الشرع يدعو العالم إلى تقاسم أعباء تكلفة إعادة إعمار سوريا
دمشق - أكد الرئيس السوري أحمد الشرع أن إعادة إعمار ما دمره النظام البائد خلال حربه على الشعب السوري تأتي ضمن أولويات الدولة، مشيرا إلى أن تكلفة هذه العملية تبلغ بين 600 و900 مليار دولار، الأمر الذي يتطلب دعما واسعا من المجتمع الدولي.
وقال الشرع في مقابلة مع برنامج "60 دقيقة" على قناة "سي بي سي نيوز" الأميركية نقلتها وكالة الأنباء السورية "سانا" إن "العالم راقب هذه المأساة لــ14 عاما ولم يتمكن من منع هذه الجريمة الكبرى، لذا يجب أن يقدم اليوم الدعم لسوريا".
ويمثل تحديد الشرع لكلفة الإعمار بما يقارب مليار دولار بمثابة وضع "فاتورة" رسمية تُلزم المجتمع الدولي بالتدخل المالي الفوري، حيث إن هذا الرقم الهائل يبرز حجم الجريمة المرتكبة ويؤكد أن الإعمار ليس مسؤولية سورية خالصة.
ويُبرر هذا الموقف طلب الدعم عبر اللجوء إلى مبدأ المسؤولية الأخلاقية، مُذكرا العالم بتقاعسه عن وقف المأساة لـ 14 عاما، يشير هذا الطرح بوضوح إلى أن استقرار المنطقة يعتمد بشكل مباشر على استجابة المجتمع الدولي لهذا النداء، مما يضع القيادة السورية الجديدة في موقف المطالب بحق لا مجرد المتسول للمساعدة.
وأشار إلى أن العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على سوريا تعرقل جهود إعادة الإعمار، مشددا على أن من يعوق رفعها يصبح شريكا في الجريمة التي ارتُكبت.
وأكد الشرع أن سوريا تستحق أن تعيش بسلام وأمن، وأن هذا يصب في مصلحة المنطقة والعالم، لافتا إلى أن سوريا ستكون منفتحة على الشراكات الدولية التي تحترم سيادتها.
وظهر الرئيس الشرع ذكاء سياسيا بربطه بين ضرورة رفع العقوبات وبين المشاركة في "الجريمة"، حيث يهدف هذا التكتيك إلى عزل الدول التي تتمسك بالعقوبات والضغط عليها أخلاقيا لتمكين عملية الإعمار.
ويُرسل هذا الموقف رسالة واضحة بأن المرحلة الجديدة تعتمد على "الشراكة" وليس "الوصاية"، مؤكدا أن الانفتاح على العالم سيكون مشروطاً بـ"احترام سيادة" الدولة.
ويشير هذا الإصرار على السيادة والاستحقاق الأمني إلى أن القيادة الجديدة لن تقبل أي تدخلات خارجية في مقابل الدعم، مما يعزز موقفها التفاوضي دوليا ويُشرعن سعيها لاسترداد الدور الإقليمي.
وأوضح الشرع أن هناك أجيالا كاملة من السوريين عانت من صدمات نفسية هائلة جراء الحرب التي شنها النظام البائد وقتل خلالها أكثر من مليون سوري، ودمر الكثير من المناطق والبنى التحتية، وشرد الملايين بين لاجئين في الخارج ونازحين في الداخل، مبينا أنه سيتم استخدام وسائل قانونية لملاحقة “بشار الأسد” الهارب إلى روسيا.
ويظهر التركيز على معاناة الأجيال والصدمات النفسية أن الدولة تتبنى نهجا شاملا للإعمار يتجاوز البنية التحتية إلى العلاج المجتمعي.
ويُركز الشرع بقوة على العدالة الانتقالية وملاحقة رأس النظام السابق، حيث يؤكد هذا التوجه التزام القيادة الجديدة بمحاسبة جميع مرتكبي الجرائم، الأمر الذي يمثل مطلبا جوهريا للثورة ويُضفي شرعية شعبية عميقة على الحكم الجديد.
وبشأن أحداث الساحل والسويداء، شدد الشرع على أن هذه مسألة داخلية يجب أن تُحلّ قانونيا، والدولة ملتزمة بمحاكمة كل من ارتكب جرائم ضد المدنيين، من أي طرف كان.
ويعد التعامل مع ملفات داخلية حساسة كأحداث الساحل والسويداء بوصفها "مسألة داخلية يجب أن تُحلّ قانونياً" تأكيدا على سيادة الدولة الجديدة على أراضيها وعلى التزامها بالحلول المؤسساتية والعدالة، وهو ما يبني جسور الثقة مع مختلف المكونات الشعبية.
