التحركات الأميركية المناهضة للحشد الشعبي تختبر الشراكة مع العراق

ماركو روبيو: ضرورة نزع سلاح الميليشيات المدعومة من إيران والتي تقوّض سيادة العراق.
السبت 2025/10/25
في انتظار لحظة الحسم

بغداد - تنذر الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد قوات الحشد الشعبي في العراق – وهي قوة تضم نحو 240 ألف مقاتل بميزانية سنوية تقارب 3.5 مليارات دولار –بعلاقة أكثر صعوبة بين الولايات المتحدة والعراق، مع ما يرافقها من تداعيات متزايدة في المجالات الأمنية والسياسية والاقتصادية.

وفي مكالمة هاتفية جرت في أكتوبر، شدّد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو على “ضرورة نزع سلاح الميليشيات المدعومة من إيران والتي تقوّض سيادة العراق”، وذلك خلال حديثه مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.

وكان استخدامه لكلمتي “الميليشيات” و”نزع السلاح” لافتاً وكاشفاً، إذ بدا أنه يشير إلى جماعات داخل الحشد الشعبي. وهذه هي المرة الأولى التي يستخدم فيها مسؤول أميركي رفيع كلمة “نزع السلاح” لوصف موقف واشنطن من مصير تلك الجماعات.

ويبدو أن الطلب لم يلقَ ترحيباً من الجانب العراقي، إذ خلا البيان الصادر عن مكتب السوداني من أي إشارة إلى الفصائل المسلحة، وضمّن بدلاً من ذلك انتقاداً مبطناً للإجراءات “الأحادية” الأميركية التي تمسّ العراق، داعياً إلى “التواصل والتشاور المسبق” في ما يبدو إشارة إلى الخطوات الأميركية الأخيرة ضد فصائل الحشد.

الاختبار الحقيقي للاستراتيجية الأميركية سيكون خلال مرحلة تشكيل الحكومة العراقية بعد الانتخابات المقبلة

ويقول الباحث محمد أ. صالح في تقرير نشره المجلس الأطلسي أن واشنطن أوصلت الآن مطلبها بوضوح: على جماعات الحشد الشعبي أن تنزع سلاحها.

ومع ذلك، تبقى الأسئلة الكبرى قائمة: ماذا يعني “نزع السلاح” عملياً؟ وكيف ومتى سينفَّذ؟ وأي فصائل يستهدف؟ ومن الذي سيتولى تنفيذه؟ يبدو أن الإدارة الأميركية تعتزم استغلال الظرف الإقليمي الذي أعقب أحداث 7 أكتوبر لتكثيف الضغط على المحور الذي تقوده إيران، بما في ذلك داخل العراق.

وسيكون الاختبار الحقيقي لهذه الاستراتيجية خلال مرحلة تشكيل الحكومة بعد الانتخابات، حين يتضح مدى جدية واشنطن، ومن تصنّفهم على أنهم “ميليشيات مدعومة من إيران”، وما الدور الذي ستسمح لهم بلعبه في هياكل الحكم المدني والعسكري المقبلة في العراق.

وشملت الإجراءات الأميركية الأخيرة تصنيف وزارة الخارجية، في سبتمبر، أربع فصائل شيعية مسلحة – حركة النجباء، كتائب سيد الشهداء، حركة أنصار الله الأوفياء، وكتائب الإمام علي – كـ”منظمات إرهابية أجنبية”.

وبررت الوزارة القرار بصلاتها مع إيران وهجماتها في أنحاء العراق، بما في ذلك ضد السفارة الأميركية في بغداد وقواعد تضم قوات أميركية وتحالفية، معتبرة ذلك تطبيقاً لمذكرة الأمن القومي الرئاسية التي أصدرها ترامب في فبراير لفرض “أقصى درجات الضغط” على طهران وحلفائها.

وفي 9 أكتوبر، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على “شركة المهندس العامة” – وهي تكتل اقتصادي تابع للحشد الشعبي – وعلى شبكات مالية مرتبطة بـالحرس الثوري الإيراني بتهمة “تحويل أموال من عقود حكومية عراقية” لصالح الحشد، والمساعدة في “غسل أموال لصالح إيران”. وردت الحكومة العراقية ببيان وصف الخطوة الأميركية بأنها “مؤسفة للغاية ولا تنسجم مع روح الصداقة والاحترام المتبادل” بين البلدين.

ترامب على الخط
ترامب على الخط

سبق هذه الإجراءات حملة دبلوماسية مكثفة من واشنطن للضغط على الحكومة العراقية وزعماء الشيعة لمنع تمرير قانون جديد لتنظيم هيئة الحشد الشعبي، إذ حذر روبيو من أن تمرير القانون “سيؤدي إلى تقنين النفوذ الإيراني والجماعات المسلحة الإرهابية التي تقوض سيادة العراق”.

ويرى منتقدو مشروع القانون المعدل أنه يتجاوز قانون عام 2016 السابق، ويمنح الحشد استقلالية أكبر، ويكرّس نفوذ إيران في العراق، ويسمح له بالتدخل في السياسة بحجة “حماية النظام الدستوري والديمقراطي”، ويوسع نشاطه إلى الاقتصاد والثقافة، بما يشبه نموذج “الحرس الثوري” الإيراني.

