حضارة مصر القديمة تبهر الصينيين في شنغهاي

معرض "على قمة الهرم: حضارة مصر القديمة" يحتل مكانة بارزة في اهتمامات الأثريين الصينيين.
السبت 2025/09/20
الآثار المصرية في قلب آسيا

بكين - رغم مرور شهر على اختتام فعالياته، لا يزال معرض “على قمة الهرم: حضارة مصر القديمة” يحتل مكانة بارزة في اهتمامات الأثريين الصينيين، ويشغل ذاكرة عشّاق التراث المصري في الصين، حتى باتت الصحافة المحلية تصفه بـ”الحدث الملحمي”، وفق تقرير نشرته وكالة “شينخوا”.

والمعرض، الذي أقيم في متحف شنغهاي على مدار ثلاثة عشر شهرًا متواصلة، عرض 788 قطعة أثرية مصرية قديمة، 95 في المئة منها تُعرض لأول مرة في القارة الآسيوية، ما جعله حدثًا ثقافيًا استثنائيًا بكل المقاييس.

وقد حقق المعرض أرقامًا قياسية غير مسبوقة، إذ استقطب نحو 2.77 مليون زائر، وسجل أكثر من 30 مليار متابعة وتفاعل عبر الإنترنت، بحسب ما أفاد موقع “شنغهاي أوبزرفر” الرسمي، الذي وصف المعرض بأنه “وليمة ثقافية فريدة” و”حدث ثقافي ملحمي”.

وفي تصريحات صحفية، أوضح تشو شياو بو، مدير متحف شنغهاي، أن المعرض استقبل خلال أيامه الـ340 أكثر من 8000 زائر يوميًا في المتوسط، فيما بلغ عدد الزوار يوم 16 أغسطس وحده 23149 زائرًا خلال 24 ساعة، وهو رقم قياسي في تاريخ المتحف.

المعرض استقطب نحو 2.77 مليون زائر، وسجل أكثر من 30 مليار متابعة وتفاعل عبر الإنترنت، بحسب موقع "شنغهاي أوبزرفر"

وأضاف أن الإقبال الجماهيري لم يتأثر حتى في أيام العطل التقليدية، مثل عيد منتصف الخريف الذي شهد أعاصير ممطرة، حيث حضر أكثر من 4000 زائر في ذلك اليوم. وتشير الإحصاءات إلى أن 70 في المئة من الزوار قدموا من خارج مدينة شنغهاي، وأكثر من 70 في المئة منهم حضروا خصيصًا لمشاهدة المعرض.

وقد انعكس نجاح المعرض على حركة السياحة، إذ أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية عن ارتفاع عدد السياح الصينيين الوافدين إلى مصر بنسبة 65 في المئة خلال فترة المعرض.

وفي محاولة لفهم أسباب هذا النجاح اللافت، خلص المحللون الصينيون إلى ثلاثة عناصر رئيسية، هي القيمة الاستثنائية للقطع الأثرية المصرية. فالمعرض أثبت أن بناء علامة ثقافية قوية يتطلب محتوى غنيًا وذا قيمة. وقد كسر المعرض احتكار الأوساط الأكاديمية الغربية لدراسة المصريات، إذ تم تصميمه وتنظيمه بالكامل من الجانب الصيني، ليقدم الحضارة المصرية القديمة من منظور محلي، ويبرز “التناغم في الاختلاف والجمال في التماثل” بين الحضارتين الصينية والمصرية. كما سلط الضوء على أحدث نتائج التعاون الأثري بين البلدين، بما في ذلك الاكتشافات في منطقة سقارة، ليُوصف بحق بأنه “معرض يستوقف أنظار العالم”.

وثانيا، عمق العلاقات الثقافية بين الشعبين، حيث أشار حسن رجب، عميد كلية الألسن ومدير معهد كونفوشيوس بجامعة قناة السويس، إلى أن الإقبال الكبير من الزوار الصينيين يعكس سحر الثقافة الشرقية المشتركة بين البلدين، مؤكدًا أن الحضارتين الصينية والمصرية ضاربتان في عمق التاريخ. وفي المؤتمر الصحفي الختامي للمعرض، الذي عُقد في 17 أغسطس، قالت هاجر عبدالجواد، أمين متحف الإسكندرية القومي، إن عرض هذه المجموعة الأثرية في متحف شنغهاي لم يربط فقط بين حضارتين عريقتين، بل جسّد أيضًا قيماً مشتركة مثل احترام التاريخ، والسعي للمعرفة، وتقدير الإبداع البشري.

