تشدّد واشنطن إزاء نفوذ الميليشيات في العراق يصعّب تكرار تجربة الإطار التنسيقي
مشاركة الفصائل المسلّحة والأحزاب ذات الصلة بها في الاستحقاقات الانتخابية ظاهرة مستقرة تمارس بأريحية في العراق على الرغم من مخالفتها الصريحة للقانون وما تشكله من انتقاص في نزاهة العمليات الانتخابية وشرعية مخرجاتها، لكن تلك المشاركة قد لا تمرّ في انتخابات نوفمبر القادم بذات السلاسة بسبب وقوع الفصائل ذاتها، أكثر من أيّ وقت مضى، تحت مجهر الملاحظة الأميركية.
بغداد- تثير الصرامة الأميركية إزاء نفوذ الفصائل المسلحة والقوى السياسية المرتبطة بها الأسئلة بشأن إمكانية تكرار تجربة الإطار التنسيقي أو تشكيل أيّ إطار آخر جامع لتلك القوى بعد الانتخابات البرلمانية المقررة في العراق لشهر نوفمبر القادم ليكون منصّة للحفاظ على هيمنة الأحزاب والميليشيات الشيعية على مقاليد الحكم في البلد.
وتبدي أوساط سياسية مقرّبة من تلك الأحزاب والفصائل تخوّفاتها من أن توسع الولايات المتحدة نطاق الرفض الذي أظهرته لهيمنة الميليشيات على المشهد الأمني من خلال اعتراضها الشديد على تمرير قانون الحشد الشعبي والذي انتهى في الأخير باستجابة حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لها وسحبه من مجلس النواب، ليشمل ذلك الرفض تجديد هيمنة القوى ذاتها على مقاليد الحكم عبر التجمّع مجدّدا في إطار سياسي يوحّد كلمتها بشأن تشكيل حكومة جديدة إثر الانتخابات ويقلّص من دور خصومها ومنافسيها، وهو ما قامت به عدّة أحزاب وفصائل شيعية مسلحة إثر الانتخابات الأخيرة التي جرت في أكتوبر 2021 عندما شكلت الإطار التنسيقي بهدف سحب امتياز تشكيل الحكومة من يد تيار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الفائز في تلك الانتخابات.
ويرصد متابعون للشأن العراقي وجود انتباهة أميركية لدور القوى الشيعية الموالية لإيران في حكم العراق والسيطرة على مشهده السياسي والاقتصادي والأمني، وعزم من إدارة الرئيس دونالد ترامب على التقليص من ذلك الدور بدءا بمنع مزيد تغلغل الميليشيات واختراقها للمؤسسة الأمنية، ما سيجعل من المنطقي أن ترفض واشنطن تغلغلها في المؤسسات السياسية ومشاركتها بفاعلية في تشكيل الحكومة وصياغة توجهاتها وقراراتها.
◄ من أبرز القوى المرشحة لخوض الانتخابات ميليشيا عصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي القيادي في الإطار التنسيقي
ومن شأن أيّ ضغوط أميركية على السلطات العراقية لتقليص دور الميليشيات والأحزاب المرتبطة بها في تشكيل الحكومة التي ستنبثق عن انتخابات نوفمبر القادم أن تغلق الباب أمام تكرار تجربة الإطار التنسيقي.
وتتحدّث أوساط سياسية عراقية من وجود مخاوف لدى بغداد من أن تصل ضغوط إدارة ترامب حدّ عدم اعتراف واشنطن بشرعية الانتخابات ونتائجها ورفض التعامل مع أيّ حكومة تنتج عنها ويشارك فيها الحشد الشعبي الذي باتت واشنطن تشير إليه بالبنان كهيكل غير شرعي مسقط على مؤسسات الدولة العراقية.
ويمتلك الحشد وعاء سياسيا يمثله في البرلمان والحكومة تحت مسمّى تحالف الفتح.
وقال مصدر نيابي عراقي طالبا عدم التصريح بهويته إنّ الإدارة الأميركية نقلت بالفعل، ومن خلال قنواتها الدبلوماسية، لرئيس الوزراء قلقها من مشاركة فصائل مسلحة وأحزاب مرتبطة بها في الانتخابات القادمة الأمر الذي تعتبره واشنطن إخلالا بنزاهة العملية الانتخابية وتكافؤ فرص المنافسة فيها نظرا إلى ما تمتلكه تلك القوى من وسائل للضغط أحدها سلاحها، فضلا عن نفوذها السياسي وقدراتها المالية.
