جون بولتون الخارج من دوائر التأثير الأميركي ضيف دائم على الإعلام الجزائري

التصريحات المجتزأة للمسؤول الأميركي السابق محاولة جزائرية لكسر العزلة بعد نكسات دبلوماسية.
الخميس 2025/07/10
أداة منتهية الصلاحية

تعتمد العديد من المنابر الجزائرية على السياسي الأميركي البعيد عن دوائر القرار جون بولتون للترويج للدعاية الانفصالية لجبهة بوليساريو ما يكشف عن فشل في كسب دعم دولي حقيقي وموثوق، واضطرار إلى إبراز أصوات معزولة كأدوات في معركة إعلامية خاسرة مسبقا.

الجزائر - يحل جون بولتون مستشار الأمن القومي الأميركي السابق ضيفا على وسائل الإعلام الجزائرية، حيث تبالغ هذه الوسائل في تقديمه كرجل سياسي مؤثر رغم أنه ابتعد عن مراكز القرار منذ سنوات، لكن ترويجه لأطروحة جبهة بوليساريو الانفصالية مكنته من الاحتفاظ بالأضواء عن طريق لوبي جزائري في واشنطن.

ورغم أن بولتون أصبح منذ سنوات خارج دوائر التأثير السياسي في واشنطن، إلا أن حضوره في الصحافة الجزائرية لا يزال كثيفا، بل يمنح صفة “الصوت الأميركي الصادق،” في تجاهل واضح لحقيقة موقعه الحالي ومواقفه السياسية المثيرة للجدل والتي أصلا لا تتناسب مع سياسة الجزائر الخارجية مثل موقفها العلني من القضية الفلسطينية والحليف الإيراني.

ويركز الإعلام الجزائري الرسمي أو المقرب من النظام، على تصريحات مجتزأة لبولتون تتوافق مع بعض القضايا التي تريد السلطة الإضاءة عليها، في حين يتم التعتيم على مواقفه الأخرى المعروفة، خاصة تأييده المطلق لإسرائيل، ومعاداته الصريحة لإيران، ورفضه قيام دولة فلسطينية، فضلا عن دعواته العلنية لاغتيال قادة إيرانيين، وهي مواقف تضر بالعلاقات بين الجزائر وطهران.

ونشر بولتون مقال في أغسطس 2024 بصحيفة “ذا أندبندنت عربية”، جاء فيه “إذا استطعنا قتل هنية، يمكننا قتل خامنئي. لا أحد في إيران في مأمن،” وهو تصريح خطير لم يذكر أبدا في التغطية الجزائرية التي تصفه بـ”المدافع عن العدالة الدولية.”

وخرج بولتون من المشهد السياسي الأميركي منذ 2019، حين أقاله الرئيس دونالد ترامب واتهمه بـ”الغباء” و”كشف أسرار أمنية،” لكن وسائل الإعلام الجزائرية تُقدّمه باستمرار كصوت موثوق من “داخل دوائر القرار الأميركي،” في محاولة لإضفاء أهمية ومصداقية على تصريحاته التي لا تتوافق مع الوقائع ولا مع نهج الإدارة الأميركية الحالي.

◙ وسائل الإعلام الجزائرية تمارس تعتيما على تأييد بولتون المطلق لإسرائيل، ومعاداته لإيران والفلسطينيين

وفي يناير الماضي، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه سحب عناصر الخدمة السرية المكلفين بحماية مستشاره السابق للأمن القومي جون بولتون، واصفا إياه بـ”الغبي”. ودافع ترامب في تصريحات صحفية في البيت الأبيض عن قراره واصفا مستشاره السابق بأنه “أحمق وغبي.” وقال “لن نوفر رجال حماية للناس لبقية حياتهم. لماذا يجب أن نفعل ذلك،” مردفا “لا يمكنك أن تحظى بهذا طوال حياتك.”

وأضاف ترامب “اعتقدت أنه شخص أحمق للغاية، لكنني استخدمته بشكل جيد، لأنه في كل مرة رآني الناس أدخل اجتماعا وجون بولتون يقف خلفي، كانوا يظنون أنه سيهاجمهم، لأنه كان محرضا على الحرب.” كما ألغى ترامب التصريح الأمني لبولتون، حيث اتهمه في أمر تنفيذي بالكشف عن “معلومات حساسة تعود إلى فترة وجوده في الإدارة” في كتاب نشره عام 2020.

ووصل الأمر ببولتون الى الحديث عن احتمال تراجع ترامب عن الاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية. وذلك في حوار مع صحيفة إسبانية تعرف بعدائها للمغرب، رغم أن تصريحات المسؤولين الأميركيين الذين لا يزالون في مراكز القرار أكدت مرارا وتكرارا في جميع المناسبات على أن واشنطن ملتزمة بقرارها في ما يخص الصحراء المغربية.

