تناقضات بين الحرية والعدالة تعيق مشروع قانون الإعلام اللبناني
بيروت - يحاول وزير الإعلام اللبناني الحفاظ على مسافة واحدة بين الحريات الإعلامية والإجراءات القضائية في مقترحات قانون الإعلام الجديد الذي تجري مناقشته في جلسات ومؤتمرات تهم رؤساء التحرير والقائمين على القطاع.
وتتفاوت ردود الفعل بين الإعلاميين بحسب قربهم من السلطة والوزير؛ حيث قدَّر عدد من رؤساء تحرير المؤسسات الإعلامية الذين شاركوا في الاجتماع الذي دعا إليه وزيرا الإعلام والعدل، المحاميان بول مرقص وعادل نصار بالترتيب، الدورَ والاهتمام اللذين بذلهما الوزير مرقص ليكون قانون الإعلام مريحًا للإعلاميين. ورأى هؤلاء أن مرقص يحاول الموازنة بين القانون والعدالة لينال كل جانبٍ حقَّه.
وأكّد مرقص أنه “يدعم تعزيز حماية الحرية الإعلامية لا تقييدها،” في الوقت الذي يقول فيه صحافيون على المقلب الآخر إن هناك ملاحظات تعيد الصحافيين عقوداً إلى الوراء، تضمنتها اقتراحات وزير الإعلام الخطّية لتعديل القانون قبل مناقشته في لجنة الإدارة والعدل.
وذكرت تقارير محلية أن التعديلات تتضمن العودة إلى توقيف الصحافيّين، حيث طالب وزير الإعلام بالسماح للمحاكم أن تحبس الصحافيين والصحافيات احتياطيًا، رغم أنّ مشروع القانون كان يمنع هذا الإجراء قبل صدور الحكم بحقّهم.
وحسب تعديلات الوزير، على الوسائل الإعلامية التوقّف عن التطرق إلى أي شخص قرّر أن يقاضيها، حتى تاريخ إصدار القضاء حكما نهائيا في الموضوع.
كما ينص مشروع القانون على تشكيل هيئة مستقلّة للإعلام من 10 أعضاء لتنظيم القطاع، ويتمّ انتخاب أعضائها من قبل هيئات حقوقيّة وأكاديميّة وقضائيّة ونقابيّة. لكنّ الوزير قرّر تعديل هذه المادّة لإنشاء هيئة أخرى لتنظيم القطاع، يرشّح هو بنفسه أعضاءها.
واعتمد مشروع القانون صيغة تقديم علم وخبر لتأسيس وسائل الإعلام، وترك التراخيص لحجز تردّدات البثّ الإذاعي والمرئي. أمّا الوزير ففرض التراخيص على كل وسائل الإعلام، بما فيها المنصّات الإلكترونيّة، وهي تراخيص تصدرها نفس الهيئة التي يرشّح الوزير، بنفسه، أعضاءها.
ويرى متابعون أن أوّل اقتراحَين يعزّزان السيطرة القضائية والأمنية على الصحافيين، حيث يصبح من الممكن لأي سياسي إغراق وسائل الإعلام بالشكاوى ومنعها من الحديث عنه، كما يضع تهديد التوقيف الاحتياطي فوق رؤوس الصحافيين. أمّا الاقتراحان الأخيران، فيعزّزان سيطرة الوزير على القطاع من خلال سيطرته على الهيئة الناظمة، والتي عبرها يسيطر على التراخيص.
وعبر التعديلات المقترحة يكون وزير الإعلام قد أجهض مساراً عمره 15 سنةً، ليحوّل ما كان يُفترض أن يكون قانونًا يحمي الصحافيين من أجل ضمان حرية التعبير إلى أداة في يد السلطة لقمع هذه الحرية.
وتذكّر هذه التعديلات بما آلت إليه الأمور بعد إقرار قانون “البثّ التلفزيوني والإذاعي” سنة 1994، والذي مهّد الطريق للسيطرة السياسية على التلفزيونات، من خلال إخضاعها للمراقبة والمنع من جهة، وتوزيعها على الأحزاب والشخصيات السياسية، ما أدّى في آخر المطاف إلى إنتاج قطاع تلفزيوني خاضع سياسيًا. فالسلطة السياسية تريد من الإعلام، وخاصّة الإلكتروني، أن يخضع لسيطرتها لذلك تُعيق إقرار القانون بطريقة لا تتناسب مع هذا الهدف.
