تحرك برلماني عراقي لكسر إرادة الإطار بعدم ترحيل قانون الحشد الشعبي
بغداد - كشف عضو مجلس النواب العراقي حسن الأسدي، اليوم الخميس، عن وجود توجه لإقرار قانون الحشد الشعبي بعد الزيارة الأربعينية، في خطوة قد تُثير أزمة دبلوماسية وسياسية مع واشنطن.
ويأتي هذا الإعلان على الرغم من اعتراض أميركي رسمي وتوجه من قادة في الإطار التنسيقي لترحيله للدورة النيابية المقبلة في ظل الخلافات الداخلية.
وأكد الأسدي، في تصريح لوكالة شفق نيوز، أن "قانون الحشد الشعبي تم الانتهاء من قراءته الأولى والثانية داخل البرلمان، وهو يُعنى بتنظيم الهيكل الإداري للمؤسسة، ويُنتظر إدراجه في جدول الأعمال للتصويت عليه بعد الزيارة الأربعينية".
وأبرز الأسدي موقفا حاسما رافضا للتدخل الخارجي، قائلا "نرفض بشكل قاطع أي تدخل خارجي في مسار تشريع القوانين، سواء من قبل الولايات المتحدة أو غيرها".
ويُظهر هذا الموقف أن بعض القوى السياسية العراقية مصممة على المضي قدما في تشريع القانون، حيث اعتبر الأسدي الحشد الشعبي "مؤسسة عسكرية حكومية رسمية تابعة للقائد العام للقوات المسلحة".
وأشار الأسدي، وهو عضو كتلة النهج الوطني المنضوية في الإطار التنسيقي، إلى أن "هناك قانونا آخر يخص الخدمة والتقاعد في الحشد الشعبي، وقد أُعيد إلى مجلس الوزراء لغرض التعديل عليه، ولم يصل حتى الآن إلى مجلس النواب"، مبينا أن "التأخير في التصويت لا يتعلق بالحشد نفسه، بل بخلافات سياسية داخلية لا تمت للمؤسسة بصلة". وأكد أن "هناك نية للتصويت على القانون عند إدراجه".
وتتزايد العقبات أمام تمرير التعديلات الجديدة على قانون الحشد الشعبي، في ظل ترجيحات نيابية بترحيل القانون إلى الدورة المقبلة، بسبب ما يواجهه من رفض داخلي وخارجي، مع سعي رئاسة البرلمان للحفاظ على جلسات البرلمان بعيدا عن القوانين المثيرة للجدل التي غالبا ما تتسبب بتعطيل الجلسات.
وكشف مصدر سياسي مطلع لوكالة شفق نيوز، أن قانون الحشد الشعبي، الذي كان من المقرر التصويت عليه خلال الدورة النيابية الحالية، سيُرحّل بسبب استمرار الخلافات بين القوى السياسية، وخصوصاً داخل المكون الشيعي، بشأن هيكلية الحشد ودوره المستقبلي.
وأوضح المصدر أن "الصيغة الحالية للقانون تهدف إلى دمج الحشد كجزء لا يتجزأ من المؤسسة العسكرية الرسمية، مع قيادة عسكرية متدرجة في الرتبة، ما ترفضه بعض الأطراف النافذة في الحشد"، مضيفا أن "التوافق السياسي لم يتحقق حتى الآن، وقد يتم اللجوء إلى مبدأ تبادل المصالح والمكاسب لتمريره لاحقاً".
وتتقاطع مسارات التشريع مع اقتراب الانتخابات، في وقت تمارس فيه الولايات المتحدة، ضغوطا مباشرة تطالب بعدم تمريره بصيغته الحالية، ومع عجز هيئة الرئاسة عن حسم إدراجه على جدول الأعمال، يبقى القانون عالقا بين التجاذبات المحلية والحسابات الدولية.
ويأتي إصرار بعض النواب العراقيين على إقرار القانون في ظل تصريحات أميركية رسمية قوية، حيث أكدت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، تامي بروس، في تصريح خاص لوكالة شفق نيوز، أن واشنطن "تدعم سيادة عراقية حقيقية، لا تشريعات تُحوّل العراق إلى دولة تابعة لإيران"
وحذرت بروس من أن أي قانون يُقوّض المؤسسات الأمنية الرسمية "يتعارض مع أهداف المساعدة الأمنية الثنائية بين البلدين" في إشارة لقانون الحشد الشعبي، كما لوّحت بفرض عقوبات قائلة إن واشنطن "ستواصل اتخاذ إجراءات مناسبة ضد مؤسسات مالية تقدم خدمات لجماعات مصنفة إرهابية".
