خمس مشكلات كبرى في خطة ترامب للسلام في غزة
تشكل خطة السلام الأميركية في غزة خطوة جريئة لإنهاء العنف، لكنها تواجه تحديات كبيرة بسبب غياب الثقة، وتعقيدات التنفيذ، ما يجعل نجاحها مرهونا بتحويل الالتزامات النظرية إلى إجراءات عملية وضمان مشاركة جميع الأطراف.
واشنطن- تقدم خطة السلام في غزة المكوّنة من عشرين نقطة، والتي أعلن عنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، محاولة جريئة لمعالجة القضايا الأساسية التي تعترض طريق تحقيق سلام دائم في غزة، ويبدو أن توقيتها مناسب إلى حد ما، بالنظر إلى التعب العام للطرفين ورغبة غالبية الإسرائيليين والفلسطينيين في إنهاء دائرة العنف والدمار.
ومع ذلك، يظل تحقيق النجاح الفعلي للخطة مرهونا بعدة عوامل، أولها غياب الثقة بين الطرفين، ذلك أن بعض بنود الخطة غامضة إلى درجة تجعل كل طرف عرضة لاتهام الآخر بخرق التعهدات، وهو ما انعكس سابقاً في انهيار الهدنة الأخيرة بعد شهرين فقط، حين حمّل نتنياهو حماس مسؤولية عدم إطلاق سراح المزيد من الرهائن قبل استئناف المفاوضات.
كما أن الخطة تميل بوضوح لصالح إسرائيل، إذ يُطلب من حماس التخلي عن جميع الرهائن والأسلحة دفعة واحدة، ما يتركها بلا قدرة دفاعية، في حين لم تُدعَ للتفاوض على شروط الاتفاق وتواجه خيارا نهائيا: إما القبول بالشروط أو مواجهة إسرائيل المباشرة، ما قد يدفعها إلى رفضها خوفا من المخاطر المتزايدة، رغم عرض العفو عن مقاتليها.
وعلى الجانب الإسرائيلي يتضمن الاتفاق بعض التنازلات النظرية، مثل إمكانية استعادة السلطة الفلسطينية السيطرة على غزة أو مسار محتمل لتقرير المصير الفلسطيني، لكن هذه البنود اصطدمت سابقا برفض نتنياهو، ما يثير الشكوك حول واقعية تنفيذها.
جو أديتونجي: الخطة تمثل خطوة جريئة على الصعيد السياسي، لكنها تظل محدودة الأثر ما لم تتحول الالتزامات النظرية إلى إجراءات عملية
وما يفاقم هذه المخاوف غياب التفاصيل العملية والخطط التنفيذية، بما في ذلك مصير “قوة الاستقرار الدولية” المزمع نشرها بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي، والدول المشاركة فيها، والجدول الزمني لإصلاحات السلطة الفلسطينية، وآليات الانتخابات، وكيفية إشراك سكان غزة، فضلاً عن غموض دور السلطة المدنية التي ستشرف على إعادة الإعمار، وما إذا كانت الجهات المعنية ستمنح الثقة الكاملة لمجلس السلام الذي يرأسه ترامب ويشارك فيه رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير.
وبالإضافة إلى ذلك يظل ملف الضفة الغربية خارج نطاق الخطة، في وقت تشكل فيه المستوطنات والخلافات اليومية نقطة احتكاك دائمة، ما يجعل أي تسوية شاملة دون معالجة هذه القضية عرضة للفشل.
كما أن العائق الداخلي في الحكومة الإسرائيلية، المتمثل في اليمين المتشدّد، يزيد من تعقيد الالتزام بالاتفاق، إذ لم يخف أعضاء الحكومة المتشددون رفضهم لأي تنازل حقيقي عن هدف القضاء على حماس، وما دامت الأيديولوجيا والمقاتلون الأساسيون لحماس باقين، فإن احتمال التعثر يبقى كبيرا.
وبالنظر إلى هذه التحديات يعتمد نجاح الخطة على قدرة الولايات المتحدة على الحفاظ على الضغط على إسرائيل للالتزام، وكذلك على دور الوسطاء الإقليميين مثل قطر ومصر في مراقبة التزام حماس بالشروط.
