توقيت توسيع التعاون بين مصر والصين يزعج إسرائيل
القاهرة- أصبح توقيت الحديث عن زيادة التعاون العسكري بين مصر والصين مزعجا لإسرائيل، وعبّرت بعض وسائل الإعلام ومراكز دراسات عن ذلك، عقب ظهور شواهد تعزز القدرة العسكرية للجيش المصري بعد أن كشفت إسرائيل عن تفوق نوعي كبير في مواجهتها مع إيران، وشنّها حروبا على جبهات أخرى في آن واحد.
ومع أن القاهرة بدأت تنويع مصادر سلاحها منذ سنوات، إلا أن انفتاحها الملحوظ على بكين أخيرا أثار مخاوف إسرائيل من امتلاك مصر لأنواع مختلفة من التكنولوجيا العسكرية التي تتمتع بها الصين، في مجالات الدفاع الجوي ومضادات الصواريخ والطائرات الشبحية والتشويش الإلكتروني.
وأثار الصمت الرسمي الذي تتّبعه مصر في التعامل مع التقديرات الإسرائيلية هواجس مضاعفة، حيث لا تستطيع تل أبيب معرفة المدى الذي وصل إليه التعاون العسكري بين القاهرة وبكين، وتأثيره على تفوق تحرص واشنطن على توفيره لإسرائيل.
المناورات المشتركة تأتي عادة مقدمة لتعاون تسليحي وتعاقدات عسكرية، وتسمح باختبار الأسلحة ميدانيا ومعاينة مواصفاتها
وفتحت سياسة الغموض البنّاء، التي تتّبعها الصين وتطلعاتها نحو ضبط موازين القوى على الساحة الدولية لصالحها، الباب لتكهنات حول طبيعة علاقة الولايات المتحدة مع حليف إستراتيجي تاريخي مثل مصر في المنطقة، بعد أن بدأت الأخيرة تتململ من تصرفات الإدارة الأميركية في قضايا حيوية بالمنطقة، تضر بالمصالح المصرية.
وكشفت مصادر دبلوماسية لـ”العرب” أن مصر لا تريد صداما مع الولايات المتحدة، ولا تسعى لمواجهة معها بتقاربها الملحوظ مع الصين، لكنها تتبنى رؤية ناعمة بالتنسيق مع بكين وموسكو لخفض سقف الهيمنة على مفاصل القرار العالمي.
وأكدت المصادر ذاتها أن هناك دولا أخرى يمكن أن تنضم إلى “النادي المصري – الصيني – الروسي”، والتعاون داخله له أشكال متعددة، ويتم التنسيق بين الأعضاء بصورة تدريجية، والاستفادة من مراكمة أخطاء ترتكبها واشنطن من وراء ترك إسرائيل تتغول في المنطقة بلا ضوابط أو كوابح، بما أضر بمؤسسات دولية.
وفسّرت زيارة قام بها رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ إلى القاهرة مؤخرا على أنها إشارة البدء لزيادة وتيرة التقارب بين البلدين، سياسيا واقتصاديا وعسكريا.
ووقّع البلدان خلال هذه الزيارة مجموعة من الاتفاقيات التي تعزز التعاون في مجالات: مبادلة الديون، والتعاون المالي، والتنمية الخضراء وخفض الانبعاثات الكربونية، وتعزيز التجارة الإلكترونية، ودعم معايير الجودة، والتعاون في الصحة.
كما أطلق جيشا البلدين في منتصف أبريل وحتى أوائل مايو الماضيين مناورات جوية مشتركة، الأولى من نوعها، باسم “نسور الحضارة 2025″، بمشاركة آليات ومعدات ومقاتلات متعددة المهمات، وجرت في قاعدة عسكرية مصرية لم يفصح عنها.

وقال خبراء عسكريون إن المناورات المشتركة بين الدول تأتي عادة مقدمة لتعاون تسليحي وتعاقدات عسكرية، وتسمح باختبار الأسلحة ميدانيا ومعاينة مواصفاتها، وتقييم قدرات الحرب الإلكترونية وأنظمة دمج الاستشعار لطائرات “تشنغدو – جي10” الصينية، وفرص الرفع الإستراتيجي لطائرات النقل الصينية “واي – 20″، وتعزيز جاهزية مصر، في ظل بيئة أمنية إقليمية متقلبة.