وثالثًا، أساليب الترويج المبتكرة، إذ نجح المعرض في جذب اهتمام الجمهور من خلال فعاليات غير تقليدية، أبرزها “ليلة القطط الغريبة في المتحف،” التي لاقت رواجًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي، وربطت رمز الإلهة المصرية “باستت” بأنماط الحياة المعاصرة بطريقة جذابة. كما قدم المعرض تجربة “العودة إلى مصر القديمة” عبر الواقع الافتراضي، وشاشات عرض محيطية منحت الزوار إحساسًا بالانغماس الكامل، إلى جانب تسجيلات صوتية إرشادية، ما مكّن الزوار من التفاعل مع الحضارة المصرية بأساليب تناسب مختلف الفئات، من العائلات إلى الفرق المدرسية والباحثين.

وعلى الصعيد التجاري، طرح متحف شنغهاي أكثر من 1200 منتج ثقافي وفني خلال المعرض، وحقق مبيعات تجاوزت ثلاثة ملايين قطعة، ما أسهم في تحقيق إيرادات مالية ضخمة.

وفي ختام المعرض، أعربت هاجر عبدالجواد عن امتنانها للحكومة الصينية ومتحف شنغهاي، ووصفت المعرض بأنه “رمز مهم للصداقة والتعاون بين الصين ومصر،” مؤكدة أن نهاية المعرض ليست سوى بداية جديدة لتعاون أعمق في مجالات المعارض، والأبحاث الأكاديمية، والتدريب، والإبداع.

المعرض أثبت أن بناء علامة ثقافية قوية يتطلب محتوى غنيًا وذا قيمة. وقد كسر المعرض احتكار الأوساط الأكاديمية الغربية لدراسة المصريات، إذ تم تصميمه وتنظيمه بالكامل من الجانب الصيني

وقد أُعلن خلال المؤتمر الصحفي أن متحف شنغهاي سيبدأ هذا العام تعاونًا مع المجلس الأعلى للآثار المصرية لإجراء أعمال تنقيب في منطقة ممفيس، أول عاصمة لمصر القديمة، في خطوة تهدف إلى تعزيز التعاون الثقافي وإبراز التقدم الصيني في علم الآثار عالميًا.

وتُعد هذه أول مشاركة معمقة لفريق تنقيب صيني في إحدى أهم المناطق الأثرية بمصر، وهو تعاون تاريخي جديد يُضاف إلى سجل العلاقات الثقافية بين البلدين.

وخلال التحضير للمعرض، أجرى متحف شنغهاي دراسة جدوى لأعمال التنقيب المشتركة، وحصل مؤخرًا على موافقة الجهات المصرية المختصة، ما مهّد الطريق لبدء المشروع.

وفي هذا السياق، يعتزم فريق متعدد التخصصات بقيادة تشن جيه، نائب مدير المتحف، التوجه إلى ممفيس في أكتوبر المقبل، حيث ستستمر أعمال التنقيب لمدة شهرين، بهدف تعميق فهم تطور الحضارة المصرية القديمة من خلال المسوحات والأبحاث الميدانية.

وسيتعاون الفريق الصيني مع نظرائه المصريين في دمج أعمال التنقيب مع أنشطة المعارض وتطوير المتاحف، لتدشين نموذج جديد من التعاون الثقافي.

وفي تعليق له، قال تشن جيه “لا تزال منطقة ممفيس تخفي الكثير من الأسرار، والمشاركة في التنقيب هناك تمثل فرصة غير مسبوقة للعلماء الصينيين. إنها ليست فقط دليلًا على الثقة في قدراتنا الأكاديمية، بل أيضًا شهادة على الصداقة العريقة التي تجمع بين بلدينا.”

10