حملة مكافحة الفساد المسيسة في تركيا لا تطيح إلا بخصوم أردوغان

حملة مسيسة على الفساد تتجاوز مجرد الرغبة في الإصلاح إلى استبعاد خصوم وإزاحتهم من طريق الرئيس.
الثلاثاء 2025/09/23
إصرار على الصمود رغم ضراوة الحملة

أنقرة- تواصل الحملة واسعة النطاق التي أطلقتها السلطات التركية على الفساد في البلديات الإطاحة بالعشرات من الموظفين والمسؤولين المنتخبين.

وتبدو الحملة على قدر كبير من الإصرار والجدية لولا أنّها تحمل عيبا جوهريا يتمثّل في كونها لا تكاد تستهدف سوى البلديات التي يديرها حزب الشعب الجمهوري الخصم العنيد والمنافس الجدّي للرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه حزب العدالة والتنمية.

ويرسخ هذا المعطى قناعة واسعة لدى الرأي العام التركي بأن الحملة على الفساد مسيسة وتتجاوز بكثير مجرّد الرغبة في الإصلاح إلى استبعاد خصوم وإزاحتهم من طريق الرئيس الذي يقود حزبه البلاد منذ فترة طويلة ويظهر هو طموحا لمواصلة البقاء في المنصب الذي أصبح الأهم على الإطلاق ضمن تراتبية السلطة في البلاد بفعل التعديل الدستوري الذي نجح أردوغان نفسه في تمريره سنة 2017 عبر استفتاء شعبي وتمّ بموجبه تغيير نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي.

ويتوقّع على نطاق واسع أن الرئيس بصدد القيام بترتيبات لتهيئة المجال لتعديل جديد يتمكّن بفعله من الترشح مجدّدا للانتخابات الرئاسية المقررة سنة 2028. وتشمل تلك الترتيبات استبعاد حزب الشعب الجمهوري باعتباره المكون السياسي الأقدر على عرقلة طموحات أردوغان من خلال شعبيته الكبيرة التي أثبت وجودها خلال الانتخابات البلدية.

◄ المواجهة التي فتحتها السلطة التركية مع المعارضة الرئيسية في البلاد أشاعت أجواء سياسية متوترة لا يستبعد متابعون للشأن التركي أن تنتقل أصداؤها إلى الشارع المنقسم

وفي نطاق هذه الحملة الهادفة إلى تحجيم الحزب المعارض واستبعاده من مؤسسات الدولة التي وصل إلى بعضها عبر صناديق الاقتراع، ألقت السلطات التركية الثلاثاء القبض على 13 شخصا، وذلك ضمن تحقيق فساد بشأن حفلات نظمتها بلدية مدينة أنقرة، فيما يعد أحدث إجراء قانوني يستهدف البلديات التي يديرها الحزب المعارض الرئيسي في تركيا.

وجاء في بيان لمكتب الادعاء في أنقرة أنه تم احتجاز المشتبه بهم ومن بينهم موظفون سابقون بالبلدية وملاك لشركات خاصة لتنظيم الفعاليات، على خلفية اتهامهم بإساءة استخدام المنصب العام والتلاعب بالعطاءات.

ويتركز التحقيق على 32 من الحفلات الموسيقية التي أجريت ما بين 2021 و2024، ما أسفر عن وقوع خسائر مالية بقيمة 154.4 مليون ليرة تركية (3.7 مليون دولار)، وفقا لتقارير وزارة الداخلية ومجلس التحقيق في الجرائم المالية ومحكمة الحسابات.

ويشار إلى أن  البلديات التي يقودها حزب الشعب الجمهوري المعارض تواجه سلسلة من تحقيقات الفساد هذا العام، بما في ذلك التحقيق الأبرز بشأن عمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو. ولكونه المنافس الأبرز للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تم اعتقال إمام أوغلو واحتجازه في مارس الماضي، ما أدى إلى اندلاع احتجاجات واسعة النطاق.

وتتسع تضييقات السلطة على حزب الشعب الجمهوري لتشمل استبعاد قيادته الوازنة وتعيين أخرى بدلا منها تكون طيّعة وأقل جماهيرية بحجة أن مؤتمر الحزب الذي صعدت خلاله القيادة الأصلية شابته مخالفات وإخلالات قانونية.

وفي إطار محاولته الالتفاف على تلك التضييقات أعاد الحزب انتخاب أوزغور أوزال زعيما له في مؤتمر استثنائي عقده الأحد في محاولة منه لحماية أوزال وعدد من قياديي الحزب ذوي الوزن الجماهيري، من حكم قضائي من المقرر صدوره الشهر المقبل وقد يأمر بعزل هؤلاء القياديين.

◄ أردوغان يريد تحجيم الحزب المعارض واستبعاده من مؤسسات الدولة التي وصل إلى بعضها عبر صناديق الاقتراع

ومن المقرر أن تصدر محكمة في أنقرة حكما بشأن ما إذا كان سيتم إبطال المؤتمر الذي عقده حزب الشعب الجمهوري سنة 2023 وانتُخب فيه أوزال رئيسا للحزب بسبب اتهامات بحدوث مخالفات، وهي قضية يعتبرها معارضو الحكومة دليلا على انزلاق تركيا نحو الاستبداد في عهد الرئيس أردوغان.

وكان من المتوقع أن يصدر الحكم في وقت سابق من سبتمبر الجاري ولكن تم إرجاؤه حتى 24 أكتوبر القادم.

وتبدو القضية مؤثرة على الوضع العام لتركيا وسمعتها الدولية حيث تحظى بمتابعة حثيثة من قبل الأسواق المالية.

وصعد نجم أوزال منذ اعتقال إمام أوغلو في مارس الماضي باعتباره ثاني أكبر منافس لأردوغان. وهاجم أردوغان، الذي يهيمن حزبه الحاكم على السياسة التركية منذ أكثر من عقدين، حزب الشعب الجمهوري مرارا على خلفية هذه الاتهامات.

وحزب الشعب الجمهوري أكبر قوة معارضة في البرلمان ويسيطر على أكبر المدن التركية بما في ذلك إسطنبول وأنقرة.

وأشاعت المواجهة التي فتحتها السلطة التركية مع المعارضة الرئيسية في البلاد أجواء سياسية متوترة لا يستبعد متابعون للشأن التركي أن تنتقل أصداؤها إلى الشارع المنقسم بحدّة بين أنصار حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان ومعارضيه الذين يجدون في ترهل تجربته في الحكم وعثراته الاقتصادية وتراجع الحريات في عهده وسيلة للتحشيد الشعبي ضدّه أملا في استعادة زخم احتجاجات ميدان تقسيم التي شهدتها البلاد قبل اثنتي عشرة سنة وكانت أكبر حركة احتجاجية شعبية ضد أردوغان وحزبه.