ورغم أن هذه التصريحات ليست سوى توقعات شخصية منه مع إبعاده عن دوائر القرار، فإن وسائل الإعلام الجزائرية قدّمتها كأنها معلومات موثوقة من قلب الإدارة الأميركية. في المقابل، تغيب تماما عن الإعلام الجزائري المواقف الرسمية للإدارة الأميركية الحالية، التي جددت في أبريل الماضي دعمها للمقترح المغربي بالحكم الذاتي، واعتبرته الإطار الجاد والوحيد لحل سياسي دائم، داعية إلى استئناف المفاوضات في أقرب وقت. وهذه التصريحات ورغم أهميتها لم تحظ بأيّ تغطية تذكر.

وحظيت الجزائر مؤخرا بنكسة أخرى في قضية الصحراء المغربية تمثلت في قرار المملكة المتحدة بدعم خطة مغربية لإدارة الصحراء المغربية وهو ما تسبب للجزائر، وفق صحيفة “فايننشال تايمز” في حالةٍ من المرارةِ والحصارِ في مواجهةِ الانتصاراتِ الدبلوماسيةِ للمغرب.

وقالَ ريكاردو فابياني، مديرُ قسمِ شمالِ أفريقيا في مجموعةِ الأزماتِ الدولية، إنَّ القرارَ الذي اتُّخِذَ في يونيو كان “سيئًا للغاية” للجزائر، بالنظرِ إلى أنَّ ثلاثًا من الدولِ الخمسِ دائمةِ العضويةِ في مجلسِ الأمن – الولاياتِ المتحدةُ وفرنساُ والمملكةُ المتحدةُ – ألقتْ بثقلِها وراءَ الخطةِ المغربيةِ للحكمِ الذاتيِّ المحدود. وقالَ “إنَّ هذا يُرسِلُ إشارةً قويةً للغايةِ بأنَّ جميعَ القوى الغربيةِ الرئيسيةِ تقريبًا تدعمُ هذا. إنه دليلٌ على أنَّ الجزائرَ معزولةٌ.”

◙ الاعتماد على بولتون للترويج للدعاية الانفصالية يكشف عن فشل في كسب دعم دولي حقيقي وموثوق واضطرار إلى إبراز أصوات معزولة كأدوات في معركة إعلامية خاسرة 

ويفسر التمسك المتكرر ببولتون في وسائل الإعلام الجزائرية أنه لا يتعلق بالثقة أو الاقتناع بمصداقيته، بل بسعي إلى استغلال تصريحاته المتفرقة التي تصب في مصلحة الطرح الانفصالي. وهذا التناقض يعكس بوضوح ازدواجية المعايير في الإعلام الجزائري، الذي يرفع في المحافل الدولية شعارات دعم فلسطين، بينما يستند في حملاته الإعلامية إلى رجل ينكر وجود دولة فلسطينية ويدعو علنًا لتقسيم أراضيها.

ويؤكد متابعون أن الاعتماد على بولتون للترويج للدعاية الانفصالية يكشف عن فشل في كسب دعم دولي حقيقي وموثوق، واضطرار إلى إبراز أصوات معزولة كأدوات في معركة إعلامية خاسرة مسبقا.

وسبق أن سربت مصادر خاصة رسالة وزعتها مديرية وسائل الإعلام لدى وزارة الاتصال الجزائرية على الصحف والقنوات التلفزيونية والإذاعية تدعوها إلى حضور أنشطة تعنى بجبهة بوليساريو وما تسميه جمهوريتها. وتروج الجزائر عبر وسائل إعلامها لأطروحة بوليساريو بأن قضية الصحراء قضية “تصفية استعمار” وتسوّق لـ”حق تقرير المصير.”

ويقول مراقبون إن الرسالة المسربة دليل وإثبات جديد على زيف المزاعم الجزائرية بأنها ليست طرفا في النزاع حول الصحراء المغربية. وتحاول الجزائر وجبهة بوليساريو الترويج لانتصارات وهمية، حيث تناقلت وسائل إعلامهما مرارا أخبارا مضللة.

ومثلت التطورات الأخيرة المرتبطة بالنزاع المفتعل في الصحراء المغربية مناسبة أخرى للكشف عن طبيعة المعالجات الإعلامية للعديد من مؤسسات الإعلام الإقليمية والدولية، وعن التوظيف السيء لشبكات التواصل الاجتماعي. وكانت فرصة مهمة للكشف عن الخلفيات السياسية لمعالجات تقدم نفسها في شكل إعلامي مهني، ولكنها في حقيقة الأمر تقوم بأدوار (البروباغندا) لا تراعي أبسط شروط وأخلاقيات مهنة الصحافة.

ووفق تقرير لنقابة الصحافيين المغاربية فإن الحرب الإعلامية التي تخوضها أطراف خارجية ضد المغرب تعتبر واجهة من واجهات خوض الحرب الشاملة، لكنها إلى حد الآن لم تنجح في تحقيق أهدافها، حيث ظل التأثير محدودا جدا. وأضاف التقرير أن كشف طبيعة هذه الحرب ساهم إلى حد بعيد في أن تفقد مصداقيتها، لأن الاستمرار في الافتراء والكذب ونشر الأخبار الزائفة تحول إلى ضده، وتبين من خلال التطورات أن الأمر يندرج في سياق التضليل الإعلامي.

5