التجارة تحرك بوصلة الولايات المتحدة لحل الأزمة السودانية

 الانخراط الأميركي الجديد لوقف الحرب لا يعني انتهاء الصراع تماما.
الجمعة 2025/07/11
حب ترامب للصفقات قد يعجل بالحل

التحركات الأميركية الأخيرة تجاه الحرب في السودان تعكس تحوّلا لافتا في موقف الولايات المتحدة بعد فترة من الغياب أو التردد. ويطرح هذا التحول تساؤلين جوهريين: هل تسعى واشنطن فعلا إلى إنهاء النزاع عبر تسوية سياسية شاملة؟ أم أنها تستخدم ملف السودان لتعزيز مصالحها الاقتصادية والإستراتيجية في أفريقيا؟

الخرطوم- توالت التصريحات الأميركية بشأن وقف الحرب في السودان، ما يعني أن واشنطن التي ظلت بعيدة لفترة قد تكون أدركت تأثير استمرار الصراع على مصالحها، في وقت تسعى فيه لتعزيز نفوذها التجاري في القارة الأفريقية.

وأعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال استقباله في البيت الأبيض رؤساء: غينيا بيساو وموريتانيا والغابون والسنغال وليبيريا، أن إدارته تعمل على دعم التسوية في السودان وليبيا، لتحقيق الاستقرار الإقليمي عبر الحوار السياسي والتعاون الاقتصادي.

ورحّب التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة (صمود)، الخميس، بخطاب ترامب، وحث التحالف الدول الشقيقة والصديقة لدعم مسارات الحل السياسي المتفاوض عليه لإنهاء الحرب، وثمّن دور واشنطن لحل الأزمات في القارة، وتمهيد الطريق لتحقيق السلام والتحول الديمقراطي، بما يتماشى مع رغبة أهل السودان .

عبدالمنعم أبوإدريس: الانخراط الأميركي الجاد قد يؤدي إلى وقف الحرب
عبدالمنعم أبوإدريس: الانخراط الأميركي الجاد قد يؤدي إلى وقف الحرب

وتزامنت تصريحات ترامت مع أخرى أطلقها مستشاره الخاص لشؤون أفريقيا مسعد بولس، أكد فيها أن الأزمة السودانية على رأس أولويات الإدارة الأميركية بعد نجاحها في التوصل إلى اتفاق سلام بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، واصفا الوضع في السودان بأنه “أكبر كارثة إنسانية عالمية حاليا،” مؤكدا أن الحل يجب أن يكون سودانيا خالصا وبعيدا عن التدخلات الخارجية.

وتبدو التوجهات الأميركية الأخيرة بشأن السودان مرتبطة باستدارة يقوم بها الرئيس ترامب نحو أفريقيا، بعد أن قام مسعد بولس مؤخرا بجولة شملت: جمهورية الكونغو الديمقراطية، رواندا، كينيا وأوغندا، أسهمت في توقيع اتفاق سلام بين الكونغو ورواندا، ومناقشة فرص الاستثمار الأميركية في قطاع التعدين.

وقال الباحث السوداني في الشأن الأفريقي عبدالمنعم أبوإدريس إن التحرك الأميركي تجاه السودان جزء من الإستراتيجية الجديدة المبنية على أساس استثماري تجاري، ما يضمن تحقيق أكبر قدر من المكاسب للولايات المتحدة، وهو ما ظهر في ذهاب شركات أميركية للتنقيب عن المعادن النادرة في شرق الكونغو الديمقراطية عقب التوصل إلى اتفاق سلام مع رواندا، واستضافة زعماء خمس دول في غرب القارة.

وأوضح لـ”العرب” أن الولايات المتحدة تعمل على استكشاف فرص التعرف على الموارد الطبيعية السودانية وكيفية الاستثمار فيها، لافتا إلى أن التحرك نحو السودان يرتبط بمصالح الولايات المتحدة مع بعض اللاعبين المؤثرين في مشهد الحرب.

ودعت واشنطن إلى عقد اجتماع للجنة الرباعية، التي تضم السعودية والإمارات ومصر والولايات المتحدة، للبحث عن إيجاد حل سياسي لوقف الحرب في السودان.

