حرية التعبير الأميركية تُصبح عنوانًا للسخرية في مهرجان الكوميديا ​​السعودي

الكوميديون الأميركيون استغلّوا أول مهرجان كوميدي عالمي يُقام في المملكة العربية السعودية لإثارة جدل محتدم في الداخل.
السبت 2025/10/04
على طريق التحول

الرياض- لأسابيع، انهالت السخرية على الكوميديين الأميركيين الذين سيقدمون عروضهم هذا الأسبوع في المملكة العربية السعودية، ولكن بحلول الوقت الذي صعدوا فيه إلى المسرح، كان الكوميديون قد حوّلوا النكتة إلى حرية التعبير في الولايات المتحدة.

قال الكوميدي ديف شابيل مازحًا يوم السبت الماضي في مهرجان الرياض للكوميديا، وهو أول حدث من نوعه في المملكة العربية السعودية: “في الولايات المتحدة، يقولون إنك إذا تحدثت عن تشارلي كيرك، فسيتم إلغاء عرضك. لا أعرف إن كان هذا صحيحًا، لكنني سأكتشف ذلك.”

وقد قوبل شابيل، الذي كان نجمًا بارزًا، بالهتافات والتصفيق عندما قال لجمهور من ستة آلاف شخص “التحدث هنا أسهل منه في الولايات المتحدة.”

وعلى الرغم من أن عرض شابيل أقيم على بُعد آلاف الأميال من الولايات المتحدة في المملكة العربية السعودية، إلا أنه استغلّ التيارات الغريبة في السياسة الأميركية التي كانت تتدفق خلال الحدث.

ديف شابيل: في الولايات المتحدة، يقولون إنك إذا تحدثت عن تشارلي كيرك، فسيتم إلغاء عرضك
ديف شابيل: في الولايات المتحدة، يقولون إنك إذا تحدثت عن تشارلي كيرك، فسيتم إلغاء عرضك

كان يُقدّم عرضه في الرياض في الوقت الذي كان فيه جدلٌ مثيرٌ للانقسام حول حرية التعبير يُهيمن على الولايات المتحدة. بدأ هذا الجدل بعد إيقاف مُقدّم البرامج التلفزيونية جيمي كيميل لفترة وجيزة عن البثّ إثر تزايد انتقاداته من قِبَل العديد من المحافظين وهيئة تنظيمية فيدرالية بسبب مونولوغ حول مقتل الناشط اليميني تشارلي كيرك. وعاد كيميل إلى التلفزيون الأسبوع الماضي.

وعلى الرغم من هذه الضجة، دعا الرئيس ترامب الجهات التنظيمية إلى النظر في إلغاء تراخيص الشبكات التي تبثّ كلام منتقديه.

ومن المقرر أن يُقدّم أكثر من 50 اسما من ألمع الأسماء في الكوميديا ​​الأميركية والغربية عروضًا في مهرجان الرياض، الذي يستمر حتى 9 أكتوبر. وقد غطّت الحكومة السعودية تكاليف هذه العروض.

تحدث شابيل مرارًا عن إلغاء مشاركته بعد ضجة أثارتها نكاته الساخرة من المتحولين جنسيًا. لكن في الرياض، انتقد أيضًا إيقاف كيميل مؤخرًا.

ومثل غيره من الكوميديين المشاركين في الفعالية الذين قالوا إنهم شعروا بتقييد أفواههم بسبب الصوابية السياسية الأميركية، استمتع شابيل بإلقاء النكات الفظة في المملكة العربية السعودية.

لم يفت الجمهور السعودي إدراك المفارقة، إذ انبهر بفكرة مشاهدة سخرية سياسية تسخر من الولايات المتحدة في مجتمعهم.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن عبدالرحمن محمد، طالب طب أسنان يبلغ من العمر 23 عامًا، قوله “وجدت من المثير للاهتمام سماع نكات سياسية تستهدف ترامب وتشارلي كيرك.” وقال إنه “من المدهش سماعه (شابيل) يتحدث عن ذلك في الرياض، في حين ألغت أميركا مؤخرًا برنامج جيمي كيميل.”

