تحولات الزراعة في ظل التغير المناخي والجفاف في العراق

ملوحة شط العرب تدفع مزارعي البصرة إلى الصحراء.
الثلاثاء 2025/08/05
النخيل يهاجر غربا

تتسبب ملوحة شط العرب والجفاف في هجرة مزارعي البصرة إلى المناطق الصحراوية غرب المدينة، حيث توفر المياه الجوفية بديلا أكثر استقرارا بعد أن تراجعت إنتاجية النخيل في المناطق القريبة من النهر، ويأتي هذا التحول وسط أزمة مائية متفاقمة تهدد الأمن المائي في العراق، نتيجة انخفاض تدفقات نهري دجلة والفرات، وتراجع الخزين المائي، وغياب التعاون من دول المنبع، مما دفع السلطات إلى تقليص النشاط الزراعي.

البصرة (العراق) - تجبر الملوحة المتزايدة في مجرى شط العرب المائي في العراق المزارعين على هجر أراضيهم الزراعية والانتقال إلى مناطق صحراوية في غرب البصرة، حيث توفر المياه الجوفية بديلاً أكثر استقرارًا. تعتمد البصرة بشكل أساسي على مجرى شط العرب والمياه القادمة من نهر دجلة عبر نهر الغراف وقناة اصطناعية حفرت عام 1997. لكن مع انخفاض تدفقات المياه من المنبع، وتفاقم المشكلة بسبب الجفاف وإقامة مشروعات سدود عند المنبع، ومعظمها في تركيا، تدفقت مياه البحر من الخليج إلى شط العرب، مما رفع نسبة الملوحة إلى مستويات غير مسبوقة.

ونقل المزارع عبدالواحد أمين الشاوي (51 عامًا) مزرعته عام 2010 من أبي الخصيب في شرق البصرة على مجرى شط العرب إلى منطقة الشعيبة الصحراوية غرب المدينة. وذكر الشاوي أن الإنتاج وفير الآن، ويصل إلى طن يوميا في ذروة الموسم، بسبب عوامل بيئية ولوجستية.

وقال “المدّ الملحي الذي وصل إلى أبي الخصيب عام 2018 كان من أبرز الأسباب التي أدّت إلى تملّح الأرض، مما دفعنا إلى اللجوء إلى المياه الجوفية. وبشكل عام، مياه الآبار تُعدّ مستقرة؛ لا تزداد ولا تنقص، كما أن نوعيتها لا تتغير”.

وأضاف “في أبي الخصيب، لم أكن أملك سوى مئة نخلة، وكنت أعمل فيها طوال اليوم دون أن تغطي مصاريفها، وكانت أرباحها ضئيلة. ثم جاء المدّ الملحي الذي أضعف النخيل بشكل عام، ولم تكن هناك مساحة كافية لزراعة كثافة أكبر، فاتجهت إلى المناطق الصحراوية. كنت أملك مئة نخلة، أما الآن فلدي أربعة آلاف نخلة تعود لملكي، وأشرف على ستة آلاف أخرى. الإنتاج وفير، والصحراء توفر مساحة واسعة للحركة والآليات، كما أنها أسهل من أبي الخصيب من حيث نقل الأسمدة، وتوفير العمالة، وتشغيل المعدات، وكل ذلك بتكلفة أقل”.

الأمن المائي في خطر
الأمن المائي في خطر

وظل مزارعون آخرون، مثل يالي سالم ثجيل، بالقرب من النهر، وانخفض إنتاج مزارعهم .  وقال ثجيل، الذي باتت مزرعته مدمرة الآن لأنها تُروى بقنوات متصلة بشط العرب، إن محصوله من التمور انخفض من حوالي 3800 كيلوغرام في موسمي 2022 و2023 إلى حوالي 1200 كيلوغرام في موسم هذا العام.

وأردف قائلا “هذه المياه هي مياه آبار، أي مياه جوفية تُعدّ بديلاً لمياه شط العرب، وهي مياه عذبة صالحة للزراعة. ولو تمت تنقيتها من المعادن والكبريت، لأصبحت صالحة للشرب أيضًا. ويمكن القول إنها من أعذب المياه الموجودة في البصرة، والدليل على ذلك جودة الإنتاج الذي وثّقناه ورأيناه؛ فهي تمنح النخيل خشونة وطعمًا ورائحة مميزة، والنخيل، ما شاء الله، ممتاز جدًا”.