وتخشى الولايات المتحدة من أن يكرس القانون المقترح وضع الحشد الشعبي كقوة مستقلة عن الجيش العراقي، ويمنح شرعية لفصائل مصنفة أميركيا كجماعات إرهابية. وقد نقل مسؤولون أميركيون هذه المخاوف إلى الحكومة العراقية خلال محادثات ثنائية في الأسابيع الماضية، مطالبين بـ"حصر سلاح الفصائل" ومحذرين من "تدخل دولي يحسم مصير هذا السلاح في حال فشل السوداني في حسمه".
وكان رئيس البرلمان، محمود المشهداني، كشف في 14 يوليو الماضي، عن رسائل أميركية رافضة لتمرير قانون الحشد، محذرا من تظاهرات قد تشهدها المدن العراقية خلال الفترة المقبلة، مما سيدفع البلاد إلى إعلان "حكومة طوارئ".
وأنشئ الحشد الشعبي بالاستناد إلى فتوى دينية من المرجع الشيعي العراقي علي السيستاني سنة 2014 لمواجهة تنظيم داعش الذي غزا آنذاك مساحات شاسعة من العراق وسيطر عليها، وانضمت عدة ميليشيات شيعية عراقية قوية، مدعومة من إيران، إلى صفوفه بعد فترة وجيزة، وكان بعضها يقاتل إلى جانب قوات الرئيس السابق بشار الأسد في الحرب الأهلية السورية.
وقاتلت قوات الحشد الشعبي بالتوازي مع الجيش العراقي، الذي تلقى مساعدة من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش. واتُّهمت العديد من فصائلها بانتهاك حقوق الإنسان للمدنيين، وهو ما أقرته الحكومة وقوات الحشد الشعبي بأنها "أفعال فردية".
وفي عام 2020، جرت معادلة راتب عنصر "الحشد الشعبي" برواتب الجنود في الجيش العراقي البالغ واحدها مليونا و250 ألف دينار، أي ما يعادل قرابة ألف دولار شهريا، إلى جانب منحهم المخصصات نفسها المتعلقة بالسكن وغيرها، مع تأكيد توزيعهم وفقاً لنظام الألوية العسكرية. لكن عمليا، ما زال كل فصيل مسلح في الحشد يحافظ على اسمه وعناصره وارتباطاته السياسية والعقائدية، فضلا عن تقاسم مناطق النفوذ والوجود بين مختلف المحافظات التي ينتشر فيها.
وكان البرلمان العراقي قد أقر قانون الحشد الشعبي لأول مرة عام 2016، لكنه كان يفتقر إلى تفاصيل تنظيمية وهيكلية، فيما يُنظر إلى التعديلات الحالية على أنها محاولة لإعادة صياغة دور الحشد ضمن المؤسسات الأمنية الرسمية في البلاد.
ويمر العراق بمرحلة حساسة مع اقتراب تمرير قانون الحشد الشعبي المعدل، الذي يُتوقع أن يُلقي بظلاله على استقرار البلاد وعلاقاتها الخارجية على حد سواء. فداخليا، قد يؤدي هذا القانون، رغم ما يحمله من نية لدمج الحشد في المؤسسات الرسمية، إلى ترسيخ نفوذ الفصائل المسلحة المدعومة من إيران.
وهذا التثبيت المحتمل قد يضعف بشكل كبير سلطة الدولة المركزية، ويعرقل جهود بناء جيش وطني موحد وفعال، مما قد يزيد من حدة الانقسامات الداخلية، خاصة مع استمرار الحشد في الاحتفاظ بهياكله المستقلة وارتباطاته العقائدية. علاوة على ذلك، فإن الشرعية التي قد يمنحها القانون لبعض الفصائل المتهمة بانتهاكات حقوق الإنسان قد تُثير استياء شعبيا واسعا، ما قد يُفضي إلى تجدد الاحتجاجات التي تُهدد الاستقرار السياسي، وهو ما حذر منه رئيس البرلمان.