دور إيران البند المفقود في خطة ترامب للسلام في غزة
إدارة ترامب لا تظهر إلى حد الآن أي توجه بشأن موقفها من إيران، دعم مسار للسلام ضمن مقاربة شرق أوسطية أوسع، أم مواجهة ستحتاج واشنطن فيها إلى ربط ردعها العسكري بإطار دبلوماسي موثوق يضع قيودا على البرنامج النووي الإيراني.
لندن - يشكل تنفيذ المرحلة الأولى من خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المكونة من عشرين نقطة، خطوة أولى مهمة لإنهاء حرب غزة. وقد كان لتركيز جهوده السياسية على هذه الأزمة دور حاسم، لاسيما في تأمين اتفاق بشأن إطلاق سراح الأسرى والمحتجزين، وفي دفع الطرفين إلى اتخاذ الخطوات الأولى نحو وقف إطلاق النار.
لكن هذه الخطوة ليست سوى البداية، حيث لا تزال هناك قضايا حرجة عالقة، مثل إدارة قطاع غزة، ومسألة نزع سلاح حماس، ثم الطريق إلى إقامة الدولة الفلسطينية. وهذه القضايا ستحدد مدى إمكانية استدامة التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين على المدى الطويل.
وترى سانام فاكيل مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني (تشاتام هاوس) أنه لتحقيق نجاح أكثر استدامة في قطاع غزة، يتعين على إدارة ترامب توسيع نطاق تحركها الدبلوماسي، ولا تقصر جهودها على المسار الإسرائيلي الفلسطيني فقط.
ليس معروفا إن كان ترامب ينوي التصعيد مع إيران، أم سيبحث عن سلام على مقاسه يضيفه إلى سجله في مسار إطفاء نار الحروب
فالمواجهة مع إيران، التي تهمشت قليلا منذ الحرب الإسرائيلية – الإيرانية التي استمرت 12 يوما في يونيو الماضي، تلقي بظلالها الكثيفة الآن على أيّ جهد لتحقيق سلام إقليمي أوسع.
ولا يعرف إن كان ترامب ينوي التصعيد مع إيران بعد التهدئة في غزة، أم أنه سيبحث عن سلام على مقاسه يضيفه إلى سجله في مسار إطفاء نار الحروب، وهو ما ترجحه تصريحاته المتتالية عن السلام مع طهران.
وقد أدى قرار فرنسا وألمانيا وبريطانيا إعادة فرض العقوبات الدولية على إيران في نهاية سبتمبر إلى تعميق عزلة طهران. وإذا استمرت واشنطن في تجاهل هذه القضية، ستتضاءل فرص ترسيخ سلام دائم.
وقد أقر الرئيس ترامب بهذا الواقع، حيث قال في الأسبوع الماضي “كانت (إيران) ستمتلك سلاحا نوويا في غضون شهر. والآن يمكنها بدء العملية من جديد، لكنني آمل ألا تفعل لأننا سنضطر إلى التعامل مع ذلك أيضا إذا فعلت ذلك.” إذن فالرسالة واضحة: إن طموحات إيران النووية غير المؤكدة ومواجهتها مع الولايات المتحدة تظل تخيم على الاستقرار الإقليمي الأوسع نطاقا.
من ناحيتها تجد إيران نفسها محاصرة إستراتيجيا، مع هامش محدود للغاية للمناورة. وقد ألحقت الولايات المتحدة وإسرائيل أضرارا جسيمة ببرنامجها النووي خلال حرب يونيو. وأعادت أوروبا فرض العقوبات عليها، ما أدى إلى تجميد أصولها، وحظر تصدير الأسلحة إليها، وحظر شراء منتجاتها من الطاقة.
والاقتصاد الإيراني يعاني بالفعل من ضغوط شديدة جراء العقوبات الأميركية التي أعيد فرضها في عام 2019 بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني. ولا تزال العملة الإيرانية ضعيفة، والتضخم في ارتفاع حاد، وصادرات النفط مقيدة، والاستثمار الأجنبي غائب.
وترى سانام فاكيل المتخصصة في شؤون إيران ومنطقة الخليج أن النظام الإيراني لا يملك سوى خيارات قليلة قابلة للتطبيق لوقف تدهور الوضع على المدى القصير. وفي الوقت نفسه، تمزقت شبكة حلفاء إيران الإقليمية، وأصبح موقفها أضعف من أيّ وقت مضى. وقد تهاوى ما يسمى بـ”محور المقاومة” الذي أقامته على مدى عقود تحت وطأة الهجوم العسكري الإسرائيلي المتواصل منذ نشوب حرب غزة في 7 أكتوبر 2023.
وخلال حلقة نقاشية في معهد تشاتام هاوس يوم 14 أكتوبر استعرض البروفيسور فالي نصر كيفية تقييم إيران لنهجها الإقليمي في أعقاب حرب يونيو، حيث تعرضت حماس لضربات قوية في حرب غزة، وتكبد حزب الله في لبنان خسائر فادحة في قيادته، ويواجه ضغوطا محلية ودولية متزايدة لنزع سلاحه.
أما الميليشيات العراقية – التي كانت تعمل سابقا كوكلاء لطهران – فهي الآن تحت الرقابة المحلية، حيث يحرص قادة العراق على تجنب الانجرار إلى صراع إقليمي قبل انتخابات البرلمان المقررة في نوفمبر المقبل. كما تمت الإطاحة بنظام حكم الرئيس السوري السابق الموالي لإيران بشار الأسد لتحل محله حكومة أحمد الشرع الجديدة الهشة.
في الوقت نفسه لا يزال الحوثيون في اليمن هم فقط من يواصلون شن ضربات محدودة بطائرات مسيرة ضد إسرائيل. لكن قدراتهم محدودة، ومن المتوقع استئناف الضربات الإسرائيلية ضدهم، وآخر نتائجها الإعلان عن مقتل رئيس أركان قواتهم محمد عبدالكريم الغماري في غارة إسرائيلية في أغسطس الماضي.
ومن المفترض أن تتيح هذه التحولات الإقليمية للولايات المتحدة فرصة سانحة للتعامل الإيجابي مع الملف الإيراني، لكن إدارة ترامب تركز حتى الآن على العمل العسكري الذي شنته مع إسرائيل ضد البرنامج النووي الإيراني في يونيو الماضي، والخيار الافتراضي المتمثل في استمرار فرض عقوبات الضغط الأقصى.
ولم تحدد إدارة ترامب حتى الآن مسارا دبلوماسيا واضحا للتعامل مع وضع إيران في النظام الإقليمي. في المقابل تؤكد دروس التاريخ أنه دون مبادرة دبلوماسية واضحة للتعامل مع هذه القضية، ستعود طهران في أغلب الأحيان إلى دورها كمثير للاضطرابات. وقد تسعى إلى إعادة بناء برنامجها النووي، وتكوين جماعات حليفة جديدة، وإعادة تعزيز تحالفاتها طويلة الأمد. كما تسعى طهران بالفعل إلى إعادة بناء قدرتها على الردع وتعزيز دفاعاتها الجوية استعدادا لأيّ مواجهة جديدة مع إسرائيل.

في الوقت نفسه زاد النهج الأوروبي من إرباك المشهد الدبلوماسي. ففي حين كان قرار الدول الأوروبية الثلاث إعادة فرض العقوبات على إيران يستهدف الضغط عليها، جاءت النتائج عكسية، إذ عمّق انعدام الثقة بين طهران والعواصم الأوروبية، وترك الدول الأوروبية الثلاث دون إستراتيجية واضحة بشأن إيران.
ومع تطبيق آلية “إعادة فرض العقوبات” ظهر أنها تفتقر إلى أي خطة متماسكة لإعادة إشراك إيران في الحوار النووي أو التوسط بين واشنطن وطهران. كما أن الانقسامات الداخلية تضعف مواقف أوروبا أكثر فأكثر. ودون قيادة الولايات المتحدة، تخاطر سياسة العقوبات الأوروبية بالانجراف إلى عدم الجدوى.
لكن النقاش الأميركي حول إيران مازال رهينة للانقسام والتسييس. ولا تزال إدارة ترامب منقسمة بشأن النتيجة التي تسعى إليها بالفعل: هل هي تغيير نظام الحكم الإيراني أو احتواء طموحه النووي، أو إعادة دمج إيران في النظام الإقليمي. وكل نتيجة من هذه النتائج تتطلب أدوات مختلفة تماما، ودون توافق في الآراء، تخاطر واشنطن بإرسال إشارات متضاربة تؤدي إلى استمرار الأزمة.
وستحتاج واشنطن إلى ربط ردعها العسكري بإطار دبلوماسي موثوق يضع قيودا على البرنامج النووي الإيراني، ويتيح المجال لتخفيف الضغط الاقتصادي بشكل كبير في حال امتثال طهران. كما ستحتاج إلى التنسيق الوثيق مع الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، حيث تمتلك هذه الأطراف القدرة على الجمع بين ضغط العقوبات وحوافز التعاون.
وتخلص فاكيل إلى ضرورة أن يكون منع نشوب حرب مباشرة جديدة بين إيران وإسرائيل هدفا محوريا أيضا. فمن شأن تجدد الصراع أن يشعل فتيل عدم الاستقرار الإقليمي ويعرقل التقدم في غزة. لذلك، ينبغي لأيّ عملية دبلوماسية أوسع نطاقا أن تستكشف تفاهما على عدم الاعتداء وعدم التدخل، حيث تتجنب الجهات الفاعلة الإقليمية الأعمال العدائية المباشرة وتمتنع عن استخدام وكلاء يزعزعون الاستقرار. ويمكن أن تشكل هذه الآليات تدابير لبناء الثقة وأساسا لنظام أمني إقليمي طويل الأمد.