تصعيد عسكري بين دمشق وقسد في ريف حلب

الدفاع السورية تعلن مقتل وإصابة خمسة مدنيين بقصف على قرى بريف حلب الشرقي، نفذته قسد التي تؤكد تصديها لهجوم حكومي محملة دمشق المسؤولية.
الخميس 2025/09/11
قصف متبادل يهدد جهود الحوار

دمشق – اندلعت مواجهة عسكرية جديدة في ريف حلب الشرقي، حيث تبادلت قوات الدفاع السورية و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) الاتهامات بالمسؤولية عن التصعيد، في وقت حساس تشهد فيه المفاوضات بين الطرفين تعثرا كبيرا.

وتأتي هذه التطورات الميدانية لتعقد المشهد السوري، وتلقي بظلال من الشك على أي إمكانية للتوصل إلى تسوية سياسية شاملة في ظل استمرار الخلافات الجوهرية.

وأعلنت وزارة الدفاع السورية، الأربعاء، مقتل مواطنين اثنين وإصابة 3 آخرين جراء القصف العنيف الذي نفذته قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بشكل مفاجئ على منازل الأهالي في 3 قرى بريف حلب الشرقي (شمال).

ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" عن إدارة الإعلام والاتصال في وزارة الدفاع، قولها إن "قوات قسد قامت وبشكل غير مسؤول ومفاجئ بشن حملة قصف عنيفة من مواقع سيطرتها في مطار الجراح العسكري ومحيط مدينة مسكنة".

وأضافت أن "قسد" استهدفت "منازل الأهالي في قرى (الكيارية، رسم الأحمر، حبوبة كبير) بريف حلب الشرقي، ونتج عن القصف استشهاد مواطنين اثنين وإصابة 3 آخرين".

وأشارت إلى أنه "بعد تصعيد قوات قسد، على منازل الأهالي شرق حلب واستشهاد مواطنين وإصابة آخرين، استنفرت قوات الوزارة المنتشرة بالمنطقة وبدأت باستهداف مصادر النيران ولا يزال الاستهداف مستمرا".

وفي وقت سابق الأربعاء، أفادت "سانا"، أن قسد، تستهدف بقذائف الهاون محيط بلدة الخفسة بريف حلب الشرقي، كما استهدفت منازل الأهالي في قرية الكيارية بالمنطقة ذاتها.

وأفاد مراسل الأناضول، في وقت سابق، أن القصف أسفر عن مقتل شخص وإصابة اثنين ينتمون لأسرة واحدة. وأشار إلى أن الجريحين نقلا إلى مستشفى قريب.

وفي المقابل، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، اليوم الخميس، تصديها لمحاولة تقدم لقوات تتبع لوزارة الدفاع في الحكومة السورية الانتقالية، في منطقة دير حافر بريف حلب.

وقالت قسد في بيان "تصدت قواتنا لمحاولات التسلل والاعتداء المدفعي التي أقدمت عليها مجموعات منفلتة تابعة لحكومة دمشق في منطقة دير حافر، وأفشلت تلك المحاولات بشكل كامل"، مؤكدة أن "أي محاولات جديدة للتعدي ستواجه برد حازم يحفظ أمن المنطقة".

وحملت قسد "مسؤولية الاعتداءات" على عاتق الطرف الذي بادر إلى التصعيد عبر خروقات متكررة تهدد الاستقرار العام، حسب البيان.

ويعكس هذا التباين في الروايات حالة من انعدام الثقة وتأزم الموقف بين الطرفين، ويبرز مدى هشاشة الوضع الأمني في هذه المناطق.

ويأتي هذا التصعيد في وقت تشهد المفاوضات بين الإدارة الذاتية الكردية والحكومة الانتقالية السورية تعثرا بعد قرار الأخيرة تعليق المحادثات ردا على مؤتمر عقدته قوات سوريا الديمقراطية في الحسكة في يوليو الماضي، واعتبرته دمشق تحديا لها ومحاولة من قبل قسد لتشكيل تحالف "أقلوي" يستهدفها.

ويشكل الخلاف على شكل النظام السياسي لما بعد الفترة الانتقالية أحد الخلافات الجوهرية بين الإدارة الذاتية الكردية ودمشق، حيث يصر الأكراد على ضرورة إقامة نظام لا مركزي يحفظ حقوق الجميع ومشاركتهم في صنع القرار، في المقابل ترفض الحكومة السورية بشدة هذا الخيار، وتعتبره مدخلا "لتقسيم سوريا وتفتيتها".

ورغم توقيع اتفاق في مارس الماضي، بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد "قسد" فرهاد عبدي شاهين، يقضي بدمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة، وتأكيد وحدة الأراضي السورية، إلا أن هذا الاتفاق لم يحل دون وقوع خروقات متكررة.

وفي ظل هذا المشهد المعقد، تبدو جهود الوسطاء الدوليين، كالمملكة المتحدة وفرنسا، غير كافية لفك هذا الانسداد، كما أن موقف هذه الدول حيال معضلة النظام السياسي في سوريا لا يزال غامضا.

ويواجه الجيش السوري تحديات كبيرة في ضبط الأمن بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر الماضي، ويبقى الحفاظ على وحدة الأراضي السورية أولوية قصوى. في هذا الإطار، تتشابك التوترات الميدانية مع الصراعات السياسية، مما يجعل من الصعب التكهن بمسار الأحداث.

وتبقى الأطراف المتنازعة أمام تحد كبير في تجاوز خلافاتها الجوهرية والعودة إلى طاولة الحوار. ففي ظل هذا التصعيد، يواجه المشهد السوري خطر الانزلاق نحو مزيد من النزاعات التي قد تهدد استقرار البلاد.