وأضاف الخبراء أن تراجع أو بطء علاقات التسليح المصرية مع الولايات المتحدة من الطبيعي أن يصبّ في صالح الصين، التي تبدي مرونة في التعاون العسكري، ولا تملك أجندات يمكن أن تخفيها وأهدافا مجهولة تثير الريبة، وضوابطها معروفة.
وكشفت مجلة “يسرائيل ديفينس” العسكرية عن تقرير قدم مؤخرا إلى الكونغرس الأميركي، حذّر من التطور المتسارع لقدرات مصر العسكرية وشراكتها مع الصين.
وأوضح أن واشنطن تعتبر المساعدات العسكرية لمصر، وتبلغ 1.3 مليار دولار سنويا، هي استثمار في الاستقرار الإقليمي والحفاظ على اتفاقية السلام مع إسرائيل، مشيرا إلى أن القاهرة تجري مفاوضات لشراء طائرات مقاتلة صينية متطورة.
زيارة رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ إلى القاهرة مؤخرا فسرت على أنها إشارة البدء لزيادة وتيرة التقارب بين البلدين، سياسيا واقتصاديا وعسكريا
ونشر مركز القدس للشؤون الخارجية والأمنية الإسرائيلي دراسة أكدت أن المشتريات العسكرية المصرية من الصين وروسيا تثير مخاوف تل أبيب وواشنطن، وتهدد استمرار المساعدات العسكرية الأميركية وتزيد من نفوذ بكين في مصر.
وذكر رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق في الجيش المصري اللواء نصر سالم أن التعاون العسكري بين مصر والصين يدخل في إطار تنويع مصادر السلاح، وهو نهج أقدمت على اتّباعه القاهرة منذ أن حظرت واشنطن عودة طائرات مصرية كانت تتم صيانتها عقب ثورة 30 يونيو 2013، وثمة قناعة بأنه يصعب الاعتماد على مصدر واحد للتسليح، وهو ما دفع إلى تعاون مصر مع العديد من الدول الأوروبية والآسيوية، كي لا تكون هناك فرصة للضغط على القاهرة عبر ملف السلاح.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن التعاون بين القاهرة وبكين ليس على حساب الولايات المتحدة حاليا، والتوازن في العلاقات العسكرية لن يكون على حساب دول أخرى أيضا، والتنسيق والتعاون مع البنتاغون قائم ومستمر، وتوجد تدريبات مشتركة ولم تتوقف المعونة العسكرية الأميركية لمصر، وصفقات السلاح تبرم مع الولايات المتحدة، والمستهدف ألاّ يميل التعاون العسكري شرقا أو غربا، معتمدا على التوازي، بما يخدم تطوير الجيش المصري ووحداته المختلفة.
وأكد نصر سالم أن تحريض إسرائيل ضد التعاون المصري مع الصين يفهم في إطار رفض وجود أيّ دولة تملك قوة عسكرية نوعية في المنطقة، والاعتداءات على لبنان وسوريا واليمن تبرهن أنها حينما تجد جهة في حالة ضعف تقوم بالاعتداء عليها، بالتالي ليس من مصلحة إسرائيل أن تبقى مصر قوية عسكريا، وتصبح شوكة في حلق أطماعها التوسعية في المنطقة، وهو ما يجبر إسرائيل على أن تحافظ على علاقات جيدة مع مصر، ارتكانا على قوة الردع الإستراتيجي.
وبكين من أهم وأكبر شركاء القاهرة الآن، وتحتل الصين المرتبة العاشرة بين الدول المستثمرة في مصر، وهناك تحركات لجعل ترتيبها ضمن أكبر 5 مستثمرين. وتستهدف مصر مضاعفة استثمارات الصين لديها إلى 16 مليار دولار خلال 4 سنوات، مقارنة بنحو 8 مليارات دولار حاليا، ووصل حجم التبادل التجاري إلى 17 مليار دولار العام الماضي.