"الشمولية الرقمية" يفكك النظام العالمي ويتوج بجائزة فيلادلفيا
عمان - فاز الكاتب والمترجم الأردني باسم إبراهيم الزعبي بجائزة فيلادلفيا لأحسن كتاب مترجم عن كتابه “من سيحكم العالم.. الشمولية الرقمية” للكاتبة الروسية أولغا تشيتفيريكوفا.
يتناول الكتاب، الصادر عن الآن ناشرون وموزعون، ظاهرة الرقمية ومدى ارتباطها مع الظواهر العالمية الجديدة التي تندرج في إطار ما يسمى “العولمة الحديثة”، وأنها عبارة عن وسيلة وأداة لتكريس الهيمنة على الإنسان المعاصر والتحكم فيه، وصلة هذه الظاهرة بحركة العصر الجديد الفكرية، حيث إن الرقمية تتحول إلى نظام شمولي ودين جديد يحكم المجتمعات والأفراد، ولا يخدم سوى مصالح الشركات الكبرى المتحكمة بالمنصات الرقمية، ويكشف بالتفصيل كيفية اختراق أصحاب المصالح الأنظمةَ الوطنية لتكريس هيمنتهم، كما يكشف الخلفية الفكرية والفلسفية للرقميين وأجنداتهم.
تقول الكاتبة في الفصل الأول، الذي ترسي فيه المصطلحات والقواعد التي ستتبعها في باقي فصول الكتاب، “تدَّعي حركة ‘العصر الجديد’ أنها خلقت آخر ديانة اصطناعية في العالم، مصمَّمة لتحلَّ محل المسيحية، كما يشير اسمها نفسه: يعيش العالم نقطة تحول عندما تنتقل الأرض إلى قرن جديد ‘عصر الدلو’، إذ ستنشأ حالة جديدة للإنسانية”.

وفي الفصل نفسه تقول تشيتفيريكوفا “إن السمات الرئيسة التي تجعل من ‘العصر الجديد’ رؤية عالمية حديثة للغاية تتناغم مع متطلبات العصر، هي عالميته التعدُّدية وتفكيره العولمي. التعددية تعني رفض مفهوم الحقيقة بوصفها مقولة مطلقة، وهذا يخلق منظورا دينيا يمكن من خلاله توحيد جميع الأديان والأجناس. والعولمة هي وحدة العالم بوصفه كلا حيا، ما يتطلَّب إنشاء نظام موحَّد مناسب يجسِّد فكرة ‘جمعنة’ النفس وطمس السمات الفردية”.
ويلاحظ أن الكتاب يرى أن الرقمية تصل حد اعتبارها دينا جديدا، فنقرأ في الفصل الثاني “لقد أصبح إنشاء دين جديد شامل ممكنا في سياق الأزمة الروحية والأيديولوجية العميقة التي شهدها المجتمع العالمي. إن الخروج عن نظام القيم التقليدي ورفض التقييمات الرسمية لصالح الفردية الدينية يجعل وعي الشخص عرضة لتأثير الأفكار الغامضة، ومع ذلك، بما أن الإنسان الحديث نشأ على التعددية والتسامح، فإن تأثير هذه الأفكار يحدث بمرونة شديدة، وبأشكال متنوعة، تحت ستار انتشار العديد من الحركات الدينية والطوائف والمذاهب الجديدة التي أصبح نشاطها في العقود الثلاثة الماضية تهديديا”.
ويتحدث الكتاب في الفصل السادس عن التحول الرقمي العالمي وعن بناء شبكة عالمية موحدة للحكومة الإلكترونية فيقول “تسير هذه العملية في روسيا بوتيرة متسارعة، أيضا جنبا إلى جنب مع المصرفيين وقادة الأعمال في مجال تكنولوجيا المعلومات والمسؤولين الحكوميين، لكن مع خصوصية أن قوة جهاز الدولة الروسية تسمح بتنفيذ مجالات معينة من المشروع الرقمي بشكل فعال أكثر من الغرب، الأمر الذي أعطى مبررا للباحثين أن يطلقوا على روسيا منصة تجريبية لاختبار أحدث أساليب الإدارة الإلكترونية للمجتمع”.