وتخالف مشاركة الميليشيات في الانتخابات قانونا عراقيا تم إقراره منذ عشر سنوات ويحمل الرقم ستة وثلاثين وينص بشكل صريح على حظر مشاركة الأحزاب التي تمتلك أجنحة مسلحة في العملية السياسية دون أن يجد طريقه إلى التطبيق، حيث ما تزال تلك الفصائل والأحزاب عنصرا أساسيا في الاستحقاقات الانتخابية ومرشحة رئيسية للفوز فيها وهو ما ينطبق على الانتخابات القادمة التي ستشارك فيها ميليشيات بشكل مباشر أو بطريقة مقنّعة من خلال دعم قوائم تابعة لها ولا تحمل اسمها.
ومن أبرز القوى المرشحة لخوض الانتخابات ميليشيا عصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي القيادي في الإطار التنسيقي ومنظمة بدر بزعامة هادي العامري القيادي أيضا في الإطار نفسه.
وتدرك بعض تلك القوى التي باتت إلى جانب خبرتها الأمنية تمتلك تجربة سياسية تأتّت لها من طول مشاركتها بشكل رئيسي في حكم البلد منذ أكثر من عقدين أنّها تقع تحت مجهر الملاحظة الأميركية، وأصبحت تبعا لذلك تتوخى المرونة وتنسّق قدر الإمكان مع رئيس الوزراء على تجنّب استثارة غضب إدارة ترامب وما يمكن أن يجلبه ذلك من تعقيدات سياسية ومصاعب اقتصادية للعراق ستنتهي في الأخير بالتأثير على أوضاع تلك القوى ذاتها المستفيدة من موارد البلد وثرواته.
وعلى هذه الخلفية تجنّبت القوى المشكّلة للإطار التنسيقي الشيعي فتح صراع جانبي ضدّ الولايات المتحدة في فترة المسير نحو الانتخابات البرلمانية، وأظهرت مرونة لم تكن متوقّعة إزاء القرار الحكومي بسحب قانون الحشد الشعبي من المناقشة في مجلس النواب تمهيدا لإقراره وذلك بعد أن كانت القوى ذاتها قد وقفت وراء محاولة إقرار القانون ودافعت عنه بشدّة وشراسة.
وكما تثير مشاركة الميليشيات في الانتخابات ريبة الشركاء الدوليين للعراق، فإنها تثير بنفس القدر امتعاض دوائر سياسية عراقية ونشطاء مدنيين وحقوقيين يرون في تلك المشاركة انتقاصا من نزاهة العملية الانتخابية وتأثيرا مسبقا على نتائجها وتوجيها لها نحو تأبيد نفوذ قوى غير دستورية ومنعا لأيّ تغيير ممكن في وجهة الحكم وطبيعته.
واشنطن المعترضة بشدة على تغلغل الحشد في المؤسسة الأمنية الرسمية ستكون أكثر اعتراضا على اختراقه للحكومة القادمة
وسجلت قوى مدنية موقفها الرافض لمشاركة الميليشيات في الاستحقاق الانتخابي من خلال رفعها دعوى قضائية ضدّ الأحزاب التي تمتلك أجنحة مسلحة وتم قبول ترشحاتها لانتخابات نوفمبر بشكل رسمي.
وتضمنت لائحة الدعوى معلومات تفصيلية عن الميليشيات المسلحة التي تشارك بواجهات سياسية، إلى جانب وثائق وصور ومقاطع مرئية توثق الأنشطة العسكرية لهذه التشكيلات، ما يجعلها بعيدة عن أيّ إطار سياسي مدني.
وتُظهر أوراق الدعوى التي نشرت محتواها وسائل إعلام محلية وتقدم بها تجمع الاستقلال العراقي تفاصيل عن تسجيل تلك الأحزاب في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات رغم امتلاكها ميليشيات مسلحة وهو ما يعد مخالفة صريحة للدستور العراقي وقانون الأحزاب السياسية رقم ستة وثلاثين لسنة 2015 والذي نص بشكل واضح على عدم جواز مشاركة أيّ حزب لديه تشكيلات عسكرية أو يرتبط بجهات خارجية.