تحذير في العراق من حملات انتخابية مهدّدة للسلم الأهلي

ائتلاف النصر يحذر من تصاعد ظاهرة الدعاية الطائفية واستغلال المال السياسي وموارد الدولة في الحملات الانتخابية.
الأحد 2025/10/05
الدعاية مشروعة طالما التزمت بالأخلاقيات والضوابط

بغداد - تضفي أهمية الرهان في الانتخابات البرلمانية التي ستُجرى في العراق خلال شهر نوفمبر القادم حالة من الحرارة الزائدة على الحملة الانتخابية وسط تحذيرات من انزلاق الحماس المبالغ فيه خلال الحملة التي انطلقت رسميا أواخر الأسبوع الماضي إلى ممارسات غير مشروعة مهددة للاستقرار الهش في البلاد ولسلمها الأهلي وتعايش مكوناتها الدينية والعرقية والمتعدّدة.

ويدفع نحو إثارة هذه المخاوف الحماس الشديد والرغبة الجامحة لدى عدد من القوى السياسية والشخصيات الفاعلة في المشهد في الفوز بالاستحقاق بأي ثمن كما لو أنّ الأمر يتعلق بقضية حياة أو موت بالنسبة إليها.

وكثيرا ما تترافق مساعي الأحزاب والسياسيين في العراق للوصول إلى السلطة أو للحفاظ على مواقعهم فيها عن طريق الاستحقاقات الانتخابية بحملات شرسة لإسقاط الخصوم وتشويههم قد تُستدعى خلالها الاعتبارات الأخلاقية والدينية والطائفية الأمر الذي يفسّر التوترات التي تنشأ عادة على هامش تلك الحملات.

وصدرت بعض التحذيرات من التوتير الانتخابي عن شخصيات عراقية وازنة وذات إلمام بشؤون البلاد انطلاقا من مواقعها الحالية أو السابقة في السلطة على غرار رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي وائتلافه السياسي المعروف باسم ائتلاف النصر.

وحذّر الائتلاف المذكور من تصاعد ظاهرة الدعاية الطائفية واستغلال المال السياسي وموارد الدولة في الحملات الانتخابية، معتبرا أن هذه الممارسات تمثل أبرز وأخطر التحديات التي تواجه نزاهة الانتخابات البرلمانية المقبلة.

وانطلقت، الجمعة الماضية، في العراق الحملات الانتخابية للمرشحين لانتخابات نوفمبر القادم وسط غلبة واضحة للمقدرات المالية والمكانة السياسية للكيانات والأفراد وامتلاكهم لمنابر الدعاية وقدراتهم على التسويق الأقرب إلى الإعلانات التجارية على حساب الأفكار والبرامج المتمايزة عن بعضها البعض.

وتعاني المناسبات الانتخابية في العراق سواء منها البرلمانية أو المحلية من حالة من النمطية العائدة إلى هيمنة قوى بعينها على المشهد السياسي منذ أكثر من عقدين الأمر الذي يجعل نتائج الانتخابات شبه محسومة لمصلحتها مع تعديلات جزئية في الوجوه بعيدا عن إمكانية إحداث تغييرات مهمة في نمط الحكم وسياسات الدولة.

عقيل الرديني: الدعاية الطائفية حاضرة بشكل بشع في حملات بعض المرشحين
عقيل الرديني: الدعاية الطائفية حاضرة بشكل بشع في حملات بعض المرشحين

وتسببت تلك النمطية في تآكل أهمية الاستحقاقات الانتخابية لدى جمهور الناخبين ما جعل الانتخابات القادمة مهدّدة بحالة غير مسبوقة من العزوف الانتخابي الأمر الذي أدخل محاولة إقناع العراقيين بالإقبال على الاقتراع كعنصر في حملات المرشحين. وسارع المرشحون والأحزاب والتحالفات السياسية، منذ بدء الحملة إلى تعليق الملصقات واليافطات وصور المرشحين، في مشهد اعتاد عليه العراقيون قبيل كل موسم انتخابي، استعدادا للدورة الجديدة التي ستفضي إلى تشكيل برلمان جديد للسنوات الأربع المقبلة.

كما شرعت مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة في تخصيص مساحات واسعة من بثها للتعريف بالمرشحين وبرامجهم الانتخابية، ونشر صورهم مرفقة بأرقام قوائمهم وتسلسلاتهم بهدف جذب الناخبين. 