وتُعد استضافة فعاليات ترفيهية كبرى، مثل مهرجان الكوميديا، جزءًا من أجندة رؤية المملكة العربية السعودية 2030، التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وتهدف هذه الخطة إلى تنويع اقتصاد المملكة، الذي يعتمد بشكل كبير على النفط، وخلق بيئة اجتماعية أكثر استرخاءً للمستثمرين الأجانب والمواطنين السعوديين على حد السواء.

وبالنسبة إلى السعوديين، كان الحدث -الذي ضم نجومًا مثل كيفن هارت وجيمي كار وبيل بور- مؤشرا على كيفية تغير البلاد.

وتجمع الشباب السعوديون في مساحات مختلطة تحت وهج الشاشات العملاقة بدلًا من مراقبة الشرطة الدينية التي كانت تُهاب سابقًا، والتي جردها ولي العهد من صلاحياتها كجزء من حملته الإصلاحية.

واختلطت النساء اللواتي يرتدين عباءات سوداء فضفاضة، مع سراويل جينز وقمصان، مع نساء يرتدين النقاب، ومع رجال، الكثير منهم ارتدوا ثوبًا أبيض، إلى جانب قبعة بيسبول.

شابيل قوبل بالهتافات والتصفيق عندما قال لجمهور من ستة آلاف شخص "التحدث هنا أسهل منه في الولايات المتحدة"

غير أن للتحول المجتمعي حدوده؛ فقد استقبلت الفكاهة السياسية بحفاوة، بينما لم تُستقبل النكات الجنسية بنفس القدر.

مع تخفيف السلطات السعودية للقيود الاجتماعية، فإنها تُضيّق أيضاً مساحة الحوار السياسي المحلي. لهذا السبب واجه الكوميديون الذين قدموا عروضهم في المهرجان انتقادات لاذعة من منظمات حقوق الإنسان.

يتهمون المشاركين بـ”التضليل الفني” – أي “السماح لعروضهم بلفت الانتباه بعيدًا عن سجل الحكومة السعودية في مجال حقوق الإنسان.”

في جمهور عرض كيفن هارت يوم الأحد جادل بعض السعوديين بأن رفض التواصل مع بلدهم ليس الحل. قال طاهر الناصر، الذي يبلغ من العمر 27 عاما، “هذا لا يعني أن ننعزل عن العالم، والعكس صحيح. إذا أرادوا تسميتها تضليلًا، فليكن، لكننا ما زلنا على طريق التحول.”

في الماضي دافع الأمير محمد عن الحملة السياسية باعتبارها خطوة ضرورية لإعادة تشكيل البلاد، قائلاً إنها “ثمن زهيد” يُدفع “للتخلص من التطرف والإرهاب دون حرب أهلية.”

وفي مواجهة انتقادات من زملائهم، صاغ كوميديون آخرون مشاركتهم في الحدث كشكل من أشكال التبادل الثقافي لتعزيز حرية التعبير.

لم يقبل جميع الكوميديين عرض السعودية. قال بعضهم إنهم رفضوا المشاركة من حيث المبدأ، مضيفين أن هناك رقابة متأصلة في العقود التي طُلب منهم توقيعها. بالنسبة إلى باتريك سيلرز، وهو أميركي مغترب حضر المهرجان، كان تحوّل حدود حرية التعبير في الولايات المتحدة مثيرًا للقلق.

قال سيلرز، وهو مستشار يبلغ من العمر 40 عامًا، إنه منزعج من أن الكوميديين الأميركيين يلقون نكاتًا في الرياض، ظنّوا أنهم “قد يدفعون ثمنها” في وطنهم. وأضاف “بمجرد أن نفقد القدرة على الضحك على أنفسنا، نبدأ بفقدان حرياتنا.”

5