وطُرح مشروع القانون من قبل الحكومة العراقية وأُرسل إلى البرلمان في مارس، وجُمعت فيه نسختان سابقتان أُعدتا جزئياً بسبب صراعات داخلية على قيادة الحشد.

ومع ذلك، وتحت ضغط أميركي شديد، لم يتمكن البرلمان العراقي من تمريره بسبب فشل الكتل الشيعية في تأمين النصاب القانوني في محاولات يوليو وأغسطس، بينما عارضته الكتل الكردية والسنية.

ويعكس كلا التحركين اهتمام واشنطن الكبير – امتداداً لسياساتها تجاه إيران – في كبح نفوذ الفصائل المسلحة الموالية لطهران.

ورغم أن الحشد الشعبي لا يتكوّن بالكامل من جماعات موالية لإيران، فإن القوى الأساسية فيه – مثل منظمة بدر وكتائب حزب الله وعصائب أهل الحق – تدور في فلكها.

وبما أن الحشد أصبح جزءاً محورياً من المنظومة الأمنية والعسكرية العراقية، وله أذرع سياسية فاعلة، فإن تبني واشنطن نهجاً تصادمياً معه قد يعقّد علاقاتها مع بغداد.

وإذا تم توسيع صلاحيات الحشد الشعبي بموجب القانون الجديد، فقد يؤدي ذلك إلى مزيد من التوتر في التعاون الأمني بين العراق والولايات المتحدة، من تضييق تبادل المعلومات الاستخباراتية إلى تقييد مهام التدريب والدعم اللوجستي، وربما فرض قيود على استخدام الأسلحة الأميركية في عمليات مشتركة تضم وحدات من الحشد.

وفي عام 2017، وُثّق امتلاك بعض وحدات الحشد دبابات “أبرامز” الأميركية واستخدامها ضد قوات البشمركة الكردية، ما أثار جدلاً في الكونغرس. وقد تصبح واشنطن أقل استعداداً للدفاع عن العراق في حال تعرضت قوات الحشد لضربات من أطراف خارجية كإسرائيل.

هل ستضغط الولايات المتحدة لدمج الحشد الشعبي بالكامل ضمن المنظومة الأمنية العراقية تحت سلطة القائد العام للقوات المسلحة؟ أم ستسعى إلى تفكيكه تدريجياً ودمج عناصره في مؤسسات أخرى

ومن المرجح أن يكون للحملة الأميركية ضد فصائل الحشد تداعيات كبيرة على العملية السياسية في العراق. فمنذ انتخابات 2021، أصبحت الأحزاب المرتبطة بالحشد شريكاً رئيسياً في الائتلاف الحاكم بعد انسحاب التيار الصدري من البرلمان. وغياب الصدريين عن العملية السياسية يفتح الباب أمام الحشد لتثبيت نفوذه في الحكومة المقبلة وربما تمرير قانون الحشد الجديد في البرلمان القادم.

لكن ذلك سيصطدم بمعارضة واشنطن التي ستسعى لتقليص دور الفصائل الموالية لإيران في أي حكومة جديدة، في إطار استراتيجيتها الأوسع لاحتواء النفوذ الإيراني في المنطقة. وقد يؤدي ذلك إلى إطالة أمد المفاوضات لتشكيل الحكومة، إذ تشتهر العملية السياسية العراقية بطابعها المعقد والقائم على المحاصصة الطائفية والحزبية.

واقتصادياً، توسّع الحشد في السنوات الأخيرة داخل قطاعات متعددة مثل البناء والخدمات اللوجستية والمشاريع العامة، عبر شركات مثل “شركة المهندس العامة”. ومع تشديد العقوبات الأميركية، قد تتأثر الوزارات والشركات العراقية بشبكات التعامل مع تلك الكيانات، ما يخلق مخاطر امتثال قانوني ويؤثر في تدفق الأموال وسلاسل التوريد والوصول إلى الدولار الأميركي.

ويبقى السؤال الأهم: هل ستضغط الولايات المتحدة لدمج الحشد الشعبي بالكامل ضمن المنظومة الأمنية العراقية تحت سلطة القائد العام للقوات المسلحة؟ أم ستسعى إلى تفكيكه تدريجياً ودمج عناصره في مؤسسات أخرى كما يجري الحديث عن “حزب الله” في لبنان؟

وصرّح رئيس هيئة الحشد فالح الفياض في أغسطس بأن “حلّ الحشد الشعبي سيكون بمثابة انتحار، ولا أتوقع أن يأتي هذا القرار من المرجعية الدينية أو من الدولة”.

وبناءً على اللهجة المتبادلة حالياً، يبدو أن العامين المقبلين سيكونان من أكثر الفترات اضطراباً في العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والعراق، ما لم تُظهر واشنطن مرونة أكبر في مقاربتها لملف الحشد الشعبي.

2