقاءات وورشات تهدف إلى إثراء الحوار حول التصميم الإفريقي المعاصر وتعزيز التبادل الإبداعي بين المغرب وباقي بلدان القارة

وتمثل النسخة التاسعة من معرض  افريكان، تجربة فنية تسعى إلى مدّ جسور الإبداع بين المغرب وعمقه الإفريقي، ويسلط الضوء على غنى الإلهامات الإفريقية، ويقدم من خلال عدسة التصميم المغربي روحه المميزة ولمسة المعاصرة، ليعكس حيوية القارة ونبضها المتجدد، في تزامن مع الزخم الكبير الذي يواكب استعدادات المملكة لاحتضان بطولة كأس الأمم الإفريقية المقبلة.

وقالت كنزة بنصالح، عضوة مجلس إدارة مجموعة هولماركوم، إن “معرض افريكان يُجسّد ارتباطنا العميق بإفريقيا المتعددة الآفاق الطموحة، ويُظهر كيف يستمد التصميم المغربي قوته الإبداعية من جذوره الإفريقية ليفتح بذلك آفاقاً جديدة للابتكار. ومن خلال دعمنا لهذا الحدث، نؤكد التزامنا الراسخ بمساندة المبدعين، وتثمين مواهبهم، والهام مستقبل الإبداع”.

وأوضح البيان، أن المعرض يجمع المصممين الشباب حول طاقة واحدة تعبر عن إفريقيا المتعددة، الحية والمتطلعة نحو المستقبل.

وتابع أن هذا الثلاثي يجمع شغفا متجذّرا ينبع من الطاقة الإفريقية المتجددة التي تتطلع نحو المستقبل، حيث يقدم المصممون من خلال أعمال تتنوع بين قطع الأثاث، والمجسمات الفنية، واللوحات الجدارية، رؤية مغربية معاصرة في سينوغرافيا موقعة من طرف المصمم ياسين حميشان، تأخذ الزائر في رحلة حسية تناغم بين المواد والأشكال والحكايات.
وكل مبدع في المعرض يقدم عالمه الخاص، دون أن يفقد انسجامه مع الآخرين، ليخلقوا معا سيمفونية بصرية متكاملة.

و في أعمال كميل حاجي تتجلى التوترات الخصبة بين المادة والهندسة، فيما تحوّل حورية أفوفو الذاكرة الحرفية إلى سرد بصري ينبض بالثقافة الشعبية، وتأسرك ماريا بلخو وهي تنقل الرسم من الورق إلى الفضاء، ليصبح حاضنًا للحركة والتحول.
وتتشابك هذه الإبداعات في حكاية مشتركة متجذرة بالمعرفة المغربية، لكنها في الوقت نفسه منفتحة على نبض إفريقيا المعاصرة، لتدعونا هذه الرحلة إلى التأمل في الروابط والاختلافات، ورؤية القارة كمختبر للإبداع يعيد ابتكار الأشكال والاستخدامات.

وكميل حاجي هو مهندس معماري، مصمم، وباحث، تخرَّج من المدرسة الفيدرالية للفنون التطبيقية في لوزان، ويجمع مسيرة مهنية تجمع بين التصميم المعاصر، والهندسة المعمارية، والتأمل الاجتماعي، بخبرات واسعة اكتسبها في مراكز إبداعية دولية مثل لوزان، وميلانو، وزيوريخ، ونيويورك.

قراءة متجددة للتصميم الإفريقي، بوصفه رواقا حيوياً للحوار بين التقاليد والحداثة، والذاكرة والتطلع، والهوية والعالمية

