رجل صناعة تكنوقراط رئيسا للحكومة الجزائرية دلالة على الأولويات القادمة
ينظر إلى تعيين وزير الصناعة سيفي غريب على رأس الحكومة الجزائرية رغم أنه مؤقت، على أنه تركيز من السلطة على الملفات الاقتصادية والتنموية، في ظل ضغط سياسي يتطلب وجود شخص كفء مقرب من الرئيس عبدالمجيد تبون ويقود الحكومة برؤية تقنية.
الجزائر - أصدر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون مرسومًا يقضي بإعفاء نذير العرباوي من منصب رئيس الحكومة وتعيين سيفي غريب، وزير الصناعة منذ نوفمبر 2024، رئيس حكومة بالنيابة، في خطوة تمهد لتغيير حكومي واسع وتركيز على النهوض بالقطاع الاقتصادي الذي من شأنه أن يرسخ الاستقرار السياسي.
ولم تُصدر الرئاسة توضيحات رسمية حول دوافع هذا التغيير أو مدّة الولاية الانتقالية، لكن يُنظر إلى غريب كـ”تكنوقراطي” موال للرئيس، ومعروف بكفاءته الفنية والتقنية، وليس له جذور سياسية بارزة، ما يصبّ في صالح الاستقرار وسلاسة الانتقال.
وتعيين وزير الصناعة يشير إلى تركيز أعلى هرم السلطة على الملفات الاقتصادية والتنموية، وربما يأتي ضمن خطة لإعادة توجيه الأولويات الحكومية نحو التنمية الصناعية وتقليل الاعتماد على الموارد التقليدية.
ويأتي التعيين في سياق استحقاق مؤقت وضغط سياسي يتطلب وجود شخص كفء يقود الحكومة برؤية تقنية دون تحريف السياسات الأساسية. وبالنظر إلى المؤهلات العلمية والمهنية لغريب، فإنها تصنفه كرجل صناعة من الطراز الأول، فهو وزير الصناعة الحالي الذي التحق بالحكومة للمرة الأولى في التعديل الوزاري خلال نوفمبر 2024.
كون غريب تكنوقراطيا غير محسوب على تيار سياسي قد يسهّل محادثات الجزائر مع أوروبا في مشاريع الطاقة
لكن تعيينه آنذاك كان كوزير للصناعة والإنتاج الصيدلاني، قبل أن يتم فصل الإنتاج الصيدلاني في وزارة مستقلة عام 2025، ليصبح الرجل وزيرا للصناعة فقط.
وحتى قبل التحاقه بالوزارة قضى غريب الجزء الأكبر من مساره المهني في قطاع الصناعة، وذلك بحكم تخصصه العلمي، فهو حاصل على شهادة دكتوراه في الكيمياء الفيزيائية للمواد، من جامعة باجي مختار بعنابة (شرق).
وتولى غريب، قبل تعيينه وزيرا في الحكومة، عدة مناصب في القطاع الصناعي، أبرزها رئيس مجلس إدارة الشركة الجزائرية – القطرية للصلب (حكومية).
وفي الفترة ذاتها تقريبا (بين 2023 و2024) شغل منصب رئيس مدير عام المؤسسة الوطنية للاسترجاع، المتخصصة في استرجاع النفايات الحديدية، وهي فرع لمجمع “إيميتال” المملوك للدولة، والذي يعد من أكبر المجمعات الصناعية في البلاد.
كما تولى غريب منصب مدير عام الجامعة الصناعية التابعة لوزارة الصناعة ورئيس مجلس إدارتها حتى تم تعيينه وزيرا.
وشغل منصب مدير البحوث في مركز الدراسات والخدمات التقنية لصناعة مواد البناء، التابع للمجمع الصناعي لإسمنت الجزائر (حكومي)، ومدير عام مركز التكوين لصناعة الإسمنت، التابع للمجمع الصناعي ذاته.
وبفضل تكوينه المتخصص في مجال الكيمياء الفيزيائية للمواد، كانت لغريب إنجازات فخرية ونوعية في القطاع، منها الإشراف على إنجاز مشروع أول بئر نفط باستعمال إسمنت محلي الصنع.
وأشرف رئيس الوزراء الجديد قبل انضمامه إلى الحكومة أيضا على إنتاج أول محرك بحري جزائري بالتعاون مع مجمع الخدمات المينائية “سربورت” (حكومي).