وفيما يخص الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، قال الشرع "سوريا لم تستفز إسرائيل منذ وصولنا إلى دمشق، ولا تريد أن تشكّل تهديدا لها أو لأي دولة أخرى"، مؤكدا أن استهدافها للقصر الرئاسي لم يكن لإيصال رسالة "بل إعلان حرب، لكن سوريا لا ترغب في خوض الحروب"، مشددا على وجوب انسحاب إسرائيل من أي نقطة احتلتها بعد الثامن من ديسمبر.
وتأتي هذه التصريحات في ظل توتر أمني مع إسرائيل، بعد أن تخلت الدولة العبرية عن اتفاقية الهدنة لعام 1974 منذ سقوط النظام السابق في الثامن من ديسمبر الماضي، مما أدى إلى توغل قواتها داخل المنطقة منزوعة السلاح على مدى أشهر.
وقصفت القوات الإسرائيلية أصولا عسكرية ومواقع سورية عديدة في الجنوب ومحيط دمشق
ولم تفض عدة جولات من المفاوضات التي جرت مؤخرا بين الجانب الإسرائيلي والسوري، من أجل إبرام اتفاق أمني، إلى نتيجة حتى الآن، وهو ما يضع دمشق الجديدة أمام تحدي الحفاظ على أمنها بالتوازي مع جهود الإعمار.
من جهة أخرى، بيّن الشرع أن عمليات هيئة تحرير الشام قبل التحرير كان هدفها إسقاط نظام “الأسد”، ولم تقم بأي عمليات خارج الأراضي السورية ولم تستهدف أحدا سوى النظام، معيدا التذكير بأنه قطع العلاقة مع تنظيمي "داعش" و"القاعدة"، وقال "لو كنت متّفقا معهما، لما تركتهما"
ويُقدم الشرع نفسه كقائد مسؤول يسعى إلى استقرار الجبهات، حيث يؤكد بوضوح أن سوريا لا ترغب في خوض الحروب ولا تشكل تهديدا لأي دولة، بما فيها إسرائيل.
ويعتبر وصف القصف الإسرائيلي للقصر الرئاسي بأنه "إعلان حرب" تحذيرا قويا يضع إسرائيل أمام مسؤولية التصعيد، مما يدفع المجتمع الدولي للضغط عليها لإنهاء التوغلات والاعتداءات.
يأتي تبرير موقف "هيئة تحرير الشام" والتأكيد على قطع العلاقة مع تنظيمات إرهابية كإثبات على الانضباط الأمني للقيادة الجديدة، وهو ما يحسن صورتها دوليا ويؤكد أن عملياتها كانت موجهة داخليا لإنهاء النظام البائد لا لتصدير الإرهاب للخارج، مما يسهل قبولها دولياً كشريك موثوق به.
وردا على سؤال حول دخوله القصر الرئاسي لأول مرة، قال الشرع "لم تكن تجربة إيجابية جدا، خرج من هذا القصر الكثير من الشر تجاه الشعب السوري”، مؤكدا أنه من المهم اليوم منح الناس أملا لإعادة البناء والعودة إلى منازلهم، فإعادة الإعمار لا تقتصر على البنية التحتية، بل تشمل معالجة الصدمات النفسية التي خلّفتها الحرب.
يبرز الشرع حساسيته تجاه رمزية القصر الرئاسي، حيث ينأى بنفسه عن الإرث السلبي للقصر ويستخدمه كنقطة انطلاق لبث "الأمل" بدلا من إظهار القوة، وهو ما يعكس قيادة متواضعة وواعية لأهمية الدعم النفسي للشعب.
وبيّن الشرع أنه ستُجرى انتخابات عامة حين يعاد إعمار البنى التحتية ويحصل الناس على بطاقات هوية ووثائق رسمية، مشدداً على أنه يريد لسوريا أن تكون مكاناً يُصوّت فيه كل شخص، وعلى أن الشعب السوري قوي وقادر على النهوض من جديد.
ويؤكد ربط الانتخابات بإعادة الإعمار واستصدار الوثائق المدنية أن القيادة ملتزمة بعملية ديمقراطية حقيقية وشاملة، ولكنها تدرك أن إجراء انتخابات ناجحة يتطلب أولا توفير البيئة المادية والاجتماعية اللازمة لتمكين كل مواطن من المشاركة بفعالية.
ويظهر هذا النهج أن التحول ليس مجرد تغيير للواجهات، بل هو التزام عميق بالبناء الديمقراطي الشامل الذي يضع كرامة وقوة الشعب السوري في المقدمة.