الهروب إلى نظرية المؤامرة لتعويم التحقيق بشأن حريق الكوت والتغطية على التقصير الحكومي
يشكل حريق الكوت فاجعة جديدة في العراق كشفت هشاشة الاستجابة الرسمية، لكن بدلا من مواجهة الحقائق، لجأت أطراف نافذة إلى نظرية المؤامرة كستار لتعويم التحقيق والتغطية على التقصير الحكومي الواضح في حماية الأرواح والممتلكات.
بغداد- نشطت آلية الدعاية التابعة لأحزاب الإطار التنسيقي المسيطر على الحكومة العراقية لإطلاق الإشاعات بهدف حرف الأنظار عن قضية حريق مركز التسوق في الكوت بمحافظة واسط، والمطالبات الشعبية بتحقيق يحمّل المسؤولية للجهات الحكومية المقصرة وعدم الاكتفاء بتوقيف مسؤولين محليين والتضحية بهم كحل مؤقت لأزمة أعمق.
وسعت الإشاعات إلى ربط الحريق بمؤامرة من تنفيذ مجموعة من السوريين والادعاء بأن وزارة الداخلية قد ألقت القبض على ثلاثين سوريا كانوا وراء إشعال الحريق، ما اضطر الوزارة إلى التكذيب في بيان لها.
وتراهن أحزاب الإطار التنسيقي على حالة الشك بين العراق وسوريا في ظل صعود نظام جديد مناوئ لإيران وحلفائها في العراق لخلق سردية تقوم على نظرية المؤامرة واتهام السوريين بالوقوف وراء الحريق في ظل شحن طائفي كبير ضد دمشق والرئيس السوري أحمد الشرع، ما يجعل العراقيين يصدقون أي رواية عن مؤامرة سورية بدل الغضب الشعبي الكبير على حكومة محمد شياع السوداني ووزرائها، الذين عجزوا عن وضع خطط لتلافي تجدد الحرائق كل عام، والاكتفاء بإظهار التعاطف والبحث عن كبش فداء.
نؤاس صباح: غالبية الضحايا كانوا في الطوابق العليا
في الدول المتقدمة، تتم محاسبة الوزراء وكبار المسؤولين عن بطء الاستجابة والعجز عن النجدة في الوقت الملائم وليس البحث عن تفسير تقليدي للحادث مثل التماس الكهربائي أو الخطأ البشري وإلقاء المسؤولية عن عدو وهمي.
وفي سياق تعويم التحقيق والبحث عن عدو خارجي، عادت الجهات الأمنية لإثارة فزاعة البعث الذي مضى على حله أكثر من عشرين عاما بهدف تخويف العراقيين من أن الاحتجاج على تردي الخدمات وغياب الدولة يمكن أن يعيد البعث إلى الواجهة. وتوجه الرسالة بالأساس إلى جمهور الأحزاب الدينية الغاضب على الأداء الحكومي وإلى التيار الصدري الذي يتحرك لاستثمار أزمة الحريق وأزمات أخرى في الحملات الانتخابية مع تلميحات من زعيمه مقتدى الصدر إلى المشاركة في الانتخابات.
وكشف جهاز الأمن الوطني في العراق الأحد عن إحباط مخططات تخريبية لفلول حزب البعث العربي الاشتراكي المنحل في ثلاث محافظات عراقية.
وقالت مديرية العلاقات والإعلام في جهاز الأمن الوطني العراقي، في بيان صحفي، “في إطار الجهود الاستباقية لحماية الأمن الوطني وحفظ السلم المجتمعي تمكن جهاز الأمن الوطني، بعد جهد استخباري متواصل، من كشف وإحباط محاولات بائسة قادتها جيوب هشة وفلول مرتبطة ببقايا النظام البائد، سعت لتأليب الرأي العام والنيل والتأثير على الأمن والاستقرار”.
وأوضحت أن “هذه العناصر الضالة لجأت إلى خطابات مزيفة روجت لنظام البعث المحظور كغطاء لتسويق أحلامهم الميتة، والتحريض على الدولة، كما تم رصد الترويج لما يسمى بـ’لواء 66’ الذي يدار من الخارج لبث أفكار النظام المقبور عبر الفضاء الإلكتروني”.
