حظر النقاشات السياسية والدينية بالمدارس المصرية يثير الجدل

إذا كانت الحكومة حرّمت مناقشة القضايا السياسية والدينية في الجامعات، فلا حاجة إلى أن يصدر قرار بحظرها في المدارس.
الأحد 2025/08/24
قرار "تحصيل حاصل"

القاهرة- تعاملت شريحة من المصريين مع قرار وزير التربية والتعليم والتعليم الفني محمد عبداللطيف بحظر التطرق داخل المدارس إلى أيّ “قضايا خلافية ذات طابع سياسي أو ديني،” على أنه قرار “تحصيل حاصل،” ولا جديد فيه، لأن مناقشة هذه القضايا غير مسموح بها أصلا، وليست في حاجة إلى قرار تربوي أو تعليمي، فغالبية المدارس في مصر نأت منذ سنوات عن كونها مفرّخة لسياسيين صغار، أو ملتقى مفتوحا للحوار حول قضايا دينية شائكة.

تحذيرات من الإفراط في التضييق، إذ يمكن أن يفضي إلى عكس أهداف القرار النبيلة، وتتحول المناقشات العلنية إلى سرية، وتتطرق إلى ملفات مختلفة

وقد يرتد القرار إلى صدر الحكومة نفسها، ويفتح عليها تساؤلات ساخرة، فإذا كانت حرّمت مناقشة القضايا السياسية والدينية في الفضاء العام، ومنعتها أيضا في الجامعات منذ سنوات، فلا حاجة إلى أن يصدر وزير التعليم قرارا بحظرها في المدارس، بشكل يوحي أن هناك نشاطا غير مألوف بها، أو أن هناك تنظيمات تستغل المراهقين لتبث في عقولهم أفكارا معينة، لا تريد الحكومة انتشارها.

في المضمون الظاهر، هدف قرار وزير التعليم الحفاظ على بيئة تعليمية آمنة ومحايدة، تُركز على الجوانب التربوية والعلمية، بعيدًا عن الجدل أو الاستقطاب، بما يضمن استقرار العملية التعليمية وحماية الطلاب من التأثيرات الخارجية.

بينما في الباطن، يكشف عن قلق من احتمال وجود تحركات خفية لقوى معارضة كامنة، ذات توجهات إسلامية، تحاول توظيف حداثة سن طلاب المدارس، لأغراض مشبوهة، تتنافى مع تصورات الدولة الوطنية، التي نجحت في تضييق الفضاء العام خلال السنوات الماضية، ولا تريد في خضم أزمات اقتصادية واحتقانات اجتماعية، تفجير قضايا سياسية ودينية تثير الحساسية، ويصعب حصرها داخل جدران المدارس، ففرص خروجها سوف تكون كبيرة إذا تحرك الشارع المصري بتلقائية تحت وطأة ما يحيط به من مشاكل عميقة، وتحديات دقيقة.

وشددت وزارة التعليم على ضرورة التزام جميع العاملين في الحقل التعليمي بتطبيق القرار داخل المدارس الحكومية والخاصة والدولية، وقالت إن أيّ تجاوزات ستقابل بإجراءات حازمة، في إشارة إلى عدم التهاون، وأن القرار تم اتخاذه بتنسيق مع مؤسسات الدولة، ما يشير إلى وجود خطورة محتملة، حيث تعلمت السلطة في مصر الدروس وتقوم بالتصدي مبكرا وعدم انتظار حدوث كارثة ثم التفكير في مواجهتها.

