ذكرى عدنان مندريس رمز ضحايا الانقلابات تعود على تركيا في أجواء ملبدة بغيوم الإقصاء السياسي

تركيا تحيي الذكرى السنوية لإعدام عدنان مندريس رئيس الوزراء في عقد الخمسينات من القرن الماضي.
الأربعاء 2025/09/17
السياسي الجيد هو السياسي الميت

أنقرة - كدأبها منذ سنوات، أحيت تركيا بحرارة الذكرى السنوية لإعدام عدنان مندريس رئيس الوزراء في عقد الخمسينات من القرن الماضي.

واكتست الذكرى أهمية خاصة في فترة حكم الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان وحزبه حزب العدالة والتنمية الذي يدين ببقائه في السلطة بعد سنة 2016 لفشل الانقلاب الذي حاولت جهات في الجيش القيام به ضدّه.

ويحتاج أردوغان باستمرار إلى استدعاء ذكرى مندريس باعتباره رمزا لضحايا الانقلابات العسكرية التي كانت متواترة في تركيا، وذلك للتذكير بنجاحه في إبعاد الجيش عن السلطة والنأي بالبلد عن حالة عدم الاستقرار السياسي التي كانت القوات المسلحة سببا فيها.

لكنّ ما يعكّر صفو إحياء ذكرى مندريس هذه السنة هو الأجواء السياسية الملبّدة بفعل الصراع الذي أطلقه أردوغان نفسه ضدّ المعارضة الرئيسية ممثلة بحزب الشعب الجمهوري والتي تسود حالة من شبه الإجماع في الشارع وداخل الأوساط السياسية على توصيفها باعتبارها عملية إقصاء لخصوم سياسيين وازنين أظهروا قدرة كبيرة على منافسة زعامات حزب العدالة والتنمية على السلطة، وذلك باستخدام مؤسسات الدولة وعلى رأسها مؤسسة القضاء للإطاحة بهؤلاء الخصوم دون الحاجة إلى ما كان يلجأ إليه الجيش من استخدام للقوة للاستيلاء على السلطة وانتزاعها من أيدي المدنيين.

حاجة أردوغان لاستدعاء ذكرى مندريس للتذكير بكونه كان على وشك أن يكون مثله ضحية انقلاب عسكري لولا نجاحه في إفشاله

وفي السابع والعشرين من مايو 1960 شهدت تركيا انقلابا عسكريا على حكومة عدنان مندريس نفذه جنرالات وضباط وضعوا أياديهم على السلطة في البلاد آنذاك وقاموا بإعدام الرجل في السابع عشر من سبتمبر 1961 بعد يوم على إعدام رفاقه.

وترحّم أردوغان، الأربعاء، على أرواح مندريس ورفاقه في الذكرى السنوية الرابعة والستين لإعدامهم. وكتب في منشور على منصة “إن سوشيال” التركية “أتذكر بالرحمة والاحترام رئيس الوزراء عدنان مندريس ووزيري الخارجية فطين رشدي زورلو، والمالية حسن بولاتكان، الذين حكم عليهم ظلما بالإعدام من قبل محكمة المجلس العسكري في أعقاب انقلاب 27 مايو المخزي الذي داس على الديمقراطية والقانون والعدالة”.

ومنتصف يوليو 2016 كان أردوغان نفسه على وشك الإطاحة به من السلطة عندما قامت مجموعة من الضباط الموالين للداعية فتح الله غولن بمحاولة انقلابية، لكن الشارع مدعوما بقسم من القوات المسلحة تصدّى للمحاولة الانتقلابية وأفشلها، لتجري بعدها عملية ملاحقة واسعة النطاق لمن يتهمون بكونهم أتباعا للداعية المذكور وإزاحتهم من وظائفهم على اختلاف مستوياتها في جميع أجهزة الدولة.

ومثل فشل ذلك الانقلاب نهاية لزمن الانقلابات في تركيا، لكنّه في المقابل رسخّ أقدام أردوغان في السلطة التي لا يبدو أنّه مستعد للتخلي عنها بسهولة، وحتى بالطرق الدستورية إذ تروج توقّعات كبيرة بشأن سعي الرجل لتعديل دستور البلاد حتى يتمكن من الترشح لولاية رئاسية جديدة في انتخابات 2028 لا يسمح بها الدستور في شكله الحالي.