وأطلق حاجي سنة 2023 منصة”فن بروجكت” ، المخصصة لابتكار الأثاث والأشياء اليومية، والتي تتمركز عند تقاطع الحرفية المغربية العريقة والتصميم الحديث، وتستكشف ممارسته الفنية مفهوم التهجين بين المواد والإيماءات، مقدماً أشكالاً تتميز بالرصانة والانفتاح، وتولي اهتماماً خاصاً لعمق الأصداء الثقافية.
وفي معرض افريكان، يمزج حاجي بين الزليج والخشب ليبدع قطعا تتساءل عن الكيفية التي يمكن أن يحمل نقش أو تركيب أو ملمس حكاية مشتركة.
وفي هذا السياق، يقول حاجي”تستكشف هذه المجموعة كيف يمكن للزليج والخشب والمعادن أن تُنشئ حواراً يتجاوز نطاق رموزها التقليدية، لتكشف عن التبادلات والتوترات الخصيبة التي تُشكّل إفريقيا المعاصرة.” وأضاف “سعيت إلى التعبير عن هذا الموروث المغربي بشكل سلس ورمزي، حيث يتحاور كل نقش مع الأشكال والسرديات الإفريقية”.

أما  حورية أفوفو التي وُلدت في الدار البيضاء وتنحدر من منطقة دكالة، فقد نشأت بين أيادي الفخار والنسيج، ابنة لصانع فخار وأم نساجة. هذا المحيط مكّنها من التشبّع بروح الحرف اليدوية منذ نعومة أظفارها، كما أكسبتها نشأتها بين المغرب وفرنسا القدرة على بناء عالم فني تلتقي فيه الذاكرة بالمادة في نسيج واحد.
حققت أفوفو إنجازات لافتة، من أبرزها عملها على فندق فلاح في مراكش، وهي اليوم تعمل على تطوير أسلوب فني فريد أطلقت عليه اسم “بوب بيربر”، والذي يمثّل تحالفاً خلاقاً بين عمق التراث المغربي والفنون الزخرفية الحديثة. كما تُكرّم من خلال علامتها التجارية “المعلم”، الحرفيين الذين يواصلون نقل المعرفة الحية للأجيال.
وتقدم أفوفو في المعرض مجموعة من القطع التي تُعيد النظر في أشكال الحياة اليومية، لتحويلها إلى نواقل للهوية والمعرفة. وقالت”مجموعتي تدعو إلى رحلة بين الجذور العميقة للمغرب والذاكرة النابضة بالحياة لأفريقيا، مقدمةً لغة التصميم المعاصر التي تتجاوز كل الحدود وتتخطاها.”

بدورها، تخرجت ماريا بلخو من المعهد الوطني للفنون الجميلة في تطوان، تخصص الفنون التطبيقية، وطورت لغة بصرية فريدة تتجاوز حدود الورق؛ حيث يغادر الرسم التوضيحي السطح لينتقل إلى المادة، متكيفاً مع الأبعاد المختلفة، ومزيناً المزهريات والأثاث والجدران، ليتحول كل عمل إلى دعامة سردية آسرة.
تُشيد مجموعتها بعنوان “تحت أحلام الباوباب” بالنساء الأفريقيات والمغربيات، اللواتي تعتبرهن حارسات للقصص والذاكرة. هنا، يصبح شجر الباوباب رمزاً مشتركاً يعبّر عن الجذور الراسخة وقيمة المشاركة. ومن خلال توظيف الأشكال الهندسية والأنماط المعاصرة، تقدم بلخو تصميماً أنثوياً متجذراً في الثقافة ومرتكزاً على استشراف المستقبل.
وتقول بلخو”أستلهم من رمزية الباوباب العميقة لأحوّل إبداعاتي إلى وسائط حية للتعبير، حيث تتحاور الرسوم مع الأثاث وأغراض الحياة اليومية، ساعيةً إلى صون إرثنا وإدماجه بفاعلية في الحاضر.”

ويقدم رواق غاليري اتش من خلال معرض افريكان قراءة متجددة للتصميم الإفريقي، بوصفه رواقا حيوياً للحوار بين التقاليد والحداثة، والذاكرة والتطلع، والهوية والعالمية. وسيتم على هامش المعرض، نظيم لقاءات وورشات تهدف إلى إثراء الحوار حول التصميم الإفريقي المعاصر وتعزيز التبادل الإبداعي بين المغرب وباقي بلدان القارة.