الرئيس السوري يستثمر اجتماعات الجمعية العامة في القيام بحملة علاقات عامة ناجحة
نيويورك - استثمر الرئيس السوري أحمد الشرع حضوره في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بشكل جيد للقيام بحملة علاقات عامة وصفت بـ”الناجحة”، ولاقت اهتماما واسعا من وسائل الإعلام الدولية.
والشرع هو أول رئيس سوري يشارك في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ العام 1967. وحرص الشرع سواء في خطابه من على منبر المنظمة الأممية، أو في اللقاءات التي عقدها، على التسويق إلى أنه رجل سلام، وأن محور تركيزه بناء “سوريا جديدة” منفتحة على الجوار، وتحتضن جميع أبنائها.
ووصفت مجلة “فورين بوليسي” خطاب الرئيس السوري أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بـ”الاستثنائي”، لعدة أسباب، فهو كان مقاتلا سابقا في تنظيم القاعدة، وحارب الولايات المتحدة في العراق، حيث قضى فترة في سجن كامب بوكا المعروف بإدارته الأميركية.
أحمد الشرع قام بحملة علاقات عامة مقنعة للغاية على مدى الأسبوع الماضي مع بعض من أكبر منتقديه
وحتى ديسمبر الماضي، كانت هناك مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لاعتقاله، وقد تحدث أمام الجمعية العامة رغم كونه ما يزال خاضعاً لعقوبات الأمم المتحدة المتعلقة بالإرهاب.
وحرص الشرع في خطابه على التأكيد على فتح صفحة جديدة في تاريخ سوريا تقوم على السلام والتسامح والتعاون مع المجتمع الدولي، وشدد على أن سوريا “تحولت الآن من مصدر أزمات إلى فرصة للسلام.”
وشدد الرئيس السوري أنه يضمن محاسبة كل من يثبت تورطه في ارتكاب الانتهاكات ضد المدنيين، مؤكداً على التزامه بالحوار مع جميع مكونات الشعب السوري.
وواجه الرئيس السوري إحراجا كبيرا على خلفية أحداث عنف طائفية شهدتها منطقة الساحل ذات الغالبية العلوية، ومحافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية، وأودت بحياة المئات من المدنيين.
وأثارت تلك الأحداث مخاوف المجتمع الدولي على الأقليات في داخل سوريا، لكن الشرع شدد على أنه لن يتهاون مع مرتكبي الانتهاكات بحق المدنيين.
وسبق وأن وافق الشرع على خارطة طريق بشأن أزمة السويداء تضمنت تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة، وأيضا إشراك الدروز في توفير الأمن في المدينة، في بادرة حسن نية تجاه الأقلية الدرزية.
واعتبرت المجلة الأميركية أن اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة شكلت فرصة للرئيس الشرع لعرض صورته أمام العالم، وهو لم يضيع هذه اللحظة، حتى أنه جلس لمحادثة الجنرال الأميركي المتقاعد، ديفيد بترايوس، الذي كان مسؤولاً عن سجنه في العراق في أثناء قيادته للقوات الأميركية هناك.
وقالت محللة الأمم المتحدة لدى مجموعة الأزمات الدولية والموجودة في نيويورك في أثناء الجمعية العامة، مايا أونغار، إن الشرع “قام بحملة علاقات عامة مقنعة للغاية على مدى الأسبوع الماضي مع بعض من أكبر منتقديه.”
وأضافت أونغار أن خطاب الشرع الأربعاء، كان “موجهاً لإزالة الشكوك التي يحملها معارضوه بشأن الانخراط مع سوريا،” وصُمم أيضاً لجذب مستثمرين جدد وشركات لمتابعة الملف السوري.
وأكدت أونغار أن خطاب الرئيس الشرع “كان وسيلة لتقديم سوريا الجديدة للمجتمع الدولي الأوسع،” مشيرة إلى أن الشرع استغل هذه اللحظة لتغيير صورته، وظهر أمام الجمعية العامة قائلاً: “أنا الرئيس الجديد لسوريا، ويجب التعامل معي على هذا الأساس، وليس على خلفيتي السابقة.”
الرئيس السوري يشدد على أنه يضمن محاسبة كل من يثبت تورطه في ارتكاب الانتهاكات ضد المدنيين ةيؤكد على التزامه بالحوار مع جميع مكونات الشعب السوري
وشكل حضور الشرع في نيويورك لحظة عاطفية لبعض أعضاء الجالية السورية في الخارج، الذين تجمهروا قرب الحواجز الأمنية للأمم المتحدة، رافعين الأعلام السورية، وهاتفين باسم الشرع.
وأشارت أونغار إلى أن “هناك أعداداً كبيرة من المجتمع السوري اقتربت قدر الإمكان من الحواجز،” موضحة أنه “كنت معهم قبل ساعة تقريباً من بدء خطاب الشرع، وكان هناك دموع وإحساس بالحماسة وعدم التصديق، بأن الوقت قد حان أخيراً لتحويل صفحة جديدة لسوريا.”
وعن انتقاده للاستهدافات الإسرائيلية لسوريا في ظل وساطة الولايات المتحدة لاتفاق تهدئة بين الجانبين، قالت محللة الأمم المتحدة لدى مجموعة الأزمات الدولية إن “النبرة والحدة” اللتين تحدث بهما الشرع عن إسرائيل تظهران أن الطريق نحو الاتفاق ما يزال طويل الأمد، مشيرة إلى أن تطور هذه العلاقة يمثل منطقة مهمة تجب متابعتها من كثب.
وتولى الشرع السلطة في سوريا على إثر نجاح هيئة تحرير الشام وفصائل مسلحة حليفة لها في الإطاحة بنظام حكم بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر 2024، وذلك بعد نحو 14 عاما من حرب أهلية شهدتها البلاد.
ويواجه الشرع تركة ثقيلة سواء في علاقة بالدمار الذي لحق البلاد جراء الحرب، أو في تمزق نسيجها المجتمعي.