الركراكي في مفترق طرق.. المغرب بين الحفاظ على القمة وإعادة البناء
الدار البيضاء - يعيش المنتخب المغربي لكرة القدم منذ إنجازه التاريخي ببلوغ المربع الذهبي في كأس العالم 2022 في قطر، تحت ضغط مجد ثقيل يصعب تجاوزه. ولم يكن ذلك الإنجاز الذي دون اسم “أسود الأطلس” بحروف من ذهب في سجل المونديال مجرد لحظة عابرة، بل أصبح معيارا يقاس عليه كل أداء وكل مباراة، مهما كانت طبيعتها. ولكن بمرور الوقت تبين أن الحفاظ على القمة أصعب من بلوغها، فبين مباريات ودية متذبذبة وتصفيات تسير على إيقاع الانتصارات الصامتة، تتصاعد الأسئلة حول مسار المنتخب المغربي: هل يسير فعلا في الاتجاه الصحيح، أم أن الأرقام تخفي أزمة أعمق تتعلق بالهوية والأسلوب؟
وكشفت ودية البحرين ثم مواجهة الكونغو الديمقراطية ضمن تصفيات كأس العالم 2026، عن ملامح فريق يملك الأسماء والإمكانيات، لكنه يفتقر إلى الإيقاع والروح، وإلى فكرة واضحة تجمع بين الجمالية والنجاعة، ورغم استمرار النتائج الإيجابية، بل وتحقيق رقم قياسي في عدد الانتصارات المتتالية، بدا الأداء داخل الملعب بعيدا عن الطموحات التي صنعتها ملحمة المونديال.
مفترق طرق
هوية المنتخب المغربي تبدو غير واضحة المعالم، فبين اللعب بالاستحواذ والتحول السريع، أو بين التوازن الدفاعي والنزعة الهجومية
ويقف المنتخب المغربي على مفترق طرق بين ذاكرة المجد القريب ومتطلبات إعادة البناء قبل كأس أفريقيا للأمم المقررة في ديسمبر المقبل على أرضه، حيث إنها مرحلة حساسة تتطلب شجاعة في التشخيص وجرأة في اتخاذ القرار. ولم تكن ودية البحرين محطة شكلية في برنامج التحضير، بل اختبارا حقيقيا لمدى النضج التكتيكي والنفسي للفريق بعد ثلاث سنوات على الإنجاز العالمي، لكن مؤشرات الأداء لم تكن مطمئنة، فريق فقد شرارة الإبداع، ومدرب يبدو متمسكا بقناعاته أكثر من انفتاحه على التطوير، ولاعبون يبحثون عن توازن مفقود. وجاءت مواجهة الكونغو الديمقراطية لتؤكد أن المعضلة أعمق من مجرد ودية تحضيرية، فبرغم الفوز الصعب، ظل الأداء باهتا ومتكررا، مع استمرار الأخطاء ذاتها وغياب الفاعلية في الثلث الأخير أمام خصم متواضع نسبيا.
وتكمن أبرز ملامح الخلل في أسلوب اللعب، إذ يواصل المنتخب الدوران حول الكتلة الدفاعية دون قدرة على اختراقها، فالكرة غالبا ما تتحرك أفقيا من مدافع إلى جناح ثم ظهير، لتعود من حيث أتت، في غياب العمق والمفاجأة والمخاطرة. وفي الثلث الأخير، تختفي الجرأة والمبادرة، لتتحول السيطرة إلى استحواذ بلا معنى. ورغم التحسن النسبي في التنظيم وبناء اللعب من الخلف، يفتقر الفريق إلى الفاعلية أمام المرمى، هناك تحديث في التمركز، لكن الروح تبدو غائبة، أداء منضبط تكتيكيا لكنه جامد، يفتقد للحيوية واللمسة السريعة التي تفك التكتلات الدفاعية. ومع ذلك، برزت نقطة ضوء واحدة في لقاء الكونغو تمثلت في أداء الظهير الأيسر سفيان الكرواني، الذي قدم مستوى مميزا أعاد الأمل في سد فراغ هذا المركز بعد فترة طويلة من التجارب غير المقنعة.
هوية غير واضحة
رغم الأرقام القياسية التي قد يحققها المنتخب المغربي من حيث عدد الانتصارات المتتالية، يحذر متابعون من الاعتماد على النتائج فقط كمؤشر على النجاح
وتبدو هوية المنتخب المغربي غير واضحة المعالم، فبين اللعب بالاستحواذ والتحول السريع، أو بين التوازن الدفاعي والنزعة الهجومية، لا يظهر توجه محدد، تتبدل الوتيرة من مباراة إلى أخرى، مما يعكس غياب رؤية موحدة بين ما يريده المدرب وما يحاول اللاعبون تطبيقه. وترافق الأداء داخل الملعب مع جدل خارجه، فخلال المؤتمر الصحفي عقب ودية البحرين، أظهر المدرب وليد الركراكي توترا لافتا حين رد بحدة على سؤال صحافي حول ضعف الجانب الهجومي، ما أثار انتقادات واسعة، واعتبر مؤشرا على انغلاق تقني يرفض النقاش، في وقت تتطلع فيه الجماهير إلى تواصل أكثر انفتاحا وشفافية. ويرى محللون أن رفض النقد سلوك غير صحي في بيئة كرة حديثة تعتمد على الحوار والتقييم المستمر، خاصة أن الجمهور المغربي بات أكثر وعيا بالتفاصيل التكتيكية ويتوقع مستوى من الأداء يوازي قيمة الأسماء التي يضمها المنتخب.
ورغم الأرقام القياسية التي قد يحققها المنتخب المغربي من حيث عدد الانتصارات المتتالية، يحذر متابعون من الاعتماد على النتائج فقط كمؤشر على النجاح. فالفوز، كما يقول مراقبون، لا يجب أن يكون غطاء لجمود تكتيكي أو لضعف الإبداع الجماعي، إذ إن المنتخبات الكبرى لا تكتفي بالنتائج، بل تراجع أداءها باستمرار بحثا عن التطور.