حيوانات غزة تبحث عن الطعام مع أصحابها بين الأنقاض
غزة (الأراضي المحتلة) - لم تعد أزمة الجوع التي تعصف بقطاع غزة تقتصر على سكانه البالغ عددهم نحوي 2.3 مليون نسمة، بل امتدت إلى الحيوانات الأليفة والضالة، التي تشارك الفلسطينيين معاناتهم في البحث عن الغذاء، وسط حصار إسرائيلي مشدد ونقص حاد في الإمدادات منذ شهور.
عماد الحاج، شاب فلسطيني يبلغ من العمر 27 عاما، يجلس في خيمته غرب مدينة غزة، يتأمل قططه الثلاث وهي تتحرك ببطء شديد وقد بدت عليها علامات الهزال جراء الجوع.
وقال الحاج “هذه السمراء اسمها زمرد،” مشيرا إلى قطة صغيرة هزيلة وهي تترنح في سيرها، قبل أن يرفع بيده قطة أخرى أكثر ضعفا، وأضاف “أحب تربية القطط منذ طفولتي، وكنت اشتري لها طعاما خاصا، وأهتم بها دائما، لكنها الآن مهددة بالموت جوعا.”
وتابع الحاج بصوت يختلط فيه الحزن بالسخرية “اليوم أطحن الخبز الناشف والفاصولياء والفول، وأقدم ذلك كوجبة واحدة فقط في اليوم للقطط. حتى هي باتت تعرف أنه لا طعام أكثر.”
مشاهد القطط والكلاب التي تتجمع حول أماكن توزيع المساعدات أصبحت مألوفة، حيث تنتظر سقوط بقايا الطعام
وأشار إلى أن الظروف القاسية التي مر بها منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر 2023، وخاصة النزوح المتكرر، عاشتها أيضا حيواناته التي يصطحبها معه أينما ذهب.
وشدد بالقول “منذ بدء الحرب قررت بأنه إما أن نصارع ونكافح معا من أجل البقاء أو أن نموت معا في أي غارة إسرائيلية… هذا الشعور ليس سهلا، ولكن قططي بمثابة جزء أساسي من عائلتي.”
وقال “للأسف، إسرائيل لم تترك شيئا في غزة إلا وانتهكت حقوقه؛ هي انتهكت حقوق الإنسان فهل تتصور أنها ستهتم بحقوق الحيوان.”
ويتساءل الحاج “ماذا بشأن العالم الخارجي؟ هل تعتقد أنهم يأبهون لأمرنا نحن البشر؟ أم أنهم قد يهتمون بحقوق الحيوان؟”
وعلى بعد كيلومترات قليلة، وفي مخيم الشاطئ للاجئين غرب غزة، يجلس علي شهاب (38 عاما) بجوار كلبه المريض “لوكي”، وهو من فصيلة كلاب الحراسة.
كان لوكي قبل الحرب يتمتع بنظام غذائي منتظم يشمل اللحوم وطعامًا خاصًا يجلب من الخارج، إضافة إلى تدريبات يومية. ولكن “انظر إليه اليوم، أصبح يحتاج إلى من يحرسه،” قالها شهاب وهو يربت على رأس كلبه.
ويضيف أن الكلب اضطر، منذ أشهر، إلى الاكتفاء بالفاصولياء والفول، ما تسبب له في أمراض بالجهاز الهضمي وفقدان الوزن، حتى أصبح غير قادر على الحركة.
ويعترف شهاب بأنه يخشى فقدان كلبه، لكنه لن يتخلى عنه “لأنه جزء من العائلة.”
ولا يختلف المشهد في الشوارع كثيرا، إذ يمكن بسهولة رؤية كلاب وقطط ضالة هزيلة تبحث وسط القمامة أو بين أنقاض المنازل عن أي بقايا طعام. وغالبا ما تنتهي محاولاتها بلا جدوى، في ظل ندرة الغذاء حتى للبشر.
ويعود جزء كبير من احتدام الأزمة إلى الحصار المشدد الذي فرضته إسرائيل منذ الثاني من مارس الماضي، بعد انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار المؤقت الذي رعته مصر وقطر والأمم المتحدة.
ومع فشل المفاوضات بشأن المرحلة الثانية، أغلقت إسرائيل معظم المعابر أمام دخول البضائع، بما في ذلك الغذاء والأدوية، وسمحت فقط بمرور كميات محدودة لا تكفي لسد الاحتياجات الأساسية.
وقد انعكس هذا النقص الحاد في الغذاء مباشرة على حياة السكان، ودفع الكثير من الأسر إلى تقليص عدد وجباتها اليومية أو الاعتماد على أطعمة أقل جودة وأقل قيمة غذائية، الأمر الذي طال الحيوانات الأليفة أيضا.
واضطرت بعض الأسر إلى التخلي عن حيواناتها في الشوارع، بينما لجأت أخرى إلى مشاركة وجباتها المحدودة مع تلك الحيوانات التي ترفض التخلي عنها.
ويؤكد الطبيب البيطري مهند إسماعيل، الذي يعمل في عيادة مؤقتة داخل أحد المخيمات، أن أغلب الحالات التي يراها مؤخرا تعاني من هزال شديد، وضمور في العضلات، ومشاكل في الجهاز الهضمي بسبب تناول أطعمة غير مناسبة.
وقال إسماعيل إن “نفاد الأدوية البيطرية يجعل علاج هذه الحالات شبه مستحيل،” وحذر من أن استمرار الوضع قد يؤدي إلى نفوق أعداد كبيرة من الحيوانات، ما قد يخلق مشكلة بيئية وصحية إضافية في القطاع، خاصة مع ضعف خدمات جمع النفايات وغياب أنظمة التخلص من الجثث.
وأضاف أن بعض أصحاب الحيوانات يلجأون إلى حلول بديلة، مثل تحضير وجبات منزلية تعتمد على الحبوب والبقوليات، أو جمع بقايا الطعام من الجيران، لكن هذه الحلول لا توفر العناصر الغذائية الكافية للحيوانات، ما يجعلها عرضة للأمراض وفقدان المناعة.
وفي مخيمات النزوح المنتشرة في أنحاء القطاع أصبحت مشاهد القطط والكلاب التي تتجمع حول أماكن توزيع المساعدات مألوفة، حيث يقف بعضها في طوابير غير رسمية، منتظرا سقوط قطعة خبز أو بقايا طعام من يد أحد المتطوعين.
ورغم أن بعض العاملين في الإغاثة يحاولون تخصيص جزء من المساعدات للحيوانات، إلا أن الكميات تبقى محدودة ولا تلبي الحاجة.
ويقول عماد الحاج إنه يفكر أحيانا في ترك قططه لتبحث عن طعامها في الخارج، ولكنه يتراجع خشية ألا تعثر على شيء، أو أن تتعرض للأذى. أما علي شهاب فيؤكد أنه مستعد لتقليل وجباته اليومية من أجل الحفاظ على حياة كلبه، مضيفا “لقد رافقني سنوات طويلة، ولا أستطيع التخلي عنه الآن.”
ورغم قتامة المشهد يتمسك سكان غزة بأمل أن تنفرج الأزمة قريبا، حيث قال الحاج “إذا وصل الطعام إلينا، فسيصل إليهم أيضًا.” وأضاف، وهو ينظر إلى قططه وقد التفّت حوله طلبًا للدفء، أن الحيوانات بالنسبة إليه “رفاق في هذه المعاناة الطويلة.”