وأضاف “كانت المياه تصلنا من شط العرب مرورًا بشط حمدان ثم الحنتوشية، ومنها يتفرع إلينا مجرى، أما الآن فلا توجد مياه، والمياه المتوفرة مالحة وغير صالحة للاستخدام، إذ بلغت نسبة الملوحة 33، فلا نخلة تقبلها ولا شجرة. انظر إلى هذا النخل، فقد أصبح ضعيفًا بسبب المياه المالحة… سننتظر فصل الشتاء، في شهري نوفمبر أو ديسمبر، فإن جاء المطر تحسّن الوضع، وإن لم يأتِ فستبقى الحال كما هي”.

وذكر مدير قسم النخيل في مديرية زراعة البصرة جاسم محمد ضمد أن العديد من المزارعين يعتمدون الآن على المياه الجوفية معتدلة الملوحة وعلى الري بالتنقيط لإدارة استخدام المياه.  وأضاف “الكثير من المزارعين الذين كانوا يسكنون في شط العرب وعلى ضفافه بدأوا ينشئون مزارع خارج المدينة، في مناطق الزبير وسفوان وكذلك أبي الخصيب، عن طريق المياه الجوفية المتوفرة، حيث إن بعض الآبار تحتوي على مياه ذات نسبة ملوحة منخفضة، تصل إلى 2000 أو 3000 ملي موز (وحدة قياس). وهذه المياه يمكن أن تكون مناسبة للزراعة، خاصة عند استخدام التقنيات الحديثة مثل الري بالتنقيط، التي تسهم في ترشيد استخدام المياه وتقليل الهدر. وهذا يعود بالنفع على المزارع، سواء في زراعة النخيل أو في الزراعات البينية التي تُزرع بين أشجار النخيل”.

ويأتي هذا التحول وسط مخاوف أكبر بشأن الأمن المائي في العراق، إذ أصبح اعتماد البلاد على نهري دجلة والفرات غير مستقر في السنوات القليلة الماضية.

استمرار تناقص الإيرادات المائية وعدم تعاون دول المنبع سيؤديان إلى تفاقم أزمة المياه وسيشكلان خطرا على الأمن المائي في البلاد
استمرار تناقص الإيرادات المائية وعدم تعاون دول المنبع سيؤديان إلى تفاقم أزمة المياه وسيشكلان خطرا على الأمن المائي في البلاد

وأكدت وزارة الموارد المائية الخميس أن “حالة الجفاف التي يتعرض لها العراق تعود إلى قلة تساقط الأمطار وقلة الإيرادات المائية من دول المنبع”. وحذّرت من أن “استمرار تناقص الإيرادات المائية وعدم تعاون دول المنبع سيؤديان إلى تفاقم أزمة المياه وسيشكّلان خطرا على الأمن المائي في البلاد”. ولفتت إلى أن “الخزين المائي في السدود والخزانات يشكّل في الوقت الحاضر 8 في المئة من الطاقة الخزنية”، بتراجع نسبته 57 في المئة مقارنة بالعام الماضي.

وكان مخزون المياه في العراق في أدنى مستوياته منذ 80 عاما بحلول نهاية مايو، بسبب موسم الأمطار الضعيف للغاية وتراجع تدفق نهري دجلة والفرات، حسبما قال المتحدث باسم وزارة الموارد المائية خالد شمال.

وانخفضت كمية المياه في النهرين بشكل حاد، وتفاقمت المشكلة بسبب السدود التي أُقيمت على المنبع، ومعظمها في تركيا. وفي محافظة الديوانية جنوبًا، احتجّ السكان في الأسابيع الأخيرة على النقص المزمن في المياه، وطالبوا الحكومة بمعالجة مشكلة ندرة المياه التي تؤثر على إمدادات الشرب والزراعة.

وقد أجبر شحّ المياه العديد من المزارعين في العراق على التوقف عن زراعة أراضيهم، فيما قلّصت السلطات النشاط الزراعي بشكل كبير لضمان إمدادات كافية من مياه الشرب.

16