ثلاثة نجوم مغاربة يضيئون ورشات مهرجان الرواد للمسرح بخريبكة

مساحات للتحاور واكتشاف تجارب فنية مؤثرة في المغرب.
الثلاثاء 2025/08/05
هواة وعشاق المسرح يتعرفون على تجارب فنية مهمة

لا تمثل الورشات الفنية التي تنظمها المهرجانات المسرحية مجرد مساحة للتعلم، بل هي أيضا فرصة لمعرفة الفنانين المؤطرين عن قرب، للاطلاع على مسيراتهم والتحديات التي واجهوها، للاستفادة من نصائحهم وتمكينهم من الاستماع لآراء متنوعة عن تجاربهم تلك، وهذا ما حصل في الورشات الثلاث التي نظمها مهرجان الرواد الدولي للمسرح بخريبكة في دورته لهذا العام.

سعيد العيدي

في إطار الأنشطة الموازية التي سطرتها إدارة المهرجان الدولي لمسرح الرواد في دورته العاشرة بخريبكة التي تمتد اختتمت في الثالث من أغسطس الجاري، وأقيمت تحت شعار “نمشيو نتفرجوا في المسرح” شهد مركب مبادرات خريبكة تنظيم ثلاث ورشات تدريبية “ماستر كلاس” استثنائية، من طراز عال لثلاثة نجوم مغاربة بدءا من ماستر كلاس النجمة المغربية والفنانة المتألقة بديعة الصنهاجي، ثم ماستر كلاس الفنان والمبدع المغربي مالك أخميس، ناهيك عن ماستر كلاس أطره الفنان والنجم المغربي المحبوب أمين ناسور بعد أن تعذر على النجم المغربي يوسف الجندي الحضور لظروف عائلية.

هذه الورشات الثلاث واللقاءات المفتوحة التي عرفت متابعة لا بأس بها من عدد كبير من الممثلين والمخرجين والرواد والمبدعين وأعضاء لجنة التحكيم وطلبة الفنون، ومتتبعي الشأن الثقافي وضيوف المهرجان، والتي جمعت بين نجوم الساحة الفنية ونجوم المسرح والتلفزيون والسينما وجمهورهم العاشق للفن والإبداع كانت تحت إشراف المخرج المسرحي المبدع: عبدالفتاح عاشق، والفنان الموهوب فريد الركراكي. إنها رؤى فنية عميقة، وتجربة مسرحية غنية، تؤطر هذه اللقاءات لتمنح المشاركين لحظات من التعلّم، الحوار، والتبادل الإبداعي.

ومن خلال الماستر كلاس الأول قدمت النجمة المغربية بديعة الصنهاجي عرضا أبرزت من خلاله أهم اللحظات الرئيسية التي ميزت حياتها ومشوارها الفني والتمثيلي والتضحيات التي واجهتها خلال المسار المهني الذي قطعته، معرجة في الوقت ذاته على مشكل النجومية التي تقتل الممثل وتشكل عائقا في الغالب من الحالات.

وأكدت الفنانة ضرورة الاهتمام بالعمل الفني وبالمهنية الصادقة، واعتبرت في الوقت ذاته أن المسرح هو الذي يقعد الفنان أو يقيمه، وعند الامتحان يعز المرء أو يهان، وعبرت عن حبها الشجي للمسرح والاشتغال في حبه بالرغم من كون أن لها عرض مسرحي واحد في مسيرتها الفنية، حيث لم تتح لها الفرصة مرة ثانية لتشارك في عمل مسرحي آخر، كما اعتبرت أن العروض المسرحية في المغرب كثيرة وأن الاستثمار حاليا يتجه صوب السينما والصناعة السينمائية عكس المسرح بحكم تحكم “مول الشكارة”-على حد تعبيرها- في المشهد الفني المغربي متسائلة في الوقت ذاته في كون أن الفن لم يف بالغرض المطلوب منه ولم يبق المسرح يمرر رسالته النبيلة إلى الجمهور.

وقالت الصنهاجي إنه يجب أن لا نكون مجحفين في حق المسرح فبالرغم من الانتقادات الموجهة إليه فهناك إقبال كبير على المنتج المغربي، مشددة على أن الفن رسالة فنية وتربية وتهذيب للنفس وتربية للأخلاق، فالمسرح-حسب رأيها- يؤتي دوره بعد المدرسة والمنزل ويهيئ النفس ويوجه الإنسان.

