العاهل المغربي يوجه بارسال مساعدات عاجلة لغزة في لفتة انسانية ملكية جديدة
الرباط – وجه العاهل المغربي الملك محمد السادس، بإرسال نحو 180 طنا من المواد الغذائية والأدوية والأغطية إلى الفلسطينيين وخاصة بقطاع غزة، وهو ما يعكس التزاما عميقا وتضامنا ثابتًا مع الشعب الفلسطيني في ظل الأوضاع الإنسانية الكارثية التي يشهدها القطاع.
وهذه المبادرة تتجاوز كونها مجرد إغاثة عابرة، لتكون تجسيدا لرؤية ملكية حكيمة تجمع بين العمل السياسي الفاعل والدعم الملموس، وتؤكد على مكانة المغرب كفاعل رئيسي في دعم القضية الفلسطينية.
وجاء في بيان صادر الأربعاء، عن وزارة الخارجية المغربية أن العاهل المغربي، بصفته رئيس لجنة القدس التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي، أصدر تعليماته بتوفير "مساعدة إنسانية وطبية عاجلة لفائدة الشعب الفلسطيني، وخاصة لقطاع غزة".
وأشار إلى أن هذه المساعدات التي يبلغ وزنها حوالي 180 طنا تتكون من مواد غذائية أساسية، وحليب ومواد موجهة للأطفال، إضافة إلى أدوية ومعدات جراحية مخصصة للفئات الأكثر هشاشة، إلى جانب أغطية وخيام وتجهيزات طبية أخرى.
وأضاف البيان أن هذه المساعدات سيتم إرسالها "عبر مسار خاص سيمكن من إيصالها بشكل سريع ومباشر للمستفيدين الفلسطينيين"، دون المزيد من التفاصيل.
وتتميز هذه المبادرة الملكية بعدة جوانب مهمة تعكس ريادة المغرب وفعالية دوره، حيث استطاع المغرب تجاوز العقبات اللوجستية بفتح مسار إيصال فريد من نوعه، بنقل المساعدات جوا إلى تل أبيب ومنها برا إلى غزة، وهو إنجاز لوجستي كبير يضمن وصول المساعدات بشكل سريع ومباشر للمحتاجين، متجاوزا بذلك التحديات والمعوقات التي تواجه المنظمات الدولية الأخرى.
ولم تقتصر المبادرة على الغذاء فقط، بل تميزت أيضًا بشمولية المساعدات لتشمل الأدوية والمستلزمات الطبية والأغطية، مما يدل على فهم عميق للاحتياجات الملحة والمتنوعة في القطاع، ويستهدف الفئات الأكثر ضعفًا مثل الأطفال والمرضى.
وتتجاوز الأهمية الإستراتيجية للمبادرة الملكية حدود العمل الإنساني لتؤكد على الدور المحوري للمملكة المغربية على الساحة الدولية، فهذه المبادرة تأتي تأكيدا لدور المغرب في دعم القضية الفلسطينية واستكمالا لتقليد عريق من التضامن الفعال مع الشعب الفلسطيني، وتضاف إلى جهود وكالة بيت مال القدس التي ترأسها المملكة، والتي تقدم دعمًا مستمرًا لسكان مدينة القدس.
وتعكس المبادرة أيضا الفعالية الحقيقية للجنة القدس التي يرأسها العاهل المغربي، وتظهر أنها ليست مجرد هيئة رمزية، بل هي أداة فاعلة للتحرك الملموس وتقديم الدعم في أوقات الأزمات.
وفي ظل الصعوبات التي تواجهها الجهود الدولية في إيصال المساعدات، فإن الطريقة الفريدة التي اتبعها المغرب تفتح آفاقا جديدة للتعاون الإنساني، وتؤكد على ضرورة بناء جسور التضامن والعمل المشترك لإغاثة المتضررين.
وتكتسب المبادرة الملكية أهمية قصوى في ظل الأرقام الصادمة والتحذيرات الدولية من مجاعة، فقد أصدر مرصد عالمي للجوع تحذيرا من أن مجاعة تتكشف في قطاع غزة، بينما بلغ عدد وفيات المجاعة وسوء التغذية منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى الأربعاء 154 فلسطينيًا، من بينهم 89 طفلا، حسب أحدث معطيات وزارة الصحة بغزة. هذه الأرقام المأساوية تؤكد ضرورة اتخاذ إجراءات فورية لمنع انتشار الموت على نطاق واسع.