كما أشرف على إطلاق المراكز التكنولوجية لصناعة الحديد والصناعة الصيدلانية والصناعة الميكانيكية وبعض الصناعات الأخرى.
وضمن إنجازاته العلمية حصل سيفي غريب على المرتبة الثالثة للجائزة الوطنية للابتكار عام 2021، وهي من أرفع الجوائز العلمية في البلاد.
وأشار متابعون إلى وجود أبعاد اقتصادية مهمة وراء تعيين غريب بالتركيز على الصناعة والتصنيع المحلي، فالجزائر تحاول منذ سنوات تنويع اقتصادها وتقليل الاعتماد على النفط والغاز. واختيار وزير الصناعة له دلالة واضحة على أنّ الأولوية في المرحلة المقبلة هي دفع عجلة التصنيع وتطوير الاستثمار المحلي والأجنبي وتشجيع بدائل الطاقة والمعادن.
كما أن غريب معروف بدوره في ملفات الحديد والصلب والإسمنت، ما يعكس رغبة تبون في قيادة حكومة قادرة على إحياء المشاريع الصناعية الكبرى التي تعطّلت بسبب الأزمات الاقتصادية.
ولكونه تكنوقراطياً غير محسوب على تيار سياسي قد يسهّل محادثات الجزائر مع الشركاء الأوروبيين والآسيويين في مشاريع الطاقة المتجددة والصناعة التحويلية.
ومن الناحية السياسية يبدو أن هذا التعيين المؤقت (بالنيابة) يرمي إلى ضبط الإيقاع الحكومي دون إحداث زلزال سياسي قبل الاستحقاقات المقبلة، ويضاف إلى ذلك أن تعيين شخصية تقنية يعطي صورة أن السلطة تمسك بزمام الأمور وتفضّل الكفاءات على الحسابات السياسية الضيقة.
ضمن إنجازاته العلمية حصل سيفي غريب على المرتبة الثالثة للجائزة الوطنية للابتكار عام 2021، وهي من أرفع الجوائز العلمية في البلاد
ويعكس التغيير المفاجئ في رئاسة الحكومة أن الرئيس تبون ما زال يمارس سلطة مطلقة على الجهاز التنفيذي، مع التأكيد على أنّ التكنوقراط هم الأداة الأقرب لتنفيذ رؤيته.
ويعتبر هذا الاختيار المؤقت اختبارا لغريب الذي إذا نجح في تسيير الملفات الاقتصادية المعقدة وأظهر انسجاماً مع الرئيس، قد يبقى لمدة طويلة، وربما تكون النية الحقيقية هي مجرد ملء الفراغ إلى حين اختيار رئيس حكومة سياسي أقوى مع اقتراب انتخابات 2026.
ويرى متابعون أن اختيار وزير الصناعة بالذات ليس صدفة، بل هو إشارة إلى أن الاقتصاد والصناعة هما الورقة الأهم حالياً في أجندة تبون، مع محاولة الحفاظ على استقرار سياسي وإبعاد أي شخصية مثيرة للجدل.
وربطت بعض التقارير بين إعفاء العرباوي وواقعة حادث مرور خطير في الحراش، ما قد يكون أثّر على الأداء الحكومي، وسلط هذا الحادث الضوء على ضرورة تغيير المسؤولين.
وكانت حافلة نقل عام قد انحرفت فوق جسر يمرّ فوق نهر وادي الحراش قبل أن تسقط في المجرى المائي في 15 أغسطس الجاري ما أدى إلى مقتل 18 شخصاً وإصابة 23 آخرين من بينهم حالتان حرجتان.
وجاء رد الفعل الرسمي سريعاً، بإعلان الحداد الوطني مع تنكيس الرايات ليوم واحد ابتداءً من مساء الجمعة، بقرار من رئاسة الجمهورية التي وصفت الحادث بالكارثة، مؤكدة وقوف الدولة إلى جانب أسر الضحايا.
وأثار الحادث موجة من الانتقادات، إذ رأى الجزائريون أنه “ليس حادثا عرضيا” وإنما هو “نتيجة مباشرة لسنوات من التسيّب وغياب الرقابة والفساد الحكومي.”