وأشارت إلى أن “أجهزة الأمن الوطني نفذت عمليات نوعية أسفرت عن ضبط 40 متهما متورطا في إدارة وتمويل محتوى طائفي والسعي لتنفيذ أعمال تخريبية، حيث اعترف بعضهم بتلقي توجيهات ودعم من عناصر هاربة خارج البلاد وأن هذه الشراذم وأوهامها لن تنجح في زعزعة استقرار البلاد أو إعادة إنتاج الفكر الدكتاتوري”.
ولفتت إلى أنه “تم اتخاذ الإجراءات القانونية بحق المتورطين وفق السياقات الأصولية، مع استمرار الجهد الأمني لملاحقة كل من تسول له نفسه العبث بأمن الوطن”.
لكن مراقبين يرون أن حريق الكوت والحرائق الأخرى التي سبقته وغياب التحرك الحكومي العاجل والناجع لا يمكن تجاوزه بالتخويف من عودة البعث أو المؤامرة الخارجية، مشيرين إلى أن الأحزاب الحاكمة فقدت المصداقية لدى العراقيين ولدى جمهورها الحزبي والمناطقي والطائفي، ولا أحد يستمع لها.
وينتظر أن يثير الحريق نقاشات حادة في جلسة البرلمان المقررة لليوم الاثنين، لكنها نقاشات لا يتجاوز مفعولها المزايدات وتسجيل النقاط على الخصوم السياسيين. كما أنها شكل من أشكال تعويم التحقيق عن الحريق بدلا من الضغط لإجراء تحقيق جدي وعميق.
وأعلنت السلطات العراقية السبت أنها ألقت القبض على ستة مسؤولين محليين وأوقفت موظفين آخرين عن العمل مؤقتا على خلفية حريق قتل 61 شخصا.
الداخلية العراقية: وجود تقصير واضح من قبل عدد من المسؤولين والموظفين في عدة دوائر معنية
اندلع هذا الحريق في مدينة الكوت في محافظة واسط في بلد غالبا ما يتم فيه التغاضي عن معايير السلامة، مساء الأربعاء في مبنى “هايبر ماركت الكورنيش” المؤلف من خمسة طوابق.
وتحدّثت وزارة الداخلية العراقية السبت عن “وجود تقصير واضح من قبل عدد من المسؤولين والموظفين في عدة دوائر معنية، ما أدى إلى تفاقم حجم الكارثة والخسائر الناتجة عنها”.
وأشارت إلى توقيف ثلاثة ضباط أحدهم مدير الدفاع المدني في محافظة واسط، بالإضافة إلى توقيف 17 موظفا عن العمل بشكل مؤقت.
وفي وقت لاحق، قالت هيئة النزاهة الاتحادية في بيان إن القوات الأمنية أوقفت ثلاثة مسؤولين إضافيين على خلفية “المخالفات التي تسبَّبت باندلاع” الحريق.
وهؤلاء الموقوفون الثلاثة هم من بين الموظفين الـ17 الذين أوقفوا عن العمل.
وأوضح مسؤول أمني عراقي لوكالة فرانس برس أن التحقيق مستمرّ وعدد الموقوفين قد يتغيّر.
وغالبا ما لا يتمّ التزام معايير السلامة في العراق الغنيّ بالموارد النفطية، لاسيما في قطاعي البناء والنقل. ويعاني العراق أيضا من بنى تحتية متداعية نتيجة عقود من النزاعات، ما يؤدّي مرارا إلى اندلاع حرائق وكوارث مميتة أخرى.
أحزاب الإطار التنسيقي فقدت المصداقية لدى جمهورها الحزبي والمناطقي والطائفي، ولا أحد يستمع لها
ومع ارتفاع درجات الحرارة في الصيف، تندلع باستمرار حرائق في متاجر ومخازن في أنحاء مختلفة من العراق.
ولم يعرف سبب حريق الكوت بعد، لكن أحد الناجين أفاد بأن مكيّفا انفجر في الطابق الثاني وانتشر الحريق بسرعة في المبنى.
وقال مدير إعلام وعلاقات مديرية الدفاع المدني نؤاس صباح لوكالة الأنباء العراقية الخميس إن الحريق “بدأ في الطابق الثاني المخصص للعطور ومواد التجميل”، مشيرا إلى أن غالبية الضحايا “كانوا في الطوابق العليا بينما تمكن العديد من الموجودين في الطابق الأرضي من الخروج”.
وأوضح عدد من الأشخاص أن عائلات تضم أمهات وأطفالا توجّهت إلى المركز للتسوق وتناول العشاء، بعد أيام على افتتاحه في الكوت الواقعة على بعد حوالي 160 كيلومترا جنوب شرق بغداد.