وبينما أعلنت إسرائيل عن "هدنة تكتيكية" يومية لإتاحة دخول المساعدات، فإن الأمم المتحدة تؤكد أن هذه الجهود "بعيدة من أن تكون كافية" لتلبية الاحتياجات الهائلة لسكان القطاع "اليائسين والجائعين".
وقد أشار مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إلى استمرار تسجيل وفيات بسبب الجوع وسوء التغذية، بالإضافة إلى سقوط قتلى وجرحى في صفوف منتظري المساعدات. وتؤكد الأمم المتحدة أن الاحتياجات هائلة وتتطلب دخول ما لا يقل عن 500 إلى 600 شاحنة محملة بالمساعدات يوميًا.
وتُعد المبادرة الملكية المغربية لإرسال المساعدات إلى غزة شهادة قوية على التزام المغرب الثابت تجاه القضية الفلسطينية، وتجسيدا لنموذج ريادي يجمع بين الحكمة السياسية والعمل الإنساني الملموس.
ففي وقت تتزايد فيه معاناة المدنيين، تقدم المملكة رسالة قوية للعالم مفادها أن التضامن الفعلي هو السبيل الوحيد لتخفيف المعاناة وإنقاذ الأرواح. هذه المبادرة ليست مجرد شحنة مساعدات، بل هي تعبير عن مسؤولية أخلاقية وتاريخية يضطلع بها المغرب، مما يعزز مكانته كفاعل رئيسي ومؤثر في دعم حقوق الشعب الفلسطيني.
يُسجّل للمغرب سبقه في كسر الحواجز اللوجستية لإيصال المساعدات الإنسانية، حيث كان أول بلد ينقل مساعداته مباشرة إلى الفلسطينيين عبر معبر أبوكرم سالم. هذا الإنجاز يعكس التزامًا عميقًا ودعمًا ثابتًا للقضية الفلسطينية، الذي يُعد ركيزة أساسية في سياسة المغرب الخارجية.
لقد تجلّى هذا الالتزام بوضوح في النهج الملكي للعاهل المغربي، الذي يدافع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ويؤيد مساعيه نحو إقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس الشريف.
ويستند الموقف المغربي إلى مبادئ ثابتة تتمثل في دعم حل الدولتين، بما يضمن قيام دولة فلسطينية على حدود عام 1967، مع التأكيد على أهمية الحفاظ على الوضع التاريخي والقانوني لمدينة القدس ورفض أي محاولات لتغيير هويتها العربية والإسلامية.
ومن هذا المنطلق، يضطلع الملك محمد السادس بصفته رئيس لجنة القدس، بدور محوري في حماية المدينة المقدسة ومقدساتها الإسلامية والمسيحية. ويقوم بيت مال القدس الشريف، الذراع التنفيذي للجنة، بتنفيذ مشاريع تنموية واجتماعية وثقافية تهدف إلى تعزيز صمود المقدسيين ودعم ارتباطهم بمدينتهم.
لم يقتصر دعم المغرب على الجانب السياسي والدبلوماسي في المحافل الدولية، بل واكبه جهد إنساني متواصل. فبينما يشارك المغرب بانتظام في المؤتمرات الدولية ويدعو إلى حل سلمي وعادل، فإنه يقدم أيضًا مساعدات إنسانية واجتماعية تشمل الغذاء والأدوية والمستلزمات الطبية، بالإضافة إلى دعم مشاريع تهدف إلى تحسين الظروف المعيشية للفلسطينيين.
وعلى الرغم من تطبيع العلاقات مع إسرائيل، أكدت المملكة المغربية مرارًا أن هذا القرار لا يمس بموقفها الثابت تجاه القضية الفلسطينية. أوضح الملك محمد السادس أن هذا التطبيع يهدف إلى تعزيز جهود السلام في المنطقة، مع التأكيد على استمرار دعم المغرب لحل الدولتين والحفاظ على هوية القدس.
وتأتي هذه الجهود في وقت حرج للغاية، حيث تفاقم الوضع الإنساني بشكل كارثي في شهري يونيو ويوليو، مع نفاد المخزونات وتزايد التحذيرات من منظمة الصحة العالمية من تفشي المجاعة، لتصدم صور الأطفال المصابين بالهزال العالم أجمع.