وأشار أبوإدريس إلى أن الانخراط الأميركي الجاد في الأزمة قد يؤدي إلى وقف الحرب، وليس إنهاء الصراع بشكل كامل، لأن دخول السودان في عملية سلام واستقرار دائمين يرتبط بالتوصل إلى تسوية تشارك فيها القوى السودانية، فهناك قضايا لا يمكن لأطراف خارجية حلحلتها بمفردها، مثل قضية العدالة الانتقالية، كما أن الانقسام الذي تسببت فيه الحرب في حاجة إلى مصالحة مجتمعية شاملة.

ولم يتوافق غالبية السودانيين منذ الحصول على الاستقلال عام 1956، على الطريقة والكيفية التي تُحكم بها البلاد، ما يؤدي دوما إلى نشوب تمرد في مناطق وفترات زمنية مختلفة، وحال جرى التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب، على السودانيين حسم قضايا نظام الحكم، وما إذا كان رئاسيا أم برلمانيا، وتحديد شكل العلاقة بين الدين بالدولة، وحل قضية الهوية، والميليشيات، وبناء جيش موحد ومنع انتشار السلاح.

الصادق علي حسن: لا بد من معادلة داخلية تساعد في توطين الحل
الصادق علي حسن: لا بد من معادلة داخلية تساعد في توطين الحل

وحال تمكنت الولايات المتحدة من خلق توافق يراعي مصالح الدول الإقليمية ذات التأثير في الأزمة السودانية والدول التي لديها تخوفات من مستقبل الأوضاع، يمكن التوصل إلى اتفاق يقود إلى وقف الحرب، خاصة أن هذه الدول لها علاقات جيدة مع الولايات المتحدة.

وأكد الرئيس دونالد ترامب، في وقت سابق، أن إدارته تسعى إلى بناء شراكات طويلة الأمد مع الدول الأفريقية من خلال التركيز على التنمية الاقتصادية المشتركة، مشددًا على أن بلاده تتحول تدريجيًا من سياسة المساعدات إلى تعزيز التجارة.

وشدد مسعد بولس، وهو رجل أعمال راكم ثروته من تجارة السيارات في نيجيريا، على أن خطته لدفع قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) للجلوس إلى طاولة الحوار، اعتمادا على محفزات داخلية، ما فتح تساؤلات حول ما إذا كان يراهن على موارد السودان كمدخل للسلام، أم يلمح لتفاهمات مع قوى اقتصادية لدفع مسار التسوية دون لجوء إلى تمويل خارجي.

وأشار رئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور الصادق علي حسن إلى أن المتابعة للمواقف الأميركية تشير إلى أن الإدارات المتعاقبة ليست لديها معرفة حقيقية بطبيعة الأزمة في السودان، وأن الولايات المتحدة كدولة عظمى تتلقى معلوماتها من مصادر متعددة، ولها أذرعها الطويلة، لكنها قد تصل إلى معلومات ليست مدروسة بشكل جيد، وأكبر دليل على ذلك أنه حينما اندلعت الثورة في السودان ضد نظام الرئيس السابق عمر البشير كانت رؤية واشنطن أن يصل المعارضون إلى حلول وفاقية مع البشير، وكان هناك وفد سوداني التقي مسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية قبل الحرب.

وذكر لـ”العرب” أن الفريق الأميركي الجديد الذي يتولى عملية التعرف على طبيعة الأزمة السودانية يسير في الاتجاه السابق نفسه، وأن مبعوثا أمميا سابقا رأى ضرورة إلزام الطرفين بقواعد السلوك الأخلاقي لوقف الحرب وذهب باتجاه الدعوة إلى مؤتمر في جنيف، غير أن الجيش قاطعه، وكانت رؤية القوى السياسية السودانية أن ما تطرحه الولايات المتحدة رؤية “حالمة وغير قابلة للتطبيق.”

ولفت إلى أن عقد مؤتمر للجنة الرباعية بشأن السودان الذي سيعقد في واشنطن لن يحل الأزمة، حيث تجاوزت المؤتمرات وفي حاجة إلى بحث عن معادلة داخلية تساعد في توطين الحل، وليس سهلا إرغام طرفي الصراع على وقفه مع إدراك كليهما صعوبة الضغط عليه، والسبيل الأفضل أن يأتي الحل عبر حراك مدني بالداخل ضد طرفي الصراع، وهو أمر يتطلب وقتا، لكنه الأمل الوحيد حاليا.

6