متابعون يرون أن أوّل اقتراحَين يعزّزان السيطرة القضائية والأمنية على الصحافيين
وبعد الضجّة الإعلامية التي تلت تسريب الوثيقة المتعلقة بهذا الشأن، حاول وزير الإعلام اقتراحه التعديلات، وهذا رغم تعميم وثيقة من قبل أمانة سرّ اللجنة، مع نصٍّ واضح يَنسب المقترحات إلى مرقص. فكان التفسير الأخير أن هذه المقترحات تمّ جمعها من أكثر من جهة، ولا تمثّل بالضرورة رأي الوزير. إنّما ذلك لا يلغي حقيقةَ أنّ هذه التعديلات قُدّمت للنقاش في اللجنة.
وكان مرقص قد استهلّ عمله وزيرًا بجولة على المرجعيات الروحية للوقوف عند ملاحظاتها حول مشروع قانون الإعلام، فبعد لقائه شيخ العقل لطائفة الموحّدين الدروز أكد على ضرورة وضع ضوابط على حرية الإعلام، بحيث لا تنتقص من تلك الحرية وإنّما في الوقت نفسه تتجنّب وتتدارك أيّ آفات اجتماعيّة يمكنها أن تتلطّى خلف الحرية.
ومنذ استلامه قيادة الوزارة، كرّر الحديث عن “تنظيم الحريات الإعلامية”، لحصرها في من يراه يمتهن الصحافة والإعلام، ويمارسها على نحو صحيح ومحترف، ومستثنيًا منها مَن يتوَسّل الشتيمة على وسائل التواصل الاجتماعي.
من جهته دعم رئيس اللجنة الإعلامية في البرلمان اللبناني النائب جورج عدوان وزير الإعلام بنفيه وجود تعديلات، وحذّر من التسريبات الإعلامية. ومن المتوقّع، كما جرى في النقاشات السابقة، أنّ يحاول ممثّلو الأحزاب “تفخيخ” القانون، لتحويله إلى أداة لحماية مصالحهم وقدرتهم على السيطرة على القطاع بدل أن يكون قانونًا يحمي القطاع من تدخّلاتهم.
قانون الإعلام الجديد مفصلي وسيحدّد مستقبل القطاع وطبيعة العلاقة بين المصالح السياسية والمالية من جهة والإعلام من جهة أخرى
ويأتي نقاش قانون الإعلام الجديد في سياق حملة طالت الإعلام المستقل والمنصّات الإلكترونية، وتتقاطع هذه الحملة مع مصالح السياسيين، حيث باتوا ينظرون بريبة إلى الإعلام المستقل. فانطلقت حملة خوّنت هذا الإعلام وشكّكت في تمويله وانهالت الاستدعاءات الأمنية على الصحافيين.
من جهتها أصدرت نقابة محرري الصحافة اللبنانية بيانا قالت فيه إنها مع قانون إعلام شامل وعصري، يستوفي كل شروط الحداثة ويؤسس لإعلام وطني.
وجددت النقابة تمسكها برفض التوقيف الاحتياطي للصحافيين وحبسهم، مضيفة أن بدعة التوقيف الاحتياطي ولت دون رجعة، “ولن نسمح لها بأن تعود أيّا تكن الأسباب والذرائع.” واعتبرت أن النقابة ستعمل على إجهاض أيّ محاولة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء ولن تتهاون مع أيّ محاولة لتقييد حرية الصحافيين والإعلاميين.
وأضافت أن “القانون الرقم 330 تاريخ 18 – 5 – 1994 والذي كان لنقابة المحررين شرف الإسهام في صدوره، ألغى عقوبة الحبس والتوقيف الاحتياطي في جميع جرائم المطبوعات، ولا يمكن القبول بما دونه.”
وكررت النقابة موقفها الصريح الذي أعلنته أمام اللجنة الفرعية المنبثقة من لجنة الإدارة والعدل النيابية بوجوب أن تتولى نقابتا الصحافة والمحررين، كونهما منشأتين بقانون وتتمتعان بالصفة المرجعية الممثلة للصحافيين والإعلاميين العاملين، تسمية ممثلي القطاع الصحفي والإعلامي في الهيئة الوطنية للإعلام المزمع إنشاؤها بموجب اقتراح القانون. ولن تقبل النقابة بأن تجيّر هذه الصلاحية وهذا الدور لأي هيئة أو جهة أخرى.
وتابعت أن النقابة ستظل بالمرصاد لكل محاولة للنيل من حرية الصحافي والإعلامي ولن تقبل بالالتفاف على المواد القانونية الضامنة لهذه الحرية.
ويرى متابعون أن قانون الإعلام الجديد مفصلي وسيحدّد مستقبل القطاع وطبيعة العلاقة بين المصالح السياسية والمالية من جهة والإعلام من جهة أخرى. ويأتي البحث في هذا القانون متزامنا مع فتح ملفات تتطلّب إعلامًا مستقلًا وقادرًا على الضغط، من خلال علاقته بالرأي العام، على طبقة سياسية ومالية أظهرت منذ سنوات وعقود رغبةً في السيطرة على هذا القطاع.