بعد عامين من الصراع: نساء غزة أظهرن صمودا عميقا في مواجهة أعباء ثقيلة
غزة ـ وجدت النساء أنفسهن في صدارة مشهد الأزمة الإنسانية، على مدار عامين من الحرب المستمرة في قطاع غزة، يتحملن أعباء أثقل بين فقدان منازلهن وروتين حياتهن المعتاد من رعاية الأطفال وتأمين الاحتياجات الأساسية، خاصة بالنسبة إلى اللواتي فقدن أزواجهن أثناء الحرب.
وفي أحد مخيمات اللجوء المقامة في مدينة دير البلح وسط القطاع، جلست جنين محمود البالغة من العمر 27 عاما بجوار خيمتها وهي تهدهد طفلها الصغير بينما توقد نارا من الحطب لإعداد بعض الطعام لعائلتها.
وتقول جنين إن حياتها تغيرت بالكامل منذ بدء الحرب، حيث بات معظم وقتها مكرسا لتأمين الحد الأدنى من الطعام ورعاية طفلها.
وبالنسبة إلى جنين، التي تزوجت وأنجبت خلال الحرب، فإن أصعب ما تواجهه الأمهات هو العجز أمام أطفالهن في ظل انعدام الدواء والطعام.
وخلال العامين الماضيين، فقدت جنين منزلها وأحلامها بإكمال دراستها الجامعية في كلية التجارة تخصص محاسبة. وقالت “كنت أحلم بأن أصبح معلمة وأن أبني مستقبلا أفضل لي ولعائلتي، لكن كل ذلك انهار مع بداية الحرب.”
وبحسب تقارير صادرة عن وزارة التربية والتعليم في غزة، فإن الآلاف من الطالبات اضطررن لترك مقاعد الدراسة خلال الحرب، إما بسبب النزوح، أو لاضطرارهن إلى مساعدة أسرهن في تدبير شؤون الحياة اليومية.

وفي غزة، حيث الحرب لا تهدأ، توقفت أحلام قبل أن تبدأ لنساء كنّ يسعين لتحقيق مستقبل واعد، لكن القصف والدمار أغلقا الأبواب أمام التعليم والعمل، وتركا الآلاف من النساء في مواجهة واقع قاسٍ لا يعترف بطموحاتهن.
ووفقًا لتقرير الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن نسبة البطالة بين النساء في غزة تجاوزت 85 في المئة بسبب الحرب، حيث توقفت المشاريع، وأغلقت المؤسسات، وفقد الآلاف من النساء وظائفهن.
وبحسب التقرير، فقد أكثر من 40 في المئة من النساء العاملات مصدر رزقهن، وأصبحن يعتمدن على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة.
ووفقًا لتقرير هيئة الأمم المتحدة للمرأة ، فإن أكثر من 70 في المئة من الفتيات في غزة فقدن فرصهن في التعليم بسبب الحرب، حيث دُمرت المدارس والجامعات، وأصبحت الدراسة حلمًا بعيد المنال.
كما أن الآلاف من الطالبات الجامعيات اضطررن إلى ترك مقاعد الدراسة بسبب النزوح القسري، وفقدان القدرة على دفع الرسوم الدراسية، ما أدّى إلى انقطاعهن عن التعليم العالي.
وكشف تقرير شامل بعنوان “نساء في مواجهة الإبادة: تحديات الصحة والرعاية للنساء في غزة،” أصدرته المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) استناداً إلى جهد بحثي مطوّل وخلاصة قراءات معمّقة ومتابعات ميدانية دقيقة، أن أكثر من 10 آلاف امرأة فقدن حياتهن بسبب الهجمات، مع تصاعد غير مسبوق في عدد الأرامل والنازحات، وتمثل النساء والأطفال نحو 70 في المئة من الضحايا.
كما عاش أكثر من 49 ألف امرأة حامل ظروفاً كارثية، حيث واجه 17 ألفاً منهن المجاعة، بينما تعاني 155 ألف امرأة من صعوبات في الحصول على أيّ رعاية طبية.
وفي ما يتعلق بالنظافة الشخصية، بيّن التقرير، أن 690 ألف فتاة وامرأة في غزة افتقدن إلى الفوط الصحية، ما يزيد من مخاطر الإصابة بالأمراض المعدية.

وتتعرض النساء النازحات للاستهداف بالصواريخ والاعتداءات أثناء محاولتهن البحث عن الأمان.وقد اعتقلت قوات الاحتلال أكثر من 142 امرأة، من بينهن طفلات ورضيعات، في ظروف قاسية وغير إنسانية. وبحسب التقرير، ارتفعت أعداد النساء من ذوات الإعاقة بشكل كبير بسبب استخدام الاحتلال أسلحة محرمة دولياً.
كما أشار التقرير إلى أن النساء في غزة يعانين من انتهاكات خطيرة للقانون الدولي، حيث تُنتهك اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 والبروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 من خلال غياب الحماية واستهداف المستشفيات. كما يتم حرمانهن من حقوق أساسية يكفلها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، بما في ذلك حقهن في الرعاية الصحية والإنجابية. ووفق التقرير، فإن السياسات الممنهجة التي تستهدف النساء قد ترقى إلى جريمة إبادة جماعية وفق المادة 6 من نظام روما الأساسي، من خلال فرض ظروف معيشية تؤدي إلى الإهلاك ومنع الإنجاب قسراً.