المتحف الزراعي بدمشق نافذة على إرث تاريخي وعلمي عريق
دمشق - لا اختلاف على أهمية الزراعة في نشأة الحضارات الإنسانية، فهي التي قادت إلى استقرار البشر وتكوين الجماعات والشعوب، وبالتالي فهي التي أنتجت الثقافة الحضرية التي قامت عليها في الحياة الاجتماعية واللغة والعمران وغيرها من مقومات الحضارة. وما الاهتمام بالتاريخ الزراعي في جوهره إلا اهتمام بجوهر حضاري وهذا ما يعيه السوريون جيدا وعلى أسسه أنشأوا المتحف الزراعي قبل أكثر من ستة عقود.
في كل زاوية من زوايا قاعات المتحف الزراعي بدمشق صورة من العراقة وأصالة التاريخ الزراعي السوري، ولوحة فنية تخبر زوارها عما تتميز به كل محافظة ومنطقة، وتعرفهم على مراحل تطور أساليب الزراعة المحلية عبر العصور القديمة، وتقنياتها وأدواتها ومنتجاتها المتنوعة التي شكلت حجر الأساس في النهوض بهذا القطاع الإستراتيجي في البلاد.
مقتنيات المتحف المفتوح بالمجان تعد ذاكرة حية وشواهد على الزراعة في سوريا كفعل حضاري ممتد لعشرات القرون
رغم مساحتها الضيقة، تتيح القاعات السبع في المتحف الزراعي بدمشق إحاطة شاملة بتاريخ الزراعة السورية وبعض ملامح الإرث الزراعي العالمي، ما يجعلها محطة جذب لزوار المتحف.
وأوضحت مديرة المتحف المهندسة نبال شيخة أن المعروضات تشمل أنواعا مختلفة من البذور والأسمدة المستخدمة في الأراضي السورية، مرفقة ببطاقات تعريفية لكل صنف، إضافة إلى أصناف متعددة من القطن ومجسمات لمحالج قديمة توثق أدوات فصل الألياف عن البذور قبل ظهور الآلات الحديثة.
كما تتضمن القاعات عينات بحرية وسمكية، وأدوات فرز العسل، وطيورا محنطة، ومجسمات لأدوات زراعية تاريخية، إلى جانب لوحات وتماثيل تعكس حضارات قديمة، ويختتم الزائر جولته في “المضايف” التي تحاكي الموروث الثقافي العربي من خلال شخصيات محنطة تمثل طقوس الضيافة التقليدية.
أكدت معاونة مديرة المتحف المهندسة الزراعية ليباء محرز أن المتحف يمثل محطة علمية وزراعية مهمة، وبات موسوعة أكاديمية ومصدرا بحثيا لطلاب الزراعة والباحثين المتخصصين، إضافة إلى كونه مرجعا يستفيد منه طلاب الفنون الجميلة عبر المنحوتات واللوحات التي تجسد الإرث التاريخي المحلي والعالمي.
من جانبه، أشار مسؤول الاستقبال في المتحف لؤي زعيّن إلى أن الزوار والباحثين يحصلون على بطاقات تعريفية ومعلومات مفصلة عن المقتنيات والعينات الزراعية المعروضة، بما يلبي احتياجاتهم العلمية ويسهم في إنجاز بحوثهم.
“هذا المكان دافئ”، بهذه العبارة اختصرت إحدى السائحات الأجنبيات شعورها خلال زيارتها لقاعات المتحف الزراعي، وفق المهندسة محرز، التي أكدت استقبالها عددا كبيرا من السياح الأجانب والمغتربين، والدخول بنقاشات وحوارات عميقة معهم حول ما تتميز به المعروضات الزراعية المحلية والتاريخية المعروضة في المتحف، وتبادل الأفكار حول ما تقتنيه المتاحف العالمية، وما يمكن الاستفادة منه في المتاحف السورية.
ولفتت محرز إلى أن الزوار الأجانب عبروا عن فرحتهم للاطلاع على التاريخ الزراعي السوري، وما تقتنيه قاعات المتحف من معدات ومنتجات زراعية محلية، وإرث تاريخي عريق يعكس حضارات قديمة، وثمنوا الجهود في التعريف بالتاريخ السوري من خلال معروضات المتحف.
وبينت المهندسة محرز أن مقتنيات المتحف تعد ذاكرةً وإرثا حضاريا وعلميا للزراعة السورية، وتبذل كوادره الجهود بالتعاون مع وزارة الزراعة للحفاظ على التاريخ الزراعي السوري بالشكل الأمثل.
ودعت إلى إمكانية العمل على توسيع المتحف الزراعي بالشكل الذي يمكن أن يحتضن أكبر عدد من المقتنيات والنماذج الزراعية التي تتميز بها سوريا.
يذكر أن المتحف الزراعي السوري تأسس في دمشق عام 1961، وهو تابع لوزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، ويُعد ذاكرة الزراعة السورية، ويعرض المتحف تاريخ الزراعة والنباتات والحيوانات في سوريا، ويضم مجموعة من المقتنيات والمعدات التي ساهمت في جعله ضمن قائمة المتاحف المهمة، حيث احتوى المتحف على عدد من الساحات والممرات والقاعات، وكل قاعة من تلك القاعات تحمل اسم واحد من أهم العلماء العرب المسلمين ممن برعوا في علم الحيوان والنبات، ومن هذه القاعات قاعة ابن البيطار وقاعة الجاحظ وقاعة الدميري وغيرها العديد من القاعات.
ويقع المتحف في منطقة الحلبوني في دمشق خلف محطة الحجاز ويعتبر انعكاسا هاما للتطورالحضاري للزراعة السورية منذ أن كانت سوريا أول موطن للزيتون والقمح والقطن، بالإضافة إلى عشرات الأنواع الوراثية النباتية والحيوانية والصادرات الزراعية. كما يعرض المتحف لزواره أدوات زراعية قديمة، ومقتنيات منوعة، ومجسمات، ونماذج لأنواع الزراعة المختلفة، ولا يتطلب الدخول إليه رسوما.