وتطرقت الفنانة أيضا إلى الكثير من محطاتها الفنية الغنية والمشوقة، وتضحياتها من أجل الفن. والمهم من كل هذا وذاك أن الصنهاجي تقاسمت أسرار رحلتها الفنية، مستعرضة تجاربها وخبراتها بأسلوب شفاف، كما تفاعلت مع أسئلة الحاضرين بحب واحترافية، مما خلق حوارا عميقا وتفاعلا خلاقا.

أما الماستر كلاس الثاني فقدمه المبدع المغربي مالك أخميس الذي كان منصة ثقافية وحماسية أسرت اهتمام الجهور الحاضر، حيث سلط المحتفى به الضوء على تجربته الفنية الغنية ومساره الفني والديكور وأعطى دروسا وعبر لكل المبدعين المبتدئين.

وتحدث أحد المتدخلين ليذكر بأن الفنان مالك أخميس المشاكس ابن درب السلطان واحد من أبرز الوجوه التي طبعت المشهد الفني بخياراتها النوعية بين المسرح والسينما، كانت بداياته بالمسرح الجامعي بكلية الآداب بنمسيك، وأول مشاركة له جاءت في المهرجان الدولي للمسرح الجامعي، رغم أن اهتمامه الأول كان هو كرة القدم. وبعد الحصول على شهادة الإجازة في الأدب الفرنسي تم التعريج به إلى الديار الفرنسية من أجل استكمال رحلة الدراسة وهذه المرة بالمسرح تم إلى مدرسة “théâtre du soleil“، وبعد استكمال المشوار الدراسي كان الاستقرار بالديار الفرنسية واشتغاله بالعديد من الأعمال الفنية هناك إلا أن الحنين إلى الوطن والعائلة كان أقوى، من هنا جاءت الانطلاقة الفعلية لمالك أخميس الذي نراه اليوم.

في هذه الورشة كانت هناك تساؤلات أخرى عن مدى اختيار الفنان للأدوار المركبة، وهل غيابه عن الشاشة ناتج عن ظاهرة تكرار الأدوار، ثم هل المعاناة في الميدان الفني تقتل التشخيص، وما هو موقفه من ظاهرة غياب الرواد واعتلاء المؤثرين للمشهد الفني، وهل الجرأة في الأداء عندها ثمنها الباهظ على الفنان؟

وعاش الجمهور وعشاق المسرح لحظات شيقة مع الماستر كلاس الثالث الذي كان ضيفه الفنان المسرحي أمين ناسور الذي تحدث في الأول عن تجربته مع الفنان المغربي الطيب الصديقي والجمعية المغربية للتربية ودار الشباب عين الشق وجامعة الحسن الثاني طريق الجديدة، وأمين هو خريج المعهد العالي للتنشيط الثقافي بعد أربع سنوات من التحصيل والتجربة والتكوين بالمعهد.

وأكد الفنان أنه يؤمن بالتكوين الأكاديمي لأن التكوين والموهبة وجهان لعملة واحدة والتكوين تحصيل حاصل، موضحا أن المعهد العالي للتنشيط الثقافي يعطي للفنان حياة فنية وجمالية موازية للحياة العملية.

وأعمال أمين ناسور لا ترتكز على ممثلين تخرجوا من المعهد فقط بل يمزج بينهم وبين ممثلين خارج المعهد لأن المخرج دائما يبحث عن المادة الخام وله رؤية فنية واضحة، يعرف كيف يشتغل بالممارسة المسرحية، وقد تحدث خلال الورشة عن أهم الأعمال المسرحية التي أنجزها والتي حازت على العديد من الجوائز في تظاهرات وطنية عربية ودولية.

إن تنظيم لقاءات مفتوحة لعشاق المسرح والطلبة والمهتمين بالفعل الثقافي والفن، يجعل من المسرح فسحة لقاء وحب وتعلّم، ويجب عدم تفويت الفرصة للاستفادة من خبرات فنية حيّة وملهمة!

في ختام هذه اللقاءات المفتوحة، التي تميزت بالتلقائية والبساطة، فتح الفنانون المغاربة الثلاثة بكل حب، الباب للجمهور ليطرح أسئلة متنوعة عن المجال الفني وحياتهم ومسارهم الفني، حيث أجابوا باستفاضة عن كل الأجوبة، التي كانت تصب في مسار أعمالهم التي تألقوا فيها، فضلا عن الكثير من القضايا التي ترتبط بالفن والتمثيل عموما.

14