"حمس" تعترض على مرسوم رئاسي رفع التحفظ عن فقرة في اتفاقية "سيداو"
الجزائر – رفضت حركة مجتمع السلم الجزائرية الإسلامية المعارضة والمحسوبة على تيار الاخوان المسلمين، رفع الرئاسة الجزائرية تحفظاتها على المادة 15 فقرة 4 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، مبررة اعتراضها بمخالفة الرئاسة للإجراءات القانونية والدستورية اذ يقتضي أمر كهذا أن يمر أولا على البرلمان للمصادقة عليه.
ويعكس موقف الحركة المعروفة اختصارا باسم "حمس"، معارضتها للمساواة المطلقة بين الجنسين كما وردت في الاتفاقية الدولية (سيداو)، وتمسكها بضرورة أن تكون التشريعات المتعلقة بالمرأة متوافقة مع الشريعة الإسلامية.
وتستند الحركة في موقفها إلى خلفيتها الإسلامية المرجعية، وتعتبر أن المساواة في الحقوق والواجبات يجب أن تراعي الفروق الطبيعية بين الرجل والمرأة، وأن هذه المساواة يجب أن تكون ضمن إطار الأحكام الشرعية.
كما تعتبر أن رفع التحفظ عن هذه المادة قد يؤدي إلى تعديل قانون الأسرة الجزائري، الذي يستند إلى الفقه المالكي، بما يتعارض مع أحكامه، خصوصًا فيما يتعلق بمسائل مثل الميراث والولاية على الأبناء والزواج.
وترى حمس أن رفع التحفظ هو نوع من الخضوع للضغوط الدولية، وأن التشريعات المتعلقة بالأسرة يجب أن تكون نابعة من السياق الوطني والثقافي للمجتمع الجزائري.
ويُنظر إلى هذا الموقف أيضا كتوظيف سياسي للمسألة، حيث تسعى الحركة من خلاله إلى تأكيد حضورها كطرف معارض ومدافع عن الهوية الإسلامية للمجتمع الجزائري، وهو ما يمنحها قوة أمام قاعدتها الشعبية.
ونبهت حركة مجتمع السلم إلى ما أسمته "خطورة الاستدراج المتواصل في التعامل مع المعاهدات الدولية التي لا تنسجم مع الخصوصية الدينية أو الاجتماعية، داعية إلى " ضرورة حماية الهوية الوطنية" و"استقرار الأسرة".
وقالت في بيان موقع من رئيسها عبدالكريم حساني نشر على حساباتها بمنصات التواصل الاجتماعي، إنها تابعت باستغراب شديد ما تضمنه المرسوم الرئاسي الصادر في العدد الأخير من الجريدة الرسمية والذي نص على رفع تحفظ الجزائر عن الفقرة الرابعة من المادة 15 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو" لسنة 1979، وهي الاتفاقية التي صادقت عليها الجزائر سنة 1996، مع وضع تحفظات على بعض المواد لتعارضها مع أحكام الدستورية وقانون الأسرة وأحكام الشريعة الإسلامية.
وتنص هذه الفقرة من المادة المذكورة على "منح الدول الأطراف الرجل والمرأة نفس الحقوق فيما يتعلق بالقانون المتعلق بحركة الأشخاص، وحرية اختيار محل إقامتهم ومحل سكنهم".
ولفت البيان إلى أن رفع التحفظ يقتضي أن يمر عبر نفس الأشكال القانونية، أي موافقة البرلمان ثم إصدار الأمر او إصدار الأمر وعرضه لموافقة البرلمان إذا كانت الظروف تكرس طابع الاستعجال، مما يضع المرسوم الرئاسي في حالة غير منسجمة مع قواعد التشريع الطبيعية، ومخالفة لقاعدة توازي الأشكال في التقنين والتشريع.
وأشارت إلى أن هذه الخطوة تطرح عدة تساؤلات قانونية واجتماعية، تمس في جوهرها مدى انسجام هذا المرسوم الرئاسي مع المنظومة التشريعية الوطنية، وبخاصة الدستور الذي يحمي حق التحفظ على المعاهدات والاتفاقيات الدولية ما تعارضت مع المرجعية الوطنية والدينية والخصوصيات القانونية.
كما أبرزت أن الجزائر، التي تحفظت على بعض مواد اتفاقية "سيداو" سنة 1996، بما تعنيه تلك المرحلة من حالة صعبة ومحاولات حصار عاشتها الدولة ومع ذلك مارست السيادة الكاملة في مواجهة عولمة القوانين الغربية المصادمة للمرجعية الدينية والأخلاقية والمنظومة الاجتماعية الوطنية، مما يدفع للتساؤل عن الدوافع التي أدت إلى رفع التحفظ في ظل الواقع والتشريع والقيم التي لم تتغير.
واستطردت بالقول "فقد تم رفع التحفظ على المادة الخاصة بجنسية الأبناء سنة 2008، واليوم يتم رفع التحفظ عن البند الرابع من المادة 15 من اتفاقية سيداو والتي تتعلق بحرية التنقل واختيار السكن والإقامة دون تمييز بين الرجل والمرأة، وهي ليست مشكلة مطروحة أصلا حتى يتم فتح هذا الباب، بما يهدد استقرار العائلة وتماسك المجتمع، واحترام نظام الأسرة الخاضعة إلى رئيس واحد وهو الزوج".
وأشارت إلى أن دولا كبرى ترفض الانضمام إلى مثل هذه الاتفاقيات. وذكرت "حمس" أن الولايات المتحددة غير منضمة لاتفاقيات "سيداو" وغيرها من المعاهدات، ودول أخرى تحافظ على خصوصياتها الدينية والاجتماعية.
كما حذرت حركة مجتمع السلم، من التداعيات الاجتماعية لهذا الإجراء من الناحية الواقعية والعملية والاجتماعية، والذي قد يستغل في تفكيك أوسع للأسرة ومنه المجتمع، سواء كانت هذه المرأة زوجة أو بنتا، من زوجها أو وليها، وسواء داخل إطار الزواج أو عند المنازعات الأسرية، وهو ما ينعكس انعكاسا خطيرا على قضايا الزواج، الحضانة، الطلاق، النفقة والنشوز وغيرها.
ودعت إلى ضرورة حماية الهوية الوطنية واستقرار الأسرة من منطلق الخصوصية الدينية والثقافية للشعب الجزائري، موضحة أن رفع مثل هذه التحفظات سيلغي فعليا الاحتكام إلى مواد قانون الأسرة، لأن الاتفاقيات الدولية تسمو على القوانين الوطنية بحكم الدستور الجزائري، وهو ما يسهم كذلك في تكريس الانقسام المجتمعي الذي يستهدف الوحدة والتماسك والاستقرار المرتبطين بالأمن الاجتماعي.
وفي المقابل، ثمنت لويزة حنون زعيمة حزب العمال اليساري، في نشاط سياسي محلي، ما جاء في المرسوم الرئاسي الجديد برفع التحفظ عن الفقرة الرابعة من المادة 15 من اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لعام 1979، معربة عن أملها في تحقيق مزيد من التقدم في مجال حماية حقوق المرأة.