الطبيعة تدق ناقوس الخطر من أبوظبي

الفقمات والطيور تواجه الانقراض المتسارع.
السبت 2025/10/11
الفقمة تودّع الجليد

كشف الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة خلال مؤتمره في أبوظبي عن تزايد خطر الانقراض على الفقمات القطبية والطيور، حيث أُدرجت أنواع جديدة ضمن "القائمة الحمراء" بسبب الاحترار المناخي والصيد الجائر والملاحة البحرية، فيما أظهر التقرير تحسنًا في وضع السلحفاة البحرية الخضراء.

أبوظبي - في ظل تصاعد التهديدات البيئية التي تواجه التنوع الحيوي على كوكب الأرض، كشف الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة عن تحديث جديد لـ”القائمة الحمراء” للأنواع المهددة بالانقراض، خلال مؤتمره العالمي الذي تستضيفه العاصمة الإماراتية أبوظبي هذا العام. وجاءت النتائج مثيرة للقلق، إذ أظهرت تراجعًا حادًا في أعداد الفقمات القطبية الشمالية والطيور، ما يعكس حجم التحديات التي تواجهها الأنظمة البيئية في ظل الاحترار المناخي والأنشطة البشرية المتسارعة.

أبرز ما جاء في التقرير هو خفض تصنيف الفقمة المقنّعة إلى فئة “مهدد بالانقراض”، وهو ما يعني أن هذا النوع يواجه خطر الزوال في المستقبل القريب إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة لحمايته. كما تم خفض تصنيف كل من الفقمة الملتحية وفقمة غرينلاند إلى فئة “قريب من التهديد”، ما يضعها على حافة الخطر، ويستدعي مراقبة دقيقة وتحركًا سريعًا.

وفي ما يتعلق بالطيور، أشار الاتحاد إلى أن 61 بالمئة من أنواع الطيور حول العالم شهدت انخفاضًا في أعدادها، مقارنة بـ44 في المئة فقط في عام 2016، وهو مؤشر خطير على تدهور البيئات الطبيعية التي تعتمد عليها هذه الكائنات في التكاثر والتغذية والهجرة.

وبحسب التحديث الجديد، أصبحت “القائمة الحمراء” تضم 172,620 نوعًا، بينها 48,646 نوعًا مهددًا بالانقراض، أي ما يعادل 28.2 بالمئة من إجمالي الأنواع المدرجة، مقارنة بـ27.9 بالمئة في تحديث عام 2024. هذا الارتفاع الطفيف في النسبة يعكس استمرار التدهور البيئي، رغم الجهود الدولية المبذولة في مجالات الحماية والتوعية.

الطيور تطلب النجاة
الطيور تطلب النجاة

الفقمات، التي تعيش في المناطق القطبية وتعتمد على الجليد البحري كمأوى ومصدر للغذاء، تُعد من أبرز ضحايا الاحترار المناخي. فقد أشار الاتحاد إلى أن “الاحترار العالمي يحدث أسرع بأربع مرات في القطب الشمالي” مقارنة ببقية أنحاء الكوكب، ما يؤدي إلى ذوبان الجليد البحري وتدمير المواطن الطبيعية لهذه الكائنات. وتشمل قائمة المتأثرين بهذا التغير المناخي الحاد جميع الثدييات القطبية، مثل حيوان الفظ، والحيتانيات، والدببة القطبية، التي تواجه بدورها تحديات وجودية.

ويؤكد العلماء أن الفقمات تلعب دورًا محوريًا في سلاسل الغذاء البحرية، إذ تتغذى على الأسماك واللافقاريات، وتعيد تدوير المغذيات، ما يجعلها “أنواعًا رئيسية” في النظام البيئي. وبالتالي، فإن تراجع أعدادها لا يؤثر فقط على وجودها، بل يهدد التوازن البيئي بأكمله في المناطق القطبية.

لكن الاحترار المناخي ليس التهديد الوحيد. فقد أشار الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة إلى عوامل أخرى متزايدة الخطورة، منها حركة الملاحة البحرية التي تزعج المواطن الطبيعية، واستخراج المعادن والنفط الذي يلوث المياه، والصيد الصناعي والجائر الذي يستنزف الموارد الغذائية لهذه الأنواع.

أما الطيور، فقد نالت نصيبها من التهديدات. فبحسب التقرير، صُنِّف 1,256 نوعًا من أصل 11,185 نوعًا تم دراستها على أنها مهددة بالانقراض، أي ما يعادل 11.5 بالمئة من إجمالي الأنواع. ويركز التحديث الجديد على الغابات الاستوائية، التي تُعد من أغنى البيئات بالتنوع الحيوي، لكنها تواجه ضغوطًا متزايدة بسبب إزالة الغابات والتوسع العمراني.

الأرقام لا تطمئن
الأرقام لا تطمئن

وفي مدغشقر، تم إدراج 14 نوعًا من الطيور ضمن فئة “قريب من التهديد”، فيما أُدرجت ثلاثة أنواع في فئة “معرض للانقراض”. أما في غرب أفريقيا، فانتقلت خمسة أنواع إلى فئة “قريب من التهديد”، وكذلك نوع واحد في أميركا الوسطى، ما يعكس التدهور المتسارع في هذه المناطق الحيوية.

ورغم هذه الصورة القاتمة، لم يخلُ التقرير من إشارات إيجابية. فقد أعلن الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة عن تحسن في وضع السلحفاة البحرية الخضراء، التي تعيش في البحار الدافئة حول العالم. إذ تم نقل تصنيفها من فئة “مهدد بالانقراض” إلى “غير مهدد”، بعد أن ارتفعت أعدادها بنسبة نحو 28 بالمئة خلال نصف قرن، بفضل جهود الحماية والتوعية والحد من الصيد الجائر.

الفقمات تذوب مع الجليد، والطيور تهاجر من الحياة إلى الخطر… والطبيعة تصرخ من أبوظبي: أنقذوني قبل فوات الأوان

هذا المثال الإيجابي يعكس إمكانية تحسين وضع الأنواع المهددة من خلال سياسات شاملة ومحددة، تجمع بين حماية المواطن الطبيعية، وتنظيم الأنشطة البشرية، وتفعيل دور المجتمعات المحلية في الحفاظ على البيئة.

وفي كلمته خلال المؤتمر، شدد رئيس الاتحاد على أن “الطبيعة لا تزال قادرة على التعافي، إذا منحناها الفرصة،” داعيًا إلى تعزيز التعاون الدولي، وتكثيف الجهود البحثية، وتوفير التمويل اللازم لحماية الأنواع المهددة، قبل أن تصبح جزءًا من الماضي.

ويأتي انعقاد المؤتمر في أبوظبي ليؤكد الدور المتنامي الذي تلعبه المنطقة في دعم القضايا البيئية العالمية، من خلال استضافة الفعاليات الكبرى، وتقديم نماذج مبتكرة في الاستدامة، والمشاركة في صياغة السياسات الدولية لحماية الطبيعة.

في النهاية، يبدو أن القائمة الحمراء ليست مجرد أرقام، بل مرآة تعكس حال الكوكب، وتدق ناقوس الخطر بشأن مستقبل التنوع الحيوي. وبينما تتراجع الفقمات والطيور، يبقى الأمل معقودًا على إرادة البشر في تغيير المسار، قبل أن يصبح الانقراض هو القاعدة، لا الاستثناء.

Thumbnail
10