وبدا أردوغان في سعيه للحصول على ولاية رئاسية جديدة بحاجة إلى تحييد المعارضة التي استعادت توازنها بعد سنوات طويلة من هيمنة حزب العدالة والتنمية على السلطة، مستفيدة من ترهل تجربة هذا الحزب المستمرة في الحكم منذ أكثر من عقدين ووقوعها في عدد من الأخطاء الماسة بالحريات العامة وحتى باقتصاديات البلد.

وانصبت جهود السلطة في الوقت الحالي على استبعاد الزعامة الوازنة لحزب الشعب الجمهوري بعد أن وجهت إنذارا سياسيا شديد اللهجة لأروغان وحزبه بفوزها عليه في الانتخابات البلدية الماضية التي تمكن فيها الحزب ذو التوجه الديمقراطي الاجتماعي من الفوز برئاسة بلدية إسطنبول التي كانت تعد معقلا لحزب العدالة والتنمية ولا تزال السيطرة عليها عبر صناديق الاقتراع مؤشرا قويا على من سيحكم البلاد مستقبلا.

تسود تركيا خلال الفترة الحالية حالة من الترقب المشوب بالحذر والقلق لقرار قضائي مفصلي تخشى شرائح من الأتراك ودوائر سياسية أن يكون له أثر في إثارة موجة غضب في الشارع كون القرار المتعلّق بالمعارضة الرئيسية في البلاد لا يمكن، بحسب العديد من الأوساط السياسية والإعلامية والحقوقية المحلية والأجنبية، فصله عن دوافع وخلفيات سياسية وإن كان سيتم تحت مظلة القضاء.

وأرجأت محكمة في أنقرة الاثنين الماضي إلى الرابع والعشرين من شهر أكتوبر القادم إصدار قرارها بشأن احتمال حل قيادة حزب الشعب الجمهوري بتهمة تزوير الانتخابات الحزبية، ما يُعطي فرصة للحزب الذي يواجه تحقيقات وتوقيفات، لالتقاط أنفاسه.

تركيا تسودها حالة من الترقب المشوب بالحذر والقلق لقرار قضائي مفصلي تخشى شرائح من الأتراك ودوائر سياسية أن يكون له أثر في إثارة موجة غضب في الشارع

واحتجزت السلطات على مدى الأشهر الأخيرة المئات من أعضاء الحزب الذين ينتظرون محاكمتهم وذلك بعد تحقيقات موسّعة في اتهامات بالفساد وصلات بالإرهاب. ومن بين هؤلاء المنافس السياسي الرئيسي لأردوغان ورئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو.

وزادت الحملة غير المسبوقة التي أتت على صفوف قيادة الحزب، المخاوف بشأن ما يصفه معارضون بانزلاق تركيا نحو الاستبداد، إذ صارت المحاكم ووسائل الإعلام والجيش والبنك المركزي وغيرها من المؤسسات التي كانت أكثر استقلالا في السابق، أكثر تناغما مع توجهات السلطة واستجابة لإرادة أردوغان على مدى حكمه المستمر منذ 22 عاما.

وتشير استطلاعات الرأي إلى أن حزب الشعب الجمهوري المنتمي إلى تيار الوسط، والذي ينفي التهم الموجهة إليه، منافس قوي لحزب العدالة والتنمية المحافظ ذي الجذور الإسلامية بزعامة أردوغان، وسطع نجم زعيمه أوزغور أوزيل بعد اعتقال إمام أوغلو.

فبعد تصدره العشرات من المظاهرات المناهضة لأردوغان هذا العام، صار أوزيل أكبر منافس للرئيس، لكن مستقبله السياسي سيكون على المحك حين تبت المحكمة في إلغاء نتائج مؤتمر الحزب في 2023 بسبب مخالفات إجرائية مزعومة. وفي حال حدوث ذلك، وهو ما يتوقعه أغلب المحللين، سيتم تجريد أوزيل من رئاسة الحزب التي فاز بها في المؤتمر.

ويمكن للمحكمة بعد ذلك تعيين أمين لإدارة الحزب أو إعادة الرئيس السابق كمال كليتشدار أوغلو الذي هزمه أردوغان في انتخابات 2023.

وقال بيرك إيسن، المحلل السياسي في جامعة سابانكي، “إذا وقع انقلاب قضائي كهذا ضد المعارضة الرئيسية، فسيكون ذلك انهيارا للنظام التعددي الحزبي في تركيا”.