وبرر الوزير محمد عبداللطيف القرار بنسق أخلاقي جذاب، يكمن في الحرص على تعزيز قيم الانضباط والحياد داخل المؤسسات التعليمية، وأن تظل المدرسة ساحة للعلم وليست منبرًا لنقاشات قد تؤدي إلى انقسام أو توتر بين الطلاب أو أعضاء هيئة التدريس.

pp

وتأتي المشكلة من رحم ما ينطوي عليه القرار نفسه من تناقض بين ما يحمله من مضمون خامل وعاجز وتقليدي، وبين مطالبات الرئيس عبدالفتاح السيسي بإطلاق حرية الإبداع والتفكير وتشجيع الشباب الصغار على التفكير واكتشاف واستقطاب المواهب، وكأن وزير التعليم، وربما الحكومة برمتها، يعمل بشكل منفصل عمّا يريده رئيس الدولة، لأنه كان يمكن وضع ضوابط للمناقشة، وحدود لطبيعة الموضوعات المطروحة، لأن حظرها بالمطلق يثير تساؤلات قانونية تحرج السلطة الحاكمة.

وتقدم عضو مجلس النواب، نائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، فريدي البياضي بسؤال برلماني عاجل إلى وزير التعليم، اعتراضًا على قرار حظر التطرق داخل المدارس إلى أيّ قضايا ذات طابع سياسي أو ديني، مؤكدا أنه يتجاوز كونه إجراء إداريا ضيق الأفق، حيث يشكّل مخالفة صريحة للدستور المصري.

وينص الدستور في مصر على أن التعليم هدفه بناء الشخصية المصرية وترسيخ مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز، وأن تكفل الدولة حرية البحث العلمي وتشجيع مؤسساته، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول والكتابة أو غير ذلك.

مخاوف من احتمال وجود تحركات خفية لقوى معارضة كامنة، ذات توجهات إسلامية، تحاول توظيف حداثة سن طلاب المدارس، لأغراض مشبوهة

وحذر البياضي من تحول المدرسة إلى ساحة للتلقين الجامد، وأن القرار ينطوي على خطورة في تشكيل وعي الطلاب، وزرع الخوف في عقولهم من طرح الأسئلة، مطالبا بتوضيح الأساس الدستوري الذي استند إليه وزير التعليم، وكشف خططه للتعامل مع المناهج التي تتضمن بالفعل قضايا سياسية ودينية وتاريخية.

ويقول مراقبون إن القرار لن يغير كثيرا في الحالة العامة دخل المدارس، وتظل أهميته قاصرة على النطاق الرمزي بالنسبة إلى طلاب المدارس، لكن المقصود منه في الحقيقة المعلمون والمعلمات، الذين يواجهون صعوبات اقتصادية واجتماعية ولا تستطيع وزارة التعليم تخفيفها عنهم سريعا، ما يضطرهم أحيانا إلى “الفضفضة” والنقاش بأريحية مع بعضهم البعض، وقد تؤدي زيادة الحوارات الجانبية لتسربها إلى الشارع، وجذب أولياء أمور بعض الطلاب، ما يشكل حرجا شديدا للحكومة في النهاية.

ويحذر هؤلاء المراقبون من الإفراط في التضييق، إذ يمكن أن يفضي إلى عكس أهداف القرار النبيلة، وتتحول المناقشات العلنية إلى سرية، وتتطرق إلى ملفات مختلفة، وبدلا من حدوث ذلك أمام أعين المسؤولين، سيتم من وراء ظهورهم، ولا يعلمون شيئا عن تفاصيله، وإن علموا سوف يضر بالعملية التعليمية وليس إصلاحها، التي تحتاج إلى رؤية واضحة ومحددة حول آليات تطويرها بما يعود بالنفع العام.

وتجاهل وزير التعليم ثورة الاتصال والتكنولوجيا والتطورات السريعة في مجال الانترنت، بما جعل مناقشة القضايا السياسية والدينية مفتوحة، وبلا ضوابط في أحيان كثيرة، وعلى طريقة الممنوع مرغوب يمكن أن يشكل المراهقون مجموعات دردشة بسهولة لطرح أفكارهم، بقطع النظر عن طبيعتها، ووقتها لن تتمكن وزارة التعليم والحكومة التابعة لها تطبيق معاييرها وضوابطها، وسوف تواجه مأزقا أشد ضراوة، لأنها قد تصطدم بحلقات أكثر صعوبة من المناورة والخداع.

1