تشكيليون كويتيون يستحضرون آثار بلادهم في معرض فني
الكويت - "آثار الكويت بالألوان" معرض تشكيلي استحضر فيه تشكيليون كويتيون آثار بلادهم عبر لوحات فنية وثّقت معالم الكويت وبعض آثارها المكتشفة خلال العقود الماضية، وفي مقدمتها “نقش إيكاروس” الذي جرى تسجيله ضمن سجل ذاكرة العالم بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في شهر أبريل الماضي.
المعرض الذي افتتحه الأمين العام للمجلس الوطني الكويتي للثقافة والفنون والآداب، الدكتور محمد خالد الجسار، في الثاني والعشرين من يوليو الجاري واستمر حتى السابع والعشرين من الشهر نفسه، أقيم ضمن فعاليات مهرجان صيفي ثقافي 17، وصاحبه عدد من الورش الفنية، وشارك فيه مجموعة متميزة من الفنانين التشكيليين الكويتيين، بينهم ثريا البقصمي، عبدالرضا باقر، علي النعمان، جاسم العمر، ابتسام العصفور، وليد الناشي، فواز الدويش، علي العوض، عبدالعزيز الخباز، منى الغربللي، جميلة حسين، فاطمة مراد، محمد السمحان، سهيلة العطية، منال العصفور، دلال ملك، سعاد الزيدي، محمد الرويح، سارة شير، وخديجة أبوالحسن.
وقد جاء المعرض في إطار الاحتفاء الكويتي بوضع حجر إيكاروس ضمن سجل ذاكرة العالم التابع لمنظمة اليونسكو، في إنجاز تاريخي يعكس التقدير الدولي للتراث الثقافي الكويتي.
وتضمنت الأعمال الفنية في المعرض مشاهد توثّق معالم فيلكا العمرانية والأثرية، من البيوت والأسواق والمباني الحكومية، إلى عناصر البيئة البحرية والزراعية، وطقوس الحياة اليومية القديمة، ما يجسد ثراء الجزيرة وعمقها الحضاري.
مشاهد توثق معالم فيلكا العمرانية والأثرية، من البيوت والأسواق والمباني الحكومية، إلى عناصر البيئة وطقوس الحياة اليومية
ومن بين المواقع التي تناولتها الأعمال الفنية: تل سعد، الذي يضم بقايا بيوت حجرية متقاربة، آبارًا ضحلة، وأفرانًا لحرق الفخار، بالإضافة إلى جرار وأختام دلمونية وتمثال ملكي طيني. كما وثّقت الأعمال استراحة الشيخ أحمد الجابر التي شُيّدت عام 1927، إضافة إلى تمثال يُعتقد أنه للإلهة “أفروديت”، وأختام دلمونية تعبّر عن الرموز الثقافية والدينية لحضارة دلمون.
وقد شاركت الفنانة ابتسام العصفور بخمس لوحات مستوحاة من جزيرة فيلكا، تعكس من خلالها الملامح الحضارية والإنسانية المتجذرة في تاريخ الجزيرة.
وقد تنوعت المشاركات في الأساليب والمضامين، حيث تناول الفنان علي النعمان موقع الخضر الأثري، وقدمت جميلة حسين مشاهد من مواقع أثرية ومسجدا قديما وتماثيل تاريخية، فيما عكست أعمال منى الغربللي رمزية الختم الدلموني وتمثالا لخروف. وقدم وليد الناشي عملا بأسلوب الكولاج، بأسلوب فني مميز.
وعبّر جاسم العمر في أعماله عن الأسواق والذكريات الشعبية لفيلكا، فيما قدّم محمد السمحان لوحات رمزية تستلهم الرموز الأثرية المكتشفة، ونفذ عبدالرضا باقر لوحة باستخدام السكين تجسّد إحدى نقع الجزيرة.
وفي مجال الخزف، تألق الفنانون بأعمال تُجسد الهوية الحضارية للجزيرة، حيث عرض فواز الدويش جرارا فخارية، وعملا يجمع بين حجر إيكاروس والسمكة كرمز لمهنة صيد الأسماك القديمة. وعبّر علي العوض عن آثار فيلكا بعمل متفرد، وقدمت سهيلة العطية عملا نسيجيا، بينما جسدت فاطمة مراد العلاقة بين الإنسان والإرث الحضاري في عمل رمزي.
كما شاركت سعاد الزيدي بعمل جمع بين رموز الآثار المكتشفة، وقدّمت سارة شير لوحة تمثّل مركبا شراعيا يرمز للحياة البحرية.
وقالت الفنانة التشكيلية الكويتية ابتسام العصفور، إحدى المشاركات بالمعرض، إن هذا المعرض هو الثالث الذي ينظمه المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب حول جزيرة فيلكا، بعد معرض “آثار وزوايا تشكيلية” بجزئه الأول عام 2018، والثاني في عام 2019، ويأتي المعرض الحالي استكمالا لهذا المسار الفني الذي يهدف إلى توثيق الجزيرة وتسليط الضوء على مكانتها التاريخية في وجدان الكويت.
وتضم دولة الكويت عددًا من المواقع والآثار التاريخية التي تعكس عمق تاريخها وتراثها الثقافي، رغم طابعها الحديث. من أبرز هذه الآثار جزيرة فيلكا، وآثار يونانية من عهد الإسكندر الأكبر، مما يجعلها من أهم المواقع الأثرية في الخليج العربي. كما توجد قلعة الكوت في وسط مدينة الكويت، التي تعود إلى القرن الـ18، وتُعد من الشواهد الباقية على التاريخ الدفاعي للكويت. إلى جانب ذلك، تحوي الكويت العديد من المتاحف التي تعرض آثارًا ومقتنيات تاريخية مهمة، مثل متحف الكويت الوطني وبيت البدر، اللذين يبرزان مظاهر الحياة الكويتية القديمة والتراث الشعبي. تسهم هذه الآثار في تعزيز الهوية الوطنية وربط الحاضر بجذور الماضي العريق، وتلقي بثقلها الكبير على الحراك التشكيلي حيث تؤثر في أعمال أغلب الفنانين الكويتيين.
يُذكر أن حجر إيكاروس، هو لوحة حجرية جيرية هلنستية، اكتُشفت عام 1960 في جزيرة فيلكا بدولة الكويت، وتحديدًا في موقع “فيلكا” المعروف تاريخيًا باسم إيكاروس في العهد اليوناني الهلنستي.
ويحتوي ذلك النقش على 44 سطرًا باللغة اليونانية القديمة، يُترجم إلى رسالة موجهة إلى سكان الجزيرة، تتضمن أوامر إدارية ودينية واجتماعية واقتصادية.
ويُعد هذا النقش الوثيقة الكاملة الوحيدة من نوعها المكتشفة في الكويت والمنطقة المحيطة بها. كما أنه دليل واضح على أن جزيرة فيلكا كانت تُعرف باسم “إيكاروس” خلال العهد الهلنستي، ويؤكد على مكانتها كمركز تجاري وثقافي مهم في تلك الفترة.
ويُبرز النقش مدى التنظيم الإداري والاقتصادي الذي ساد الجزيرة آنذاك، ويعكس تأثير الحضارة اليونانية في منطقة الخليج العربي.
وحجر إيكاروس معروض ضمن مقتنيات المتحف الوطني الكويتي، وقد شارك سابقا في إكسبو 2020 دبي، حيث جذب أنظار الزوار كواحد من أبرز الشواهد على التاريخ العريق للكويت.