وطالبت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق جميع المتنافسين بالتقيد بلوائح الدعاية الانتخابية. وشددت على ضرورة عدم استخدام أفكار تدعو إلى إثارة العنف أو الكراهية أو النعرات القومية أو الدينية أو الطائفية أو التكفيرية أو القبلية أو الإقليمية، سواء عبر الشعارات أو الصور أو الخطابات أو وسائل الإعلام المختلفة أو أي وسيلة أخرى.

ونقلت وكالة شفق نيوز الإخبارية عن عقيل الرديني المتحدث باسم ائتلاف العبادي إن “انطلاق الدعاية الانتخابية كشف عن وجود تفاوت كبير بين المرشحين، إذ لا توجد معايير موحدة أو إمكانيات متكافئة للجميع، فبعض الأحزاب تدعم مرشحيها بقوة المال والنفوذ، فيما يفتقر آخرون إلى أبسط وسائل الدعم، حتى بات استخدام المال السياسي والدعاية الطائفية يتم بشكل بشع وواضح في بعض الحملات“.

وأضاف الرديني أن “هذه الأساليب الانتخابية لا تنسجم مع مبادئ الديمقراطية، وتشكل خطرا على وحدة المجتمع والسلم الأهلي، ما يستدعي من المفوضية العليا المستقلة للانتخابات التصدي الحازم لأي خطاب طائفي أو تمييزي يُستخدم في الدعاية الانتخابية“. وأوضح أن “هناك مرشحين لا يمتلكون مناصب حكومية ولا يستخدمون المال العام، في حين أن آخرين يوظفون إمكانيات الدولة ومواقعهم الرسمية لخدمة حملاتهم، ما يفقد العملية الانتخابية توازنها وعدالتها“.

وشدد المتحدث باسم ائتلاف النصر على ضرورة “مراقبة الحكومة والمفوضية لجميع الجهات التي تستخدم أموال الدولة أو مواردها أو الخطابات الطائفية في الانتخابات، لما يمثله ذلك من مخالفة صريحة للقانون ويقوض ثقة المواطن بالدولة ومؤسساتها“.

وأضاف أن وجود وسائل التواصل الاجتماعي ووفرة المنابر التي يسهل الوصول إليها يمثلان عامل تسخين آخر للحملات الانتخابية في العراق، لكنه ضاعف من المحاذير المصاحبة لها، حيث ثبت عمليا وجود حالة من عدم الانضباط في استخدام تلك الوسائل التي سهلت الوصول إلى الجمهور العريض ومخاطبته بشكل مباشر.

وعلى الرغم من صرامة الضوابط التي تحاول مفوضية الانتخابات فرضها إلاّ أنّ الالتزام بها يظل نسبيا إلى حدّ كبير حيث لم تخل الحملات الانتخابية لدورات سابقة من تجاوزات كبيرة نظرا إلى كون الكثير من المرشحين يتمتعون بقوة نفوذ وتمكّن داخل مؤسسات الدولة تجعلهم بمنأى عن العقوبات المحتملة.

وكثيرا ما حمل إسراف بعض السياسيين العراقيين في الإنفاق على حملاتهم الدعائية شبهات فساد وهدر لأموال الدولة. وتتحدّث مصادر مطلعة على كواليس القوى السياسية وتحركات بعض أبرز المرشحين لانتخابات نوفمبر القادم عن تخصيص تلك قوى وشخصيات متنفذة لأغلفة مالية ضخمة تفوق ما كانت قد أنفقته في مناسبات انتخابية سابقة.

وتفسّر ذات المصادر الظاهرة بالأهمية الاستثنائية التي يكتسيها الاستحقاق الذي سيكون رهانه بقاء القوى التي قادت العراق منذ ما بعد 2003 في السلطة بعد أن ظهرت مستجدّات محلية وإقليمية ودولية تفتح على إمكانية التغيير، من بينها تغير مزاج الناخبين وتضاؤل ثقتهم في من قادوا تجربة الحكم إلى حدّ الآن، وضغط قوى خارجية من بينها الولايات المتحدة باتجاه تقليص نفوذ الميليشيات المسلحة والأحزاب ذات الصلة بها.