وفي الفصل الرابع عشر يناقش الكتاب التغييرات السلبية في تطور الدماغ والنفس فيقول “يؤدي استخدام الأطفال النشط للتقنيات الرقمية (الهواتف الذكية، الأدوات الذكية، الشاشات، الإنترنت) وانغماسهم العميق في الفضاء الافتراضي إلى تغيرات جدية وخطيرة في نمو الدماغ التي حددها العلماء بالفعل باسم ‘الخرف الرقمي’ (digital dementia)، وهذا التشخيص يعني انتهاك الوظائف المعرفية للدماغ وتلف أجزاء معينة منه”.
ويأتي في الفصل نفسه تلخيص لجوهر المشكلة ومحتواها: “يتم العمل الرئيس على تكوين دماغ الطفل قبل سن العشرين، إذ يتطوَّر الدماغ وينمو ويتم بناء الاتصالات العصبية”.
وتأتي الخاتمة لتلخّص ما تم التوصل إليه بعد تعرض العالم كله لجائحة كورونا وذلك الأثر الذي خلَّفته من اعتماد العالم كله على الرقمنة التي تحولت إلى طوق النجاة في جميع المجالات، وعلى رأسها التعليم.
تقول تشيتفيريكوفا “إن أحداث السنوات الأخيرة المتعلقة بما يسمى ‘الوباء’ والوضع الحالي في روسيا، والذي تطور في ما يتعلق بالعملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، قد كشفا بوضوح عن ضعف الدولة الروسية بسبب تبعيتها المالية والتكنولوجية والاقتصادية والثقافية، وكانت هذه التبعية نتيجة لفقدان روسيا لهويتها الحضارية والسنوات العديدة من اندماجها في الاقتصاد العالمي والسياسة العالمية وفقًا للأجندة العالمية التي حددتها المنظمات الدولية والهياكل الكبرى العابرة للحدود الوطنية؛ الأمم المتحدة، ومنظمة التجارة العالمية، ومنظمة الصحة العالمية، واليونسكو، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، والمنتدى الاقتصادي العالمي”.
والجدير بالذكر أن أولغا تشيتفيريكوفا مؤرّخة وباحثة روسيّة، ولدت في مدينة موسكو بروسيا (الاتحاد السوفييتي سابقا) في الثامن عشر من يونيو سنة 1959. تعمل أستاذة مشاركة في قسم التاريخ والسياسة في أوروبا وأميركا، بمعهد العلاقات الدولية الحكومي التابع لوزارة خارجية روسيا الاتحادية.
أما المترجم الدكتور باسم إبراهيم الزعبي فهو كاتب ومترجم، عمل في وزارة الثقافة، وشغل فيها مناصب عدة وصولا إلى وظيفة مستشار وزير، كما عمل محاضرا غير متفرغ في عدد من الجامعات الأردنية، ومدربا في معهد الإدارة العامة الأردني، وأدار عددا من المشروعات الثقافية التي تنفذها وزارة الثقافة الأردنية. وهو عضو في رابطة الكتاب الأردنيين، وعضو مؤسس في الجمعية الفلسفية الأردنية.
ومن مؤلفاته “قيم الحياة عند أبي حيان التوحيدي”، “الصحافة الشيوعية في الأردن وفلسطين حتى عام 1982″، “الخطة الإستراتيجية للثقافة والأمن الوطني”. وله عدد من المجموعات القصصية منها: “الموت والزيتون”، “ورقة واحدة لا تكفي”، “دم الكاتب”، “تقاسيم المدن المتعبة”، وغيرها. أما في الرواية فله “أنا يوسف يا أبي”.