وفي ظل توقعات نتنياهو بأن هناك مخارج تمكنه من التراجع إذا لم تلتزم حماس، وتاريخ الانسحاب من الهدن السابقة، يبدو أن الخطة محفوفة بالمخاطر، على الرغم من الضمانات الأميركية التي قد تُقنع إسرائيل بمواصلة الالتزام في المدى القصير.
وترى الباحثة جو أديتونجي في تقرير نشره موقع “ذو كونفرسيشن” أن الخطة تمثل خطوة جريئة على الصعيد السياسي، لكنها تظل محدودة الأثر ما لم تتحول الالتزامات النظرية إلى إجراءات عملية، ويُعالج الخلل في التوازن بين الطرفين، ويُشرك جميع الفاعلين الأساسيين في التنفيذ، مع مراعاة ملفات غزة والضفة الغربية على حد السواء، بحيث تتحول هذه المبادرة من فرصة ظرفية إلى قاعدة لبناء سلام مستدام.
وتشكل التحديات الإقليمية والدولية عاملا محوريا في نجاح أو فشل أي خطة سلام في غزة، إذ أن الاتفاق لا يمكن أن يقتصر على الجوانب الثنائية بين إسرائيل وحماس، بل يتطلب شبكة دعم موسعة على المستويين الإقليمي والدولي.
وتلعب الولايات المتحدة، بصفتها الراعي الرئيسي للخطة، دور الضامن السياسي والعسكري، وقدرتها على ممارسة الضغط على الأطراف المعنية تحدد بشكل كبير مدى الالتزام بالخطة، سواء على الجانب الإسرائيلي أو الفلسطيني.
وفي الوقت نفسه تعتبر الوساطة الإقليمية من دول مثل قطر ومصر ضرورية لمراقبة تنفيذ الاتفاق، وضمان التزام حماس بشروطه، فضلاً عن تقديم الدعم اللوجستي والسياسي لإعادة إعمار غزة.
نجاح الخطة يعتمد على قدرة الولايات المتحدة على الضغط على إسرائيل للالتزام، وعلى دور الوسطاء في مراقبة التزام حماس
وإضافة إلى ذلك يحتاج التنفيذ إلى توافق دولي جزئي يتيح تأمين التمويل المطلوب لإعادة الإعمار والبنية التحتية، بما في ذلك دعم الأمم المتحدة، والمؤسسات الدولية مثل البنك الدولي، والصناديق الإقليمية، لضمان استمرارية المشاريع الاقتصادية والخدمية، وعدم تحولها إلى مشاريع مؤقتة أو عرضة للانهيار بسبب نقص الموارد.
كما يشكل غياب التنسيق الإقليمي والدولي خطرًا حقيقيًا، إذ يمكن أن يؤدي إلى تضارب المصالح بين الأطراف الإقليمية، مثل اختلاف أولويات الدول العربية في دعم السلطة الفلسطينية مقابل دورها في غزة، أو إلى تجاهل بعض اللاعبين الدوليين الذين قد يشكلون معوقات أمام التنفيذ الكامل للخطة.
ويمكن أيضا للصراعات الجيوسياسية الأوسع في الشرق الأوسط، مثل التوترات بين إيران ودول الخليج أو التدخلات العسكرية الأميركية في المنطقة، أن تؤثر بشكل غير مباشر على استقرار خطة السلام، إذ يمكن أن تتحول إلى ذريعة للطرفين لتعليق أو إعادة التفاوض على الشروط، ما يهدد الاستقرار المؤقت الذي تسعى الخطة إلى تحقيقه.
ولذلك لا يقتصر نجاح الخطة على الجدية السياسية للأطراف المباشرة، بل يتوقف بشكل حاسم على قدرة المجتمع الدولي والإقليمي على تقديم الدعم المتكامل، ومراقبة الالتزام، وإدارة المخاطر الإقليمية التي قد تعيق التقدم